حكومة اقليم كوردستان
SAT, 18 MAY 2024 20:01 Erbil, GMT +3




You are viewing Kurdistan Regional Government's 8th cabinet website.
For updated information about Kurdistan Regional Government
visit current cabinet's web portal at GOV.KRD please

كتاب المرسم الفكرى... الشبك في العراق

MON, 31 JUL 2006 12:19 | KRG Cabinet

يصدر عن إيزيس للإبـداع والثقـافة

الإصدارات تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المؤلف
الإشراف العام والإخراج/ الفنان: أحمد الجناينى

الشبك في العراق
زهير كاظم عبود

دراسة

الطبعة الأولى

رقم الإيـداع : 3709/2006

الترقيم الدولى: 7-156-374-977

لوحة الغلاف / :الفنان أحمد الجناينى

2972900 040/ T:- Mob. 0106798962

Email : elgnainy@hotmail.com

elgnainy22@yahoo.com


مقدمة

د. رشيد الخيُّون

مر الكثيرون بنواحي الموصل، من موظفين ورحالة وباحثين عن معاش، لكن القلة من هؤلاء لفت انتباهم ما في تلك النواحي من تنوع ديني ومذهبي وعقائدي، حتى يحق القول أن الموصل مازال متحفاً للعقائد والمذاهب. أرض محصورة بين الجبل والجزيرة، ويخترقها دجلة، وداستها عبر القرون الطوال حوافر خيل أقوام من مختلف الملل والنحل، فلابد أن تبقى بقية من تلك الآثار، ناهيك عن العراق وما فيه من طين يصلح لكل ملة ومذهب.

فعلى أرضه استكمل اليهود مقالات دينهم، وقبل امتداد المسيحية إلي الغرب احتضنتها جبال حدياب (أربيل) والموصل، حتى أصبحت المدائن مقراً للكنيسة الشرقية، ووصل ظلها الوارف حتى الهند والصين ومنغوليا. وعلى تلك الأرض تمازج المندائيون مع السومريين والبابليين، لتظهر قصة الخلق وقصة شيطانة العشق ليليث (ليلى) في كتبهم. كان ذلك من قبل الحظوة بترجمة الرقم الطينية إلي لغات أخرى، وإن دل هذا على شيء فيدل على عراقة تلك الديانة بالعراق وصلتها الشفاهية بحضاراته القديمة.

وكان العراق أيضاً، ودستميسان (العمارة) والمدائن مسرحاً للتبشير بالمانوية، عبر التماهي بين المسيحية والمندائية، واعترافاً بدور بابل في تاريخ البشر جعل ماني أرضها مقراً لكنيسته الكبرى، وأن الملاك السماوي لايلتقيه إلا عليها. لا يتوافر هذا المزيج والاختلاط البشري، والتجاور الديني والمذهبي، بكل عقده، إلا بين عقول خصبة، لاتعترف بتحريم البدعة، لأنها ابنة العقل ودالة التجديد، هذا ما قاله في تلك البلاد ابن بحر الجاحظ (ت255هـ)، وابن أبي الحديد (656هـ).

مؤلف كتاب "الشبك" القاضي زهير كاظم عبود واحد من الذين قادهم الفضول، وأبحروا في المعرفة والتتبع لما شاهده بالموصل من عجائب التواجد المللي والنحلي. يقول لك إلحاحه في الكتابة حول الشبك والأيزيدية بالذات أنه لم يشغله القضاء، بقدر ما شغله النظر والتفكر في أحوال الطائفتين، وظل هاجسة الأول بعد سنوات من ترك العراق إلي السويد. ولعله في هذا الطبع كان متبعاً أثر المحامي عباس العزاوي (ت1971)، والقانوني أحمد حامد الصراف (ت 1985)، فالأول كان محامياً جوالاً، انشغل عن وظيفته القانونية بالتجوال وراء الأيزيدية والكاكائية والتكايا الصوفية، فأغنى بأخبارهما كتابه "العراق بين احتلالين"، و"العشائر العراقية" إلي جانب العناوين المنفردة في الملل والنحل. أما حامد الصراف فلا ينسى له بيتان من الشعر لخص فيهما التسامح الديني والمذهبي العراقي، قالهما أو انشدهما لغيره العام 1928، عندما كرم المثقفون العراقيون، بزعامة الشاعر المتفلسف جميل صدقي الزهاوي(ت 1936)، زميلهم وأستاذهم الأب أنستانس الكرملي (ت 1947). قال:

وعشنا وعاشت في الدهور بلادنا

جوامعـنا فـي جنبهن الكنائـس

وسوف يعيش الشعب في وحدة له

عمـامنا فـي جنبهـن القلانـس

لكن لأحمد حامد الصراف في شأن الشبك مالا يُحمد، رغم أن الرجل سعى إلي التعريف بهم، وشجعته محاضرة كان قد ألقها بنادي القلم، في الثلاثينيات من القرن المنصرم، أن يصدرها كتاباً حولهم، ليجعل منهم فئة دينية خارجة عن المألوف والسائد، وكل مصدره كان شخصاً يدعى إبراهيم، مال عن دين أجداده ليقص على الصراف موبقاتهم وشذوذهم، وهذا مالا يقبله البحث، ومالا ينسجم مع سلوك قانوني. وقد التفت مؤلف كتاب الشبك القاضي زهير كاظم عبود إلي تلك الناحية، وفصلها في كتابه تفصيلاً مريحاً لطالب المعرفة.

حسناً فعل المؤلف أنه لم يعط في كتابه رأياً قاطعاً في أمر الشبك، بعد انتقاده لما كتبه الصراف ومَنْ أخذ عنه، فقد ترك الباب مفتوحاً، بعد أن أتى بأكثر الآراء التي حامت ودارت حولهم، محاولاً تفنيد مالا يتفق مع المنطق في أمر هذه الجماعة.

عموماً، الشبك جماعة عراقية لها وجود، وليس هناك مايدل على وجود قومي صرف، أو نحلي صرف أيضاً، فلو أشرنا لهم بالقومية لقلنا أي لغة يتكلمون؟ وقد أجاب المؤلف أنها لهجة من اللهجات الكردية! وإن قلنا أنهم نحلة دينية فأي ديانة يخصون؟ كذلك أجاب المؤلف: بينهم الشيعة والسُنَّة، وبالتالي أنهم مسلمون، وأن شيعيتهم على المذهب الإمامي، كما هو حال أهل العراق، وسُنتهم الشافعية كما هو حال الكُرد من أهل العراق أيضاً.

ومع كل هذا التناغم، وعدم الخصوصية يظهر المؤلف تعاطفاً مع أمة شبكية أو شعب شبكي، وبطبيعة الحال ليس من الحق لومه على ذلك، وإن اختلف الآخرون معه، فالشبك من قبل صدور كتاب أحمد حامد الصراف (1954) كان لهم اسم بين التكوينات العراقي، وكثيراً مادمجوا في الإحصاءات السكانية مع الأيزيدية، إذا لاتبدو دراستهم، والبحث في شأنهم ترفاً، بقدر ما هو التفاتة جادة لأحوال هذه الجماعة، رغم عدم تمايزها الكلي مع الكُرد قومية، ومع المسلمين ديانة ومذاهب.

أيد مؤلف الكتاب جهده بوثائق شبكية:

رسائل استغاثة، وعرائض احتجاج، ومطالب بحقوق سياسية ودستورية. أجد في كتاب القاضي الباحث زهير كاظم عبود تأرخة جادة لجماعة كثر القيل والقال حولها، وحير اسمهم الألباب، ومازال الأمر غير محسوم، لا في كتب الباحثين ولا في دوائر الدولة. كذلك أيد كتابه بمراجع ومصادر، وقابل فيه بين مختلف الآراء من دون إهمال أهل الشبك أنفسهم، وهذا هو الأهم في أدوات البحث إن سعينا إلي إنصاف أي جماعة.

المدخل

الكتابات المتناثرة التي كتبت عن الشبك في العراق قليلة ، الا ان القليل منها ما كتب عنهم بشكل دقيق وصادق وحيادي ، ليعبر عن واقع الشبك كمجتمع أو مذهب أو قومية أو كحقيقة من حقائق المجتمع العراقي ، إذ عرضت كتابات بما تتناقض مع حقيقتهم ولاتشير مطلقاً لواقعهم القصد منها الإساءة إليهم ، وبالرغم من أن الشبك شريحة مهمة وفاعلة من شرائح المجتمع العراقي ، لم يزل المواطن العراقي والقاريء العربي بشكل عام يجهل العديد من المعلومات الأساسية والحقيقية عنهم ، ولم يزل الكثير من العراقيين ممن لم يسمع أصلاً بالشبك ولايعرف عنهم أدنى مستويات المعرفة المطلوبة ، وهذا الأمر ينسحب على بعض الشرائح الاجتماعية التي يتشكل منها المجتمع في العراق ، كما لم يزل العديد ممن تمكنت الكتابات المغرضة أن تشوه صورتهم في ذهنه ، لايعرف سوى المعلومات المزورة والمنحرفة عنهم والتي يرددها دون أن يعرف السند والمصدر ، بالرغم من كون الشبك أبناء أمناء لهذه الأرض ، ضحوا من اجلها ومن أجل ان يكون للإنسان فيها حقوقاً وكرامة ، وناضلوا مع بقية مكونات العراق جنباً إلي جنب ، وامتزجوا ضمن تنظيمات الحركة الوطنية والسياسية ، وتحملوا من ضيم حكامه وتهميش حكوماته ، وقدموا نخبة طيبة من شبابهم قرابين للتضحية في سبيل خلاص العراق من الطغاة والسلطات الشوفينية والطائفية، وبالإضافة إلي تمسكهم بدينهم والتزامهم بمذاهبهم ، ومع كل هذه الحقائق لم يزل من يعتقد ببعض المعلومات الخاطئة والمليئة بالافتراء والدس عنهم ، والتي كتبت لأغراض وأسباب طائفية وسياسية بقصد النيل منهم مجتمعاً ومذهباً ، وهم المتمسكون دوماً بكل القيم التي يتمسك بها العراقيون عرباً وأكراد اً بما فيهم الفيليون وتركمان وكلدان وآشوريون وأرمن وسريان.

إن دراسة وافية تتعمق في تاريخهم وأصولهم والتزامهم المذهبي ونضالهم لم تكن قد ظهرت قبل الفترة الأخيرة ، أذ لم يكتب عنهم سوى الشحيح من الكتابات كما أسلفنا ، إذ كان الكتاب يجتنبون ذكرهم أو التطرق إلي خصوصيتهم لاعتبارات سياسية ومذهبية كانت تتحكم بهــم في حينه في ظل ظروف سياسية تمنع نشر الحقيقة عنهم ، ولعل بعض الكتابات التي ظهرت في النصف الأول من الخمسينات تعطي وجهة نظر متواضعة عن مكوناتهم وأصولهم، وشكلت مثار نقاش ودعوة للبحث لما تضمنته من معلومات بالرغم مما احتوته من أمور بعيدة عن حقيقة واقعهم ، ومن بينها الكتاب الذي كتبه ( أحمد حامد الصراف ) ، الذي كان يعمل في القضاء العراقي بمدينة الموصـل بوظيفة المدعي العام في محاكم المدينة بعنوان ( الشبك ) إصدار مطبعة المعارف في بغداد 1954 ، فقد اعتمد الكاتب المذكور على معلومات استقاها المؤلف من أحد المواطنين يزعم انه من الشبك ، و هذا الشخص ( الشيخ إبراهيم الباشا كما أسماه) أمده بمعلومات وفق إدراكه ومعلوماته ومصلحته ومايعتقده الكثير منها لاسند له ولا أساس ، ومع التناقض الواضـح وعدم الدقة في المعلومات ، الا أن الكتاب صار مرجعاً للبحث والكتابة ، إذ لايوجد مرجع غيره يبحث في أصول ومذهب الشبك يمكن الاستناد والرجوع إليه غيره في حينه ، وظهرت بعده بعض الكتابات التي حاولت أن تعرض وجهات نظر في وجودهم وأصولهم ، حيث كتب عنهم بشكل موجز ( كامل مصطفى الشيبي ) ، كما ظهرت كتابات تحاول الإساءة إليهم والحط من قيمتهم تجانب الحقيقة وتبتعد عن الحق والانصاف ، كما في كتابـــــة الكاتــب الموصلي ( عبد المنعم ألغلامي ) الذي عدهـــــــــم غلاة ومنحرفين ، والحقيقة أن الشبك من المتمسكين بأسس الإسلام بكل مذاهبهم.

و لم يكن النظام في زمن صدام ليسمح بأن يتم نشر أية معلومة عن الشبك أو عن سواهم من المكونات الحقيقية للمجتمع العراقي، بالنظر للسياسة الشوفينية التي يعتمدها تجاه قضية القوميات والمذاهب الأخرى ، وحين حاولنا أن نلج هذا المدخل في أوائل التسعينات بحكــم عملنا في القضاء العراقي بمدينة الموصل ، المدينة التي تضم شريحة الشبك بشكل منفرد ، إذ يتوزعون في قراها المتعددة حصراً ، فقد حاولنا بكل ما نستطيع أن نستقي المعلومات التي كان من الصعب في العراق الواقع آنذاك تحت هيمنة السلطة الصدامية أن نتوصل إليها بيسر وسهولة ، مع جولات ميدانية في القرى الشبكية أنتجت حسب اعتقادنا المتواضع معلومات مثمرة وجديرة بالاهتمام ، وحين أكملنا البحث على تواضعه ، وبادرنا دفعه إلي الرقابة لقينا من الممانعة والمماطلة من هذه الجهات ومن أشخاص يعملون في خدمة السلطة ضمن هيئة الرقابة ، انتهت بمنع طبع الكتاب ونشره من قبل الرقيب في وزارة الإعلام العراقية حينذاك، وفقدنا جراء ذلك بالنتيجة فصلاً مهماً من فصول الكتاب .

وإزاء الإصرار لكشف الحقيقة وأمام التقولات الظالمة وغير الحقيقية التي كتبتها عنهم أقلام بعيدة عن الإنصاف والوجدان وتخالف الضمير ، استطعنا أن نوصل مسودة الكتاب إلي خارج العراق ، حيث تمت طباعته في لندن العام 2000 إصدار دار الرافد للنشر والتوزيع تحت اسم (لمحات عن الشبك ) وأخبرني العديد من الإخوان أن الطبعة نفذت من الأسواق رغم تواضع المعلومات الواردة عنهم .

وكان الكتاب قد ظهر بطبعته الأولى متواضعاً وبشكله البسيط ، لكنه أضاء شمعة في طريق حقيقة الشبك المظلومين والمغيبين في العراق ، فقد أشار الكتاب وبجرأة إلي حقيقة المجتمع الشبكي ، وابتعادهم عن الإنحراف والزيغ ، وعدم وجود الغلو في معتقداتهم المذهبية المختلفة ، وتهميشهم المتعمد من قبل السلطة الحاكمة ، وحسب ماعلمنا ان قسماً من أبناء الشبك ، استطاعوا إيصال الكتاب – تهريباً – إلي العراق في زمن السلطة الصدامية ، واستنساخ العديــد من النسخ بالآت الأستنساخ ، ومن ثم توزيعه بينهم سراً ، مما يدل على مدى اهتمامهم بتاريخهم وما يكتب عنهم من حقائق .

وخلال الفترة الماضية ظهرت كتابات جديرة بالاهتمام والدراسة كتبها باحثون متميزون منهم الباحث الدكتور رشيد الخيون والباحث رشيد البندر ، كما أستطاع الباحث الشبكي أحمد شوكت أن ينجز كتابه ( الشبك الكورد المنسيون ) في العام 2004 – طبع وزارة الثقافة في اقليم كردستان العراق ليظهر إلي النور ، في حين رحل المؤلف عن الدنيا إلي ربه بعد أن أدى الأمانة .

وخلال الفترة المنصرمة كنت أتراسل مع الأخ أدهــــام عبد العزيز الولي ( أبو العز ) وهو من رجال الشبك المتنورين والمهتمين بمتابعة تاريخهم ، إذ كان يعمل مشرفاً تربوياً مختصاً في اللغة الإنكليزية بدولة الإمارات العربية المتحدة بدبي ، وكان المذكور يهتم اهتمأما شديداً بحقائق تاريخ الشبــك ، وكان متابعاً ومثابراً في هذا الجانب ، بالإضافة إلي ثقافته ومعرفته الجديرة بالاحترام، وكما كان يطمح إلي إنجاز كتاب عنهم ، وأظنه كان يجمع أوليات هذا الكتاب كما أخبرني غير مرة بذلك ، غير أن المنية حلت فأنشبت أظفارها لتسلبه روحه الطاهرة ، وتوقف اندفاعه لخدمة الحقيقة رغماً عنه ، حيث انتقل إلي جوار ربه راضياً مرضيا وهو يسجل موقفاً أنسانياً في متابعة الحقائق .

كما كان للصديق ( حاتم زبير عبد الله ) ، وهو من أبناء الشبك الطيبين والمغترب في مدينة لندن ، دوراً مهماً في حثي وتشجيعي على الاستمرار في البحث والتقصي ، وإشعاري بكل مايصادفه من معلومات وما تطرحه البحوث عن الشبك ، وهو الشبكي المتابع بأمانة لما يهم تاريخ أبناء جلدته ، كان له أكبر الأثر في أن يكون بحثي هذا ، وذكر لي في العديد من رسائلة مايعانيه الشبك من الإهمال والإفتقار إلي الخدمات الأساسية من المدارس والمستشفيات والطرق المعبدة التي تفتقر لها القرى الشبكية والمجتمع الشبكي ، وذكر أيضا معاناة الشبك في امتناع العديد من رؤساء الدوائر الحكومية تلبية احتياجاتهم دون سبب سوى جريرة انتماؤهم للشبك ، مما أثر على نفسية المواطن الشبكي بالنتيجة ، كما كان لذكرى صديقي الراحل الملا داوود الشبكي المعلـــم المتقاعد والمزارع والمثقف والملتزم دينياً ، والذي جسـد لي النفس الطيبة والالتزام الاجتماعي والكــــــرم الأصيل في قريته الوادعة ( شاقولي ) ، القريبة من قضاء الحمدانية شرق الموصل ، والذي بقيت أكن له كل التقدير والتبجيل والإجلال والذكرى الطيبة لما لقيت منه ومن عائلته من حفاوة وتكريم وتعاون وحفظ للعلاقة الإنسانية، الأثر الكبير في أن أتابع كتاباتي عن الشبك .

ووجدت إن الأمر يستدعي تقليب الصفحات وجمع المعلومات مرة أخرى ، بعد أن زال المانع ، وانهار النظام الصدامي ، وتكشفت حقائق ماكان بالأمكان أن تنكشف ، وتوفرت مراجع ومقالات جديرة بالمناقشة ، بالإضافة إلي أهتمام باحثين متميزين ومشهود لهم بالحيادية والنزاهة والموسوعية في البحث ، ان يكتبوا عن الشبك في العراق ، وأخص منهم بالذكر الباحث الموسوعي الدكتور رشيد الخيون، الذي أنجز كتاباً ثرياً عن الأديان والمذاهب في العراق ، صار لزاما التوجه نحو كتابة هذا البحث المتواضع خدمة للحقيقة ، لعلنا نساهم مرة أخرى في انتاج بحثاً يتسم بالنزاهة والتجرد ، حيث أن العمل في مجال البحث عن القوميات والملل يحتاج ليس فقط للحيادية ، وإنما يتطلب إبداء وجهات النظر دون تعنت أو تعصب أو أنحياز ، ولعلنا وفقنا بأن يساهم هذا البحث في استكناه حقائق عن المجتمع العراقي المغيب ، بعد إن عملت الأنظمة السالفة كل جهدها من أجل تغييب حقيقة الشبك والأيزيدية ضمن المجتمع العراقي ، والله من وراء القصد .

زهير كاظم عبود
السويد 2005

الفصل الأول

من هم الشبـك ؟

تحيط بخاصرة مدينة الموصل الواقعة في شمال العراق ، وتفصلها عن كردستان العراق من الجهة الشرقية ، مجموعة من القرى تتناثر متوزعة على جوانب الطرق التي تربط الموصل بأربيل ، والموصل بكركوك ، والموصل بدهوك وعقرة وعلى امتداد نهر دجلة والخازر والخوصر ، هذه القرى غاية في البساطة والإهمال المتعمد ، حيث أهملتها السلطات التي تعاقبت على حكم العراق ، يسكنها قوم اتصفوا بالكرم والطيبة والبساطة ، واشتهروا بالصدق والأمانة ، وإمتهنوا الزراعة والرعي وتربية الحيوانات لأسباب عديدة ، منها أنهم كانوا لايستطيعون مواصلة التعليم لبعد المدارس عن قرآهم ولإفتقارهم لمدارس في هذه القرى التي يقيمون فيها ، ولم يتح للعديد منهم إكمال ومواصلة التعليم العالي إلا في الفترة الأخيرة ، ويزخر المجتمع الشبكي بالطاقات والكفاءات والشباب المتطلع نحو العلم والمعرفة التي حرم منها دهراً طويلا ، ولم تزل عوائق كثيرة تقف في سبيل إنطلاق هذه الطاقات التي تسكن بيوت مرصوفة من الحجــر المبني بالطين غــير منتظمة ، وقرى بائسة تضم الشبك موضوع البحث في قرآهم المنتشرة بين كردستان العراق وبين الموصل .

قرى بدائيــة تتوزع بيوتها بشكل غير منتظم ، يسكنها أناس يطلق عليهم اسم “ الشبك “ ، تدل بيوتهم وقرآهم على امتهانهــم الزراعــة ورعي الحيوانات وتربيتها ، يتصفون بالطيبة والأمانة والإخلاص في عملهم ، كما اشتهروا بصفات اجتماعية أخرى في المنطقــة جعلتهم موضع أحترام وأعجاب وثقة المجتمع ، بالرغم من عزلتهم في هذه القرى وتقوقعهم ضمن مجتمعهم ، أذ القليل منهم من ولج المجتمع الموصلي ، واشتهر الشبك بميلهم نحو العمل اليدوي والبساطة في طريقة حياتهم ونمط بيوتهم ، وكونهم أصحاء الأبدان وأقوياء ، وكما اشتهروا بإخلاصهم في علاقاتهم الإنسانية وأمانتهم ووفائهم وشدة تدينهم .

مجتمع زراعي ويلتزم بقيم وأعراف قد تختلف عن قيم المدينة ، ويتحدث بلغة تختلف عن لغة المدينة التي يتحدثون بها أيضا ، ولهذا اختلفت وجهات النظر بين من يعتبرهم من الكرد دون جدال ، وبين من يعتبرهم تركماناً ، وبين من اعتبرهم خليطاً متشابكاً ، وبين من عدهم عرباً ، وبين من اعتبرهم عشيرة واحدة ، وبين من اختلطت عليه الأمور ، وبين من عدهم عشائر غير متجانسة و وحدها المذهب الجعفري الذي يلتزم به الأكثرية منهم ، وفي كل الأحوال نجـــد أن لكل وجهة نظره وأسانيده ، وأسباب لابد من التمعن بها وتدقيقها ، وعلينا أن نبذل من الصبر والتأني مايتوافق مع التقليب والتدقيق بغية الوصول معاً إلي قناعة حول الأصول والحقائق التي نطمح الوصول إليها ، باعتبارها الأساس الذي نبحث عنه في واقع الشبك .

يختلف الباحثون والكتاب في أصل الشبك المجموعة العرقية التي تقطن في القرى المتناثرة شرق مدينة الموصل بالعراق ، وتجمع القواميس على أن أصل الشيء جعل له أصلاً يبنى عليه أو هو أسفل الشيء ،ولهذا يتعين أن نبحث عن الأصول.

ورغم الكتب القليلة التي صدرت عن الشبك ( كتاب الصراف – 1954 ، كتابنا لمحات عن الشبك 2000 ، كتاب أحمد شوكت ، الشبك الكورد المنسيون ) ، وبالرغم من قلة الكتابات التي عالجت قضية الشبك ( الباحث الدكتور رشيد الخيون والباحث أدهام عبد العزيز الولي والباحث رشيد البندر والباحث إسماعيل سلطان والكاتب شاخه وان وأخيرا السيد صافي الياسري وغيرهم ) ، إلا أن القلة من هذه الدراسات من عالجت مسألة أصول الشبك.

وقد تبدو كلمة ( الشبك ) غريبة على العديد من العراقيين والعرب ، وهي كلمة لم تظهرها الإحصاءات ولا الجداول الحكومية ولاأعلنتها السلطات التي تعاقبت على حكم العراق إمعاناً في ظلم وتهميش هذا المجتمع .

والكلمة في كل الأحوال لاتعني الحــط من قيمتهم ولا الإشارة بقصد الإساءة لهم ، بقدر ماتعني واقع اجتماعي ومذهبي وعشائري نجد من الضروري الإشارة إليه بشكل واضح ومفتوح لاستعراض أصل الكلمة وحقيقة هذا المجتمع ، ومناقشة التقولات التي كتبت عنهم ، وحقيقة ارتباطهم بالطرق الصوفية وانتسابهم القومي ، واعتقادهم الديني والمذهبي، وماصار عليهم وماجرى من ويلات مع السلطات التي حكمت العراق ، وماصار عليه حالهم اليوم في العراق الجديد .

جاء في محيـط المحيط لبطرس البستاني أن شبك الشيء يشبكه شبكا أي خلطه وأنشب بعضه في بعض ، وشبكت الأمور اختلطت وتداخلت والتبست، وشبك الشيء بمعنى شبكه( 1 ).

وتعني كلمة الشبك ، ان شبك الشيء يشبكه شبكاً أي خلطه وأنشب بعضه في بعض ، وشبكت الأمـور أختلطت وتداخلت وألتبست ، وشبك الشيء بمعنى شبكه ( 2 ).

وجاء في لسان العرب الشَّبْكُ: من قولك شَبَكْتُ أَصابعي بعضها في بعض فاشْتَبكت وشَبَّكْتُها فتَشَبْكَّتْ على التكثير. والشِّبْكُ: الخلط والتداخل، ومنه تشبيك الأصابع. وفي الحديث: إذا مضى أحدُكم إلي الصلاة فلا يُشَبِّكَنَّ بين أَصابعه فإنه في صلاة، وهو إدخال الأصابع بعضها في بعض؛ قيل: كره ذلك كما كره عَقْصُ الشعر واشْتِمالُ الصَّمَّاء والاخْتِباءُ، وقيل: التشبيك والإحتباء مما يَجْلُبُ النوم فنهى عن التعرُّض لما ينقض الطهارة، وتأوّله بعضهم أن تشبيك اليد كناية عن ملابسة الخصومات والخوض فيها، واحتج بقول، صلى الله عليه وسلم، حين ذكر الفتن: فَشَبَّك بين أصابعه وقال: اختلفوا فكانوا هكذا. ابن سيده: شَبَكَ الشيء يَشْبِكُه شَبْكاً فاشْتَبك وشَبَّكَه فتَشَبَّكَ أَنْشَبَ بعضه في بعض وأَدخله. وتَشَبَّكَتِ الأُمورُ وتَشابَكت واشْتَبكت: التبست واختلطت. واشْتَبك السَّراب: دخل بعضه في بعض.وطريق شابِكٌ: متداخل مُلْتَبس مختلط شَرَكُه بعضها ببعض.والشَّابِكُ: من أسماء الأَسد. وأَسدٌ شَابِكٌ: مُشْتَبِكُ الأَنياب مختلفها؛ وبعير شابك الأَنياب: كذلك. وشَبَكَتِ النجومُ واشْتَبكت وتَشابَكَتْ:دخل بعضها في بعض واختلطت، وكذلك الظلام.التهذيب: والشُّبَّاك القُنَّاصُ الذين يَجْلُبون الشِّباكَ وهي المَصايد للصيد. وكل شيء جعلت بعضه في بعض، فهو مُشْتَبِك. وفي حديث مواقيت الصلاة: إذا اشْتَبكت النجومُ أي ظهرت جميعها واختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها. واشْتبك الظلام إذا اختلط. والشُّبَّاكُ: اسم لكل شيء كالقَصَب المُحَبَّكة التي تجعل على صَنْعة البَواري. والشُّبَّاكةُ: واحدة الشبابيك وهي المُشَبَّكَةُ من الحديد. والشُّبَّاك: ما وضع من القصب ونحوه على صنعة البواري، فكل طائفة منها شُبَّاكةٌ، وكذلك ما بين أَحناء المَحامِل من تَشْبِيك القِدّ .
والشَّبَكَةُ: الرأس، وجمعها شَبْك: والشَّبَكةُ: المِصْيَدة في الماء وغيره. والشَّبَكةُ: شَرَكةُ الصائد التي يصيد بها في البر والماء، والجمع شَبَكٌ وشِبَاك. والشُّبَّاك: كالشَّبَكةِوالشَّبَكُ: أَسنان المُشْطِ. والشَّبَكةُ: الآبار المُتقاربة، وقيل: هي الرَّكايا الظاهرة وهي الشِّبَاك، وقيل: هي الأرض الكثيرة الآبار، وقيل:الشَّبَكة بئر على رأس جبل. والشَّبَكةُ: جُحْرُ الجُرَذ، والجمعِ شِباكٌ. وفي الحديث: أنه وقعت يد بعيره في شَبَكَة جِرذانٍ أَي أَنْقابها وجِحَرتها تكون مُتقاربة بعضها من بعض. والشِّباك من الأرضين: مواضع ليست بسِباخ ولا منبتة كشِباك البصرة، قال: وربما سَمَّوا الآبار شِباكاً إذا كثرت في الأرض وتقاربت. قال الأزهري: شِباكُ البصرة رَكايا كثيرة فُتِح بعضها في بعض واشْبَكَ المكانُ إذا أكثر الناسُ احْتِفار الركايا فيه. واشتباك الرحم وغيرها: اتصال بعضها ببعض؛ والرَّحِمُ مُشْتَبِكة. وقال أَبو عبيد: الرحم المُشْتَبِكة المتصلة .

ويقال: بيني وبينه شُبْكة رحم. وبين الرجلين شُبْكَةُ نسب أَي قرابة. ويقال: دِرْع شُبَّاك وتَشابكت السباغُ: نَزَتْ أو أَرادت النُّزاءَ؛ عن ابن الأَعرابي.والشِّباك والشُّبَيْكة: موضعان. والشُّبَيْكَةُ: ماء أو موضع بطريق الحجاز وفي حديث أَبي رُهْمٍ: الذين لهم بشَبَكة جَرْحٍ، هي موضع بالحجاز في ديار غِفار.

كما توجد منطقة في العراق بالقرب من الحدود مع المملكة العربية السعودية تدعى ( الشبكة ) وهي من النواحي الإدارية التابعة لمحافظة النجف ، والثابت أن لاعلاقة لهذه الناحية الإدارية بالشبك موضوع البحث مطلقاً

ذكر المؤرخ العراقي عباس العزاوي في الجزء الثالث من "تاريخ العراق بين احتلالين " أن الترك وجدوا في العراق قبل أمد طويل من المغول ، ودامت علاقاتهم خلال القرون ، لكنهم كانوا قلة حتى في أيام تسلطهم . وتكاثر عددهم شيئاً ما في عهد المغول. ومال إلي العراق أقوام وقبائل عديدة ، لكنهم ذابوا في المدن على مر الزمن أو سكنوا قرى خاصة بهم أو مختلطة مع غيرهم

وذكر العزاوي عن القبائل التركمانية فقال إن من أقدمها "البيات"، وهم يقطنون لواء كركوك ووجدوا في أنحاء واسط ثم مال قسم كبير منهم إلي المدن واختلطت بهم عشائر عربية. ومن أشهر فروعهم : البسطملية (أفخاذهم المحمودية وعزالدينية والليبالي ) ، بير أحمد ( أفخاذهم البو علي الناصر والبو خالـــد ، وهم مختلطون تُركاً وعرباً ) ، كله ونــــد (وفيهم كرد ) ، رويزات (وفيهم عرب ) ، اسماعيل بكلية ( رئيسهم فارس بك بن الحاج محمد بك وهو رئيس عموم البيات ) ، قره ناز ، براوجلية ، حسن درلية ، الآمرليه ، مرادلية ، دلالوه ، البو ولي ، قوشجية، ( رئيسهم حميد اغا ، ومنهم آل كّنة في بغداد ) ، ينكيجه ( وفيهم كرد).

وورد ذكر هؤلاء البيات في " ديوان لغات الترك " وفي " اللهجة العثمانية " لأحمد وفيق باشا ، وهم منتشرون في العراق وخارجه . وجاء ذكرهم أيضا في " تاج العروس "وفي أوليا جلبي . ومنهم فضولي الشاعر البغدادي الشهير

ومن القبائل التركمانية الأخرى التي ذكرها العزاوي قراولوس، من قبائل المغول ، وقد عاشوا قرب مندلي الخلجية ، صارلية (وأشهر قراهم دربند سارلو ، زنكل ، قوله بند ، تل الحميد ، كبرلو، زاره خاتون الخ ) ( 3 ).

يؤكد الكاتب كامل مصطفى الشيبي أن الشبــك يتكونون من العشائر التركمانية وأنهم قد ينحدرون من البكتاشية الذين أصبحوا من أتباع الطريقة الصفوية تحت قيادة حيدر ابن جنيد. عند بداية ظهور المذهب الصفوي ، حيث أمر مؤسس المذهب حيدر ابن جنيد (من تركمان اذربيجان) أتباعه بان يلبسوا عمامة مخروطية ملفوفة بقماش أحمر ذو ۱۲ طبقة على عدد الأئمة الاثنى عشر، مما أدى إلي تسميتهم بالمصطلح التركي (قزل باش). (الشيبي ص(۱) ٤٥ – ٤٦، (۲) ٤٠٥ – ٤٠٦) ويقول هاسلوك صاحب هذا الاصطلاح المذهب الصفوي منذ نشوئه. (هاسلوك ص١٤٠). وعند الإشارة إلي البكتاشية يقول الشيبي: الفرق بين البكتاشية وقزل باش، كلاهما من التركمان ، في أسيا الوسطى وأتباع نفس المذهب الصفوي في إيران ، كان في القيادة لأن اعتقاداتهم وطقوسهم الدينيـة وتقاليدهم كانت واحدة . ( 4 )

أما أدموندس الذي شغل العديد من المناصب في المحافظات والوزارات العراقية وعاش في العراق عدة عقود فيعتبر شبك كركوك والموصل ، والذين يكونون اغلبية الشبك في العراق، تركمانا. (ادموندس ص١٩٥، ٢٦٩)
ويعتبرالعمري في كتابه الحصار الاقتصادي والدمار في العراق أن الشبك من المذاهب الشيعية التركمانية .

وذكر أحمد حامد الصراف في كتابه " الشبك " أن هؤلاء جماعات من الأتراك الغلاة تقطن أكثر من عشرين قرية في الجانب الشرقي من الموصل ، ويتراوح عددهم بين 10 آلاف و15 آلف نسمة ونقل الصراف عن الدكتور داود الجلبي ان الشبك كانوا إلي ما قبل ثلاثين أو أربعين سنة بكتاشية يراجعون جلبي قونية ويتلقون منه الارشاد . وكان أحدهم إذا ذهب إلي زيارة كربلاء يراجع وكيلاً لجلبي قونيه هناك . ومن أشهر قراهم :

دراويش ، قره تبه ، باجربوعة ، بازوايـــه ، طوﭖراق زياره ، خزنه تبه، مناره شبك ، تبراوه ، علي رش ، طو بزاوه ، كور غريبان، كبرلي ، تيز خراب ، يكيجه ، بدنه ، باسخره ، شيخ امير ، بعويزه الخ ، ويسكن الشبك في قرى أخرى مع قوم يسمون " باجوان " ، وهم من أهل السنة .

لم يقطع الصراف في أصل الشبك فقال إن المظنون أنهم من عنصر كردي أو تركي. لكن الذي لا نزاع فيه هو ان الاتراك احتلوا شمالي العراق وسكنوا قرى الموصل في عهد السلطان طغرل بك السلجوقي الذي جاء إلي العراق مع عدد عظيم من الأتراك لإغاثة الخليفة القائم بأمر الله العباسي والقضاء على سلطان الدولة البويهية وعلى القائد الثائر البساسيري ، وذلك سنة 1055 م

وقال الصراف إن " الشبك " مختلطون مع عشائر الباجوان والأكراد والتركمان والعرب ، ولسانهم خليط من الكردية والعربية والفارسية والتركية ، وهذه الأخيرة غالبة على لسانهم . ويتناول الصراف في كتابه بالتفصيل قرى الشبك وعباداتهم ومواسمهم ومراسمهم وشيوخهم من رجال الدين وطريقتهم الصوفية وأحوالهم المعاشية والاجتماعية وآدابهم . ويشير إلي كتاب المناقب " البويوروق " من كتب الشبك المقدسة، وهو كتاب باللغة التركية يحتوي على حوار في آداب الطريقة بين الشيخ صدرالدين وبين قطب العارفين الشيخ صفي الدين إسحاق الاردبيلي الزاهد مؤسس الطريقة الصفوية والمتوفى سنة 1329 م ، وله قبر يزار في اردبيل من بلاد كورة أذربيجان .

وأورد الصراف في كتابه أن هناك خمسة احتمالات في أصولهم.
الأول أن يكون الشبك إحدى العشائر الكردية المتوطنة في العراق منذ زمن لانعرفه، وهذا الرأي ليس له سند أو دليل يدعمه، بدليل أن بين الشبك من عشائر تركمانية وعشائر عربية وأخرى فارسية

والرأي الثاني أن يكون الشبك من الأتراك الذين نزحوا إلي العراق في عهد السلطان طغرل بك السلجوقي، وهذا الاحتمال أيضا لا يجد سنداً أو دليلا لأن الأتراك النازحين مع السلطان طغرل بك السلجوقي يتكلمون اللغة الآذرية، وهذه اللغة هي التي يستعملها التركمان في مناطق كركوك، وهي في كل الأحوال تختلف عن لغة الشبك المتداولة بينهم.

أما الاحتمال الثالث أن يكون الشبــك من عشائر القرى قوينلو أو الاق قوينلو ( القرة قوينلو دولة تركمانية حكمت العراق من 1410 – 1468 م، في حين حكمت دولة الاق قوينلو من 1468 – 1508 م )، وهذا الرأي ضعيف لايستند على أرضية ثابتة فهذه العشائر تركمانية الأصل وتلتزم بالمذهب الجعفري وتتكلم اللغة التركمانية الآذرية، ولم يكن المجتمع الشبكي يتحدث بهذه اللغة.

و الاحتمال الرابع أن يكون الشبك من الأتراك الذين جاء بهم السلطان مراد الرابع سنة 1047 م فأسكنهم شمال العراق ، فإن هذا الاحتمال ملغي بوجود الشبك قبل سنة 1047 م. أما الاحتمال الخامس أن يكون الشبك أتراك جاءوا إلي العراق مع عقيدتهم ومذهبهم في عهد الصفويين ( حكمت الأسرة الصفوية إيران من 1500 – 1750 م ) ، وهذا الاحتمال غير منطقي وغير مقبول لأن الشبك موجودون قبل العهد الصفوي

وفي رسالة للدكتــور داود الجلبي منشورة في كتاب الصراف بالصفحة 8 يقول : إن الشبك جاءوا من جنوب إيران وأن لسانهم خليط بين الفارسية والكردية والعربية وقليل من التركية وأن لهجتهم أقرب إلي لسان البلوش( 5 ).

وبالرغم من أن الصراف أورد كل هذه الاحتمالات إلا أنه لم يقطع فيها مطلقا كما ذكرنا سابقاً ، فقد أرجع الشبك إلي عدة احتمالات دون أن يقطع أو يميل إلي جهة واحدة منها ، حيث يرجع أصل الشبك في الصفحة الثانية من كتابه إلي المذاهب البكتاشية والعلوية الذين دخلوا العراق مع الصفويين ، ويعتبر لغتهم مزيج من اللغات والغالب فيها التركمانية ، ويعود ليقول في الصفحة 92 من كتابه المذكور اعلاه أنه لايعرف إن كانوا من أصل كردي أو تركي ؟ والاحتمال الأول الذي أورده الصراف يكون بحاجة إلي دليل وسند ، وهذا ماسنتطرق إليه في متن البحث .

أما الاحتمال الثاني كونهم نزحوا إلي العراق في عهد السلطان طغرل بك السلجوقي فإنه احتمال ضعيف ، وسند يتخلله العديد من الهنات ، حيث ان الاتراك النازحين مع السلطان المذكور لايتكلمون اللغة التركية الآذرية ، وهذه اللغة التي يستعملها التركمان في مناطق كركوك وبقية أنحاء العراق حيث يتواجدون ، وهي لغة قائمة بذاتها وتختلف قطعاً عن لغة الشبك .

والاحتمال الثالث كونهم ينتمون إلي عشائر القره قوينلو “ وهي عشائر حكمت العراق من 1410 – 1468 م “ ، وعشائر الاق قوينلو “ وهي عشائر حكمت العراق من 1468 – 1508 م “ ، فهو احتمال لايستند إلي حجــة ثابتة وسديدة ، فهذه العشائر تركمانية وتتفقه جميعها بالمذهب الجعفري ، كما تتكلم جميعها باللغة التركمانية الآذرية ، في حين ان المجتمع الشبكي لايتكلم باللغة الآذرية أولا ، كما إنه لم يكن يعرف المذهب الجعفري قديما ُ، بل وينحرف عن العديد من المذاهب الإسلامية ، قبل أن ينفتح باب المعرفة والابتعاد عن الزيغ ليعودوا مخلصين لدينهم الإسلامي الحنيف وأسسه التي لايختلف عليها أحد .

الاحتمال الرابع كون السلطان مراد الرابع جاء بهم في العام 1407 م فأسكنهم شمال العراق ، يتناقض مع وجود الشبك قبل العام 1404 م في المنطقة، مما يفقد الاحتمال قيمته .

أما الاحتمال الخامس من أنهم جاءوا إلي العراق في العهد الصفوي ، فانه احتمال يتناقض مع وجود خليط من العشائر الكردية والتركمانية ، بالاضافة إلي وجود قرى شبكية مسلمة ولكنها لاتلتزم بالمذهب الجعفري ، ومن جانب آخر عدم قبول بقاء مذهب جاء به جيش يريد ان يحتل الموصل وفشل وعاد أدراجه ، أن يبقى يمارس طقوسه ويدين بمذهبه بحرية ودون أن يتعرض للطرد أو للإبادة مما يفند الاستناد على هذا الاحتمال .

ومن الجدير بالذكر أن الدولة الصفوية قامت من قبل مؤسسها إسماعيل ميرزا أو الشاه إسماعيل الأول، حيث سار إلي تبريز وهزم القبائل الموجودة فيها وجعلها عاصمته. وأعلن المذهب الشيعي الاثنى عشري مذهباً رسمياً للدولة. واستخدم كل ما أوتي من قوة لفرض مذهبه في جميع أنحاء إيران. ثم خلفه ابنه طهاسب الأول فأكمل ما بدأه أبوه ولكنه اختار أسلوب الإقناع والتأثير في نشر المذهب بدلاً من العنف والقهر. واستمرت الحروب بين الصفويين الشيعــة والعثمانيين السنة مدة طويلة ، ويبدو أن الضغط الخارجي سواء من جانب العثمانيين في الغرب وقبائل الأوزبك القوية في الشرق ضد الصفويين كان عاملاً مؤثراً في توحيد إيران والتفاف شعبها حول ملوك الصفويين والمذهب الشيعي، ثم نقل الشاه عباس ملك الدولة الصفوية إلي أصفهان، حيث صارت مركزاً حضارياً متميزاً في مختلف ميادين العلم والفن والعمارة والأدب، وازدهرت في عهده علاقات إيران بأوروبا وكثر السفراء في بلاطه. ، بعد هذا حدث غزو محمود خان، شيخ قبيلة أفغاني لفارس ، والاستيلاء على أصفهان دون مقاومة فعلية وبذلك ينتهي حكم الصفويين. 1729-1747م ، ثم اعتلى نادر قلي، الملقب بنادر شاه ، عرش إيران وصار مؤسساً للدولة الأفشارية. وهزم الأفغان والعثمانيين والروس والهنود ووحد دولته . وحاول أن يستولي على الموصل التي تمنعت عليه ، فحاصرها ثم ما لبث أن تمزق ملكه وانهارت آلته الحربية بعد قتله بيد أحد حراسه.

ويقول الباحث الدكتور رشيد الخيون في كتابه ( الأديان والمذاهب بالعراق الصادر عن دار الجمل بألمانيا 2003 ) عن الشبك :

“ تمتاز المنطقة الممتدة حول الموصل وكركوك بتنوع عرقي ومذهبي، ففيها العرب والأكراد والكلدانيون والآشوريون والسريان واليزيديون واليهود والمذاهب الإسلامية والصوفية وأهل التكايا والزوايا وبقايا من الزرادشتية والديانة الشمسية، وقد أدى هذا التجاور والاختلاط إلي نشوء فرق ومذاهب تمتزج فيها كل المؤثرات الدينية والعرقية.

وينسب الشبكيون إلي قبيلة الشبك الكردية ، وقد كانت الدولة تعتبرهم من اليزيديين والصحيح أنهم ليسوا كذلك، وينسبون إلي القزلباش والتركمان والمرجح أنهم من الأكراد لغة ونسبا، وبعضهم سنة شافعيون، وبعضهم شيعة اثنا عشريون، وربما كان سلوكهم السري في وسط سني هو مدعاة للظن بأنهم من غلاة الشيعة الباطنيين، وقد تأثرت الكتابات حولهم في ذلك بمراجع ثلاث تسرعت في وصفهم بالباطنية وعدتهم من الأديان والمذاهب غير الإسلامية، وقد بلغ عددهم عام 1977 حوالي 80 ألف نسمة، واعتبروا في الإحصاء الرسمي لذلك العام من العرب. “ ( 6 )

أما الدكتور ميشيل ليزيرك الأستاذ المتمرس في قسم الفلسفة بجامعة أمستردام بهولندا فقد قدم بحثاً في الدراسات السكانية تناول فيه هذه المجموعة العرقية وترجمه مشكوراً الدكتور إسماعيل سلطان وقد ورد فيه أن الشبك ظاهرة سكانية متميزة في شمال العراق ظهرت بوضوح في القرن السادس عشر الميلادي على خلفية التنافس العثماني الصفوي في المنطقة ، وأن الابهــام والغموض يطغي على أصل هذه المجموعة ، ويعزو سبب الغموض نشوئهم خارج المراكز الرئيسية للعالم الأسلامي ، وسنتعرض له لاحقاً .

إن رأي الدكتور داود الجلبي يجانب الصواب من وجهة نظرنا ، لأن وجود العشائر التركمانية والعربية والكردية بين الشبك يلغي من صحة الاحتمال القائل بقدومهم من جنوب إيران. ، حيث أن قدوم هذه العشائر التي لم تسكن إيران يلغي إن لم يضعف من قبول الاحتمال .

أما رأي الدكتور ميشيل ليزيرك في ربـط أصـل الشبــك بالتنافس العثماني – الصفوي فهو غير وارد أيضا ، لأن ربط أصل مجموعات عرقية بتنافس سياسي أو ديني – طائفي ، لايجعل من مجموعة عرقية مختلطة كما في مجتمع الشبك تبرز للعيان على خلفية هذا التباين، وأن فترات غياب الاستقرار السياسي والخلافات بين الأمبراطوريتين العثمانية والصفوية بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر لاتخلق مجتمعات بشرية متوحدة في الإلتزام الديني أو التوجه المذهبي أو النزوع نحو وجهة نظر صوفية ، أو تقارب اجتماعي ، كما أن الأستاذ ليزيرك يعود نفسه في الصفحة 3 من بحثه المترجم ليقول أن هناك احتمال انخراط السكان الأتراك في الأناضول في التحول من المسيحية إلي مظلة الإسلام تحت تأثير القبائل التركية المسلمة السنية المذهب والمشبعة بروح الجهاد التي دخلت المنطقة في القرن العاشر الميلادي ، ومن جانب آخر كيف يمكن اعتبار المذاهب الإسلامية تعود بارتباطاتها بالعثمانيين والصفويين . .

وهذا الرأي يتعارض مع وجود القبائل الكردية والعربية والفارسية ضمن التجمع البشري القائم في المنطقة ، فالشبك تعرضوا بشكل ظالم وكبير لحملة من التشوية والتشكيك حتى باسلامهم ، وتم الطعن بهم على أساس أنهم من الغلاة مثلما ورد بكتاب ( عبد المنعم الغلامي – بقايا الفرق الباطنية في الموصل 1950) ، كما تعرضوا في فترات متعاقبة لحملة من التشويه القومي ، إذ عدتهم السلطات التي تعاقبت على ظلمهم والنيل منهم وحكمت العراق ، من أنهم أتراك تارة ، وفي أحيان أخرى انهم فرس من إيران ، وفي بعض الأحيان أنهم أكراد ، وكانت السلطات المتعاقبة تعمل جاهدة على أن تجعلهم يعتقدون أنهم من العرب لأغراض شوفينية مريضة في الحسابات الاثنية داخل العراق.
ولهذا فالقاريء لن يجد تعداداً حقيقياً واضحاً عن أعداد الشبك ضمن الاحصاءات السكانية التي أجريت في العراق، حتى يمكن اعتمادها كمصدر من مصادر النتائج الاحصائية البشرية والسكانية في المنطقة.

ذكر الأستاذ الباحث ( أوستن هنري لايارد ) المعروف بأبحاثه وتنقيباته في منطقة الموصل أن الشبك تنحدر من السلالات الكردية التي عاشت في إيران.

ولكن الأستاذ لايارد لم يجد تبريراً منطقياً لهجرة هذا المجتمع الخليط من القبائل المتعددة عرقياً مع وجود لغة خاصة بها وتمسكها على الأغلـب بمذهب إسلامي واحــد ضمن منطقة محكومـة مذهبين إسلاميين ، هما المذهب الحنفي (الموصل) ، والمذهب الشافعي ( كردستان العراق ) ، فمن غير المعقول أن تكون قبائل كردية متمسكة بمذهب يختلف عن مذهب الأكراد وتنتقل من إيران عبر كردستان إلي مناطق عربية قريبة من الموصل ، هذا بالإضافة إلي عدم وجود تبرير منطقي يقضي بتجمع قبائل تركمانية وفارسية وعربية مع هذه القبائل الكردية لينصهروا جميعاً بمذهب إسلامي معين ( مذهب الجعفرية الإمامية ) ، والمذهب كما نعرف هو منهج لفهم تعاليم الدين فكيف تسنى لهذا المجتمع الخليط من العشائر أن يتفق على منهج معين وينعزل على نفسه ليتداخل بعضه البعض ، فيشتبك اشتباك أصابع اليدين .

إن قسم من المهتمين بقضية الشبك من رد الشبك إلي التركمان بالنظر لألتزامهم بالطريقة البكتاشية ، أو اعتماداً على وجود عشائر تركمانية بينهم ، أو لكون قسم من عشائر الشبك تتحدث اللغة التركمانية وأن أكثر ساداتهم يتحدثون بهذه اللغـــــــــــــــــة التي كتب بها كتاب ( البويوروق )، كما يزعم أن التزامهم بالطريقة الصوفية التي كانوا يلتزمون بها هو السبب الرئيس الذي دفعهم إلي الالتحاق بالشاه إسماعيل الصفوي ومساهمتهم معه في الشروع بغزو الموصل ، واستقرارهم في أطراف مدينة الموصل بعد انكساره في حملة نـــادر شاه ( 1736 – 1747 م )، وفي هذا القول كثير من التصور غير المقبول ، إذ يعمد إلي ربط الأتراك بسلطة الشاه ، ومن ثم عبورهم للعراق ليبقوا فيه بعد أن انسحبت القوات الغازية ليتمسكوا بالأرض وبالمذهب بشكل منغلق ، ودون أن نجد تبريراً منطقيا ومقنعاً في بقاء القوات المنكسرة والمنسحبة على أطراف المدينة التي هزمتهم وهم من قومية أخرى ومن مذهب آخر ومن بلاد أخرى .

ويحاول البعض أن ينسبهم للأكراد ، كما ورد في رأي الأستاذ الكاتب عوني الداوودي حيث ذكر في مقالة له بعنوان الديانات والمذاهب بالعراق وضرورة احترام الشعائر الدينية منشورة في صفحة ( بحزاني ) على الأنترنيت ، http://bahzani.org/Maqalat%20ordner/M43.html

“ إن الشبك ينتمون عرقياً إلي الكرد واستند بذلك إلي مقالة السيد رشيد البندر التي سيتم الإشارة إليها لاحقاً، ولغرض إثبات كرديتهم يتم الاستناد إلي عشيرة باجلان وهي عشيرة كردية كبيرة وينتشر أبنائها في ثلاث محافظات عراقية هي الموصل وديإلي وكركوك وتنتشر ضمن ثلاث دول هي تركيا والعراق وإيران، وكما يدين أبنائها بالمذهب الكاكائي فإنهم يشتركون مع الشبك الذين ينتسب العديد من أبناء عشيرة الباجلان إليهم في اللغة الكردية، وهي لهجة الماجو الكورانية. ، بالإضافة إلي التزام عدد من أبناء هذه العشيرة بالمذهب الجعفري .

يقول الكاتب عوني الداوودي : “ كتب الكثير عن الأصول العرقية للشبك فمنهم من اعتبرهم أتراك، كما حاولت الأنظمة العراقية المتعاقبة إرجاع نسبهم إلي العرب، بينما الحقيقة هي أن الشبك ما هم إلا عشائر كوردية ويتكلمون اللهجة الباجلانية الكوردية التي هي فرع من لهجة كوران، ويقول في ذلك الباحث العراقي رشيد البندر " يفتخر الشبكيون بكورديتهم، وقد قاوموا محاولات كثيرة حاولتها السلطات في اعتبارهم عرباً، كتهجير قسم من العائلات الشبكية سنة 1975 ثم تهجير قرى بكاملها إلي مجمعات قسرية لغرض تعريبهم (1988-1989 ) “

وعشيرة باجلان كما ورد في مجلة المجمع العلمي العراقي (الهيئة الكردية) المجلد 23 و 24 لسنة 1992 – بغداد : “ عشيرة كبيرة تتقاسمها بالاضافة إلي الأراضي الكردية الواقعة في العراق ، دولتي إيران وتركيا،وفي العراق ينتشرون في المحافظات الثلاث ، ديإلي والتأميم ونينوى

تشترك هذه العشيرة مع الزنكنة والكاكائية والشبـــك ( الذي هو فرع من باجلان ) ، في لغة واحدة ، اللغة الكردية ، لهجة ماجو الكورانية التي لها قواعدها الخاصة .

لقد تحملت هذه العشيرة ويلات الأيام وقارعت خطوب الدهر ووقفت بوجه الأجانب الطامعين ، فحافظت على نفسها إلي يومنا هذا رغم العوادي والمحن ، فلقد حاربت عبر تاريخها الطويل ( كسرى برويز ) ، عندما سجن النعمان وسجن معه البعض من أفراد عشيرة باجلان ، كماحاربت الدولة القاجارية ولها في ذلك أدب وشعر يحق للقوم أن يعتزوا به، كما عادت الدولة العثمانية مثلما خاصمت الإيرانية ، وتحدت الإمارة البابانية ودوخت روسيا القيصرية وأرجعت المغول القهقرى وأشغلت دول الحلفاء ، لذا فهي جديرة بأن نعرف شيئا من تاريخها ومسقط رأسها وباشواتها .

وان لفظ باجلان مأخوذ من باجروان اوردها ياقوت الحموي ، أو من باجوان أوردها القس سليمان الصائغ ، أو باجروان أوردها الأستاذ إبراهيم شوكت ، أو جروان أوردها الدكتور أحمد سوســة ، وأخيراً باجلايا وهي منطقة واقعة على وادي الخابور الذي يصب في دجلة على مقربة من بلدة كواشي أوردها الباحث سبايزر . “ ( 7 )

وعن أصولهم يقول الباحث عباس العزاوي أن أصلهم أتراك ( الكاكائية في التاريخ –بغداد 1949 ص 95 ) ، بينما أكـــد الباحث محمد أمين زكي بأن باجلان عشيرة كردية ومذهبها ( علي آللهي ) ، وذكر ذلك نقلاً عن المستشرق الدكتور فريج ، ( خلاصة تاريخ الكرد وكردستان – الجزء الاول ص29 ) .

كما اعتبر بعض الكتاب أن الباجلان جميعهم من الشبك ( القس سليمان صائغ – تاريخ الموصل ص 55 )، بينما اختلف الباحث عباس العزاوي في ذلك بأن اعتبر عشيرة الباجلان من الأتراك ودخلتهم اللغة الكردية ممزوجــــة بالفارسية والعربية بعامل الاختلاط ( الكاكائية في التاريخ ص 95 )، والحقيقة أن عشيرة الباجلان من العشائر الكردية المعروفة الأصل، وفي كتاب ( خلاصة تاريخ الكرد وكردستان – الجزء الأول للسيد محمد امين زكي ) ورد أن عشيرة باجلان كانت من الأكراد العلي اللاهية، وإذا كان للعشيرة فرع من الأفخاذ والبيوت في تركيا فإن الأمر لايجعل العشيرة برمتها تنسحب إلي الفرع.

وفي كتاب عشائر العراق لعباس العزاوي – الجزء الثاني يورد العزاوي ان قبيلة الباجلان هم من الأكراد وموطنهم على نهر ديإلي .

ويذكر أن الباجلان من منطقة زهأو في كردستان إيران قرب منطقة خانقين ، ونزحوا إلي كردستان تركيا ، وبنتيجة النزاعات العشائرية نزحوا إلي كردستان العراق ، حيث استقروا في المناطق القريبة من الموصل وفي المناطق القريبة من خانقين ، وجميع أفراد هذه العشيرة مسلمون الغالبية منهم من الشيعة ، وسكنوا في الموصل قرى عمركان وجليوخان والأربجية.

وبالأضافة إلي هذه العشيرة فإن من بين العشائر الكردية التي تشتبك مع الشبك ، قسم من عشيرة الداوودي وعشيرة شيخ بزيني والزنكنة وروز بياني وعشيرة الشكاك واللك والبختياري والزازا والزراري .
بينما كتب الباحث رشيد البندر مقالا في جريدة الحياة بتاريخ 29 اب 1999 يؤكد فيه ان الشبك أكراد عراقيون فيقول :

“ يتردد اسم الشبك كثيراً ، مرة كتكوين قومي عراقي ، وأخرى تركي أو فارسي ، ومرة ديانة مستقلة لها جذورها الزرادشتية أو الأيزيدية، والغالب يعده من الغلاة العلي اللاهية ، من دون أن يلتفتوا إلي انقسام الشبك المذهبي الشيعي والسني كباقي الشعوب والقبائل الإسلامية

كتب عن الشبك بشكل عابر مؤرخون أكراد وعرب ورحالة غربيون مستشرقون ، ومن هؤلاء المؤرخ الكردي محمــد أمين زكي الذي ذكرهم في كتابه ( خلاصة تاريــخ الكرد وكردستان ) ، وذكرهم من الغربيين ( ستيفن همسلي لونكريك ) أحد ضباط الحملة البريطانية على العراق في كتابه العراق الحديث ، واعتقد خطأ منذ العشرينات ذوبان التكوينات العراقية في المجتمع العربي ، وذلك عند حديثة عن التركمان العراقيين ، حيث يقول أن الشبك طائفة صغيرة تعيش على ضفاف دجلة جنوبي الموصل وتتحدث بلهجة كردية محلية ، والمعتقد انهم يمثلون الطراز الهرطقي ، ( البدعة والإنحراف عن الدين أو المذهب ) من الشيعة ، وكتب عن الشبك أيضا المستشرق ف مينورسكي حيث أعتبر الشبك طائفة إسلامية كردية الأصل تقطن في ولاية الموصل ، ولهم صلات بجيرانهم اليزيدية ، وهم يحضرون اجتماعات هؤلاء ويزورون مزاراتهم ..... والعهدة على الأب انستاس ماري الكرملي ، كما أن للأب انستاس الكرملي تعود العديد من الاحكام الخاطئة ، فله الفضل في تعميم مفردة عبدة الشيطان التي أطلقها العثمانيون على اليزيديين ، وتداولها في البحوث والدراسات ، وله كتابات متعددة حول مذاهب إسلامــــية عراقية منها الصوفية والشيعية أطلق عليها تسمية أديان ، كقوله في مقالة – الشبك – المنشور في مجلة المقتطف المصرية 59 /1921 ( ديانتهم مجهولة ، ولعلهم هم أيضا يجهلونها ) ، وكذلك جعل عنوان مقاله حول الصارلية والباجوان والشبك المنشور في مجلة المشرق اللبنانية 5 /1902 ، ( تفكهة الأذهان في تعريف ثلاثة أديان ) .

والدراسات الغربية التي اعتمدت تلك المعلومات والأحكام أصبحت هي الأخرى من المصادر في دراسات أكاديمية حديثة . تناولت الشبك ككيان عرقي وديني مستقل ، ومن هذه الدراسات دراسة أمال فينوغرادوف بعنوان ( حالة الشبك ) ، المنشورة في مجلة الأثنولوجي الأميركي /1974 ، ورد فيها :

تكونُ الشبك أصلاً من الاعتقادات الدينيــة والفقهية المبنية على حركة أهل الحق ، وفي مكان أخر ذكر الشبك محل القزلباشية ( كلمة تركية تعني الأحمر وتشير إلي جماعة من الجيش الصفوي ، كانوا يعصبون رؤوسهم بعصابة حمراء ) كأتراك وكعلاقة بالصفويين ، وذلك باعتبارهم من بقايا الصفوية والتي بدأت في القرن الرابع عشر في غرب أذربيجان ، ووصلت إلي بلاد فارس سنة 1502 في عهد الشاه إسماعيل الصفوي .

ويخلص البندر بالقول أن الشبك ماهم إلا عشائر كردية ربما تأثرت منهم مجموعة بالمذاهب والديانات المحيطة ، ودخل بعضهم في التكايا والطرق الصوفية، ويقيم الشيعة منهم مآتم في عاشوراء ويلبسون الســـواد ويزورون العتبات المقدسة بالنجف وكربلاء وسامراء ، ويدفعهم الحب والافتنان بشخصية علي بن ابي طالب والأئمة الأخرين من صلبه ، والدعاء والتوسل بهم ، وهذا مايغعله الكثيرون في العالم الإسلامي ، وقد ألتبس على الباحثين والمهتمين فقاموا بتبديل المواقع بينهم وبين القزلباشية والبكتاشية والصارلية وأهل الحق اعتماداً على تأثر متبادل بين هذه الأطراف .

يفتخر الشبكيون بكرديتهم، وقد قاوموا محاولات كثيرة حاولتها السلطات في اعتبارهم عرباً، كتهجير قسم من عائلات الشـــبك سنة 1975، ثم تهجير قرى بكاملها إلي مجمعات قسرية لغرض تعريبهم (1988- 1989 ) ، وقبل ذلك كانت السلطات سجلتهم خلال تعداد 1977 عرباً ، ويتكلم الشبك لهجة كرديــة تحتفظ بالكثير من الألفاظ الكردية القديمة “ ( 8 ).

ومن الكتب التي تناولت موضوع الشبك بتوسع وباعتماد على معلومات الكرملي وارشاداته بالإضافة إلي ما نقله الصراف عن السيد ابراهيم الباشا و الثابت أنه ليس من ابناء الشبك ، كتاب ( الشبك ) لأحمد حامد الصراف ، والذي أنجزه في العام 1938 كمحاضرة ألقيت في نادي القلم العراقي ، ثم طبعت المحاضرة ببغداد على شكل كتاب في العام 1954 ، و ذكرنا الاحتمالات التي أوردها ضمن كتابه عنهم .

وأحمد حامـــد الصراف كان مدعيا عأما بالموصل خلال الثلاثينات من القرن الماضي ، ومن خلال وظيفته هذه تعرف على شخص يدعى إبراهيم الباشا زعم انه شبكي ومنه استل معلوماته الخاصة بالطقوس والعادات والتقاليد ، والتي هي أجتماعية أكثر منها دينية أو مذهبية ، وأصبح هذا الكتاب مصدراً شبه رئيسي للعديد من الباحثين في المجتمع الكردي عموماً ، أو الشبكي خصوصاً كأصل ولغة وعقائد ، والنتيجة التي يخرج بها مؤلف كتاب ( الشبك ) ، هو أن عقائدهم خليط من الزرادشتية والأيزيدية والمسيحية وحتى اليهودية ، وبما أن الكتاب لايعتمد أسساً علمية في البحث والاستنتاج ، فإن مؤلفه ناقض نفسه غير مرة ، فمن جهة يقول " الشبك جماعات من الأتراك " ، ثم يعود فيقول" أما أصل الشبك فأنه لم يقطع فيه حتى الآن ، إنهم من عنصر كردي أم من عنصر تركي ".

كذلك يضع احتمالات خمسة لأصلهم القومي بين أن يكونــوا أكراد أو أذريين ( الآذرية لغة تركمان العراق التي تختلف عن اللغة التركية بأمور)، والأحتمالات الثلاثة الأخرى أن يكونوا أتراكاً دخلوا العراق بثلاث طرق مختلفة ، ولكن الصراف الذي أكد في أول الأمر على تركية الشبك ينفي كل احتمالاته حين يصف الأحتمالين الأولين بالضعف ، والثالث بعدم البينة ، والرابع بفقير البرهان ، والخامس يعوزه الدليل .

ويمكن القول إذا كان الشبك جميعهم أكراد ، فأين نضع الشبك التركمان من عشائر البيات أو العشائر القليلة من العرب المنضوية تحت خيمة الشبك ؟ أو الشبك من الأصول الفارسية الذين استوطنوا العراق منذ القدم ؟ وهؤلاء جميعاً موجودين وقراهم مميزة ، ويشكلون جزء من حقائق الشبك في المجتمع العراقي .

وفي مقال نشــر في مجلة الثقافة الجديدة العدد 12 / 1993 عقب كاتب باسم ( شبكي ) بتاريخ 30/3/93 من نفس المجلة في الصفحة ( 142 – 144 )، ليسجل رأيا يؤكد فيه أن الشبك أكراد فيقول :

“ ربما يكون أصل الشبك غير متفق عليه ، ولكنهم بالتأكيد أكراد لأسباب كثيرة على رأسها شعورهم القومي واللغة التي يتحدث بها الشبك ولاتقل مفرداتها عن 70% من المفردات التي ينطقها أكراد شمال شرقي العراق إن لم نقل أكثر من ذلك ، والشبكي بإمكانه التفاهم بشكل سهل مع أكراد منطقة هورمان على سبيل المثال ، إضافة إلي أن الشبك يحتفظون ببعض الكلمات الكردية القديمة التي لايعرفها إلا من يقرأ تاريخ الكرد ، حتى أن كثيراً من الكرد يعتبرون لغة الشبك هي الكردية القديمة التي امتزجت بالتركية والعربية والفارسية ، لأسباب سأتناولها بأقتضاب ، فافتقرت إلي الصرف والنحو إضافة إلي أن الشبك لم يستعملوا لغتهم في الكتابة لأسباب سياسية ، أما المفردات العربية فيعود حضورها في لغة الشبك لسببين رئيسيين ، الأول كونهم مسلمون عليهم تلاوة القرآن ، والثاني لاختلاطهم عدة قرون بالعرب ، أما المفردات التركية ، فالشبك كالعرب في بلاد الشام والعراق ومصر وغيرها اكتسبوها إبان الحكم العثماني إضافة إلي أن بعضاً من الشبك كان يعتنق المذهب البكتاشي ، وهو تركي المنبع ، كما سيأتي ذكره ، أما بعض المفردات الفارسية ، فأضافة إلي كون اللغتين الكردية والفارسية لها أصول مشتركة ، فإن قسماً منها ربما يعود إلي الجوار القديم بين عشائر الشبك والفرس كما سيأتي ذكره أيضا .

يقارب عدد قرى الشبك خمسين قرية تحمل بغالبيتها أسماء كردية ربما يصل عدد سكانها مع أولئك الساكنين في مدينة الموصل ذاتها إلي أكثر من مائة الف فرد ، وتنتشر هذه القرى على شكل طوق يحيط بمدينة الموصل من الشرق ، وربما أمكن استنتاج بعض الشيء من هذا النمط من الانتشار ، فهذا الأنتشار يعزز القول بأن هذه العشائر هي بقايا أكراد شاركوا نادر شاه الفارسي في حصار الموصل في القرن السابع عشر ، أتى بهم من جبال السماق في الشام

يمتهن سكان هذه القرى الزراعة وتربية المواشي بالدرجة الأولى ، برغم أن منهم كثيرين نزحوا إلي المدينة بحثاً عن حياة أفضل ، فدخلوا معترك التجارة والوظائف الحكومية ، أو انخرطوا في السلك العسكري ، وذلك برغم أن ولائهم غير محسوم لصالح السلطات الحالية ، وعليه فإن جزءاً مهما من الشبك يسكن الآن في مدينة الموصل وخاصة الجانب الأيسر منها، حتى أن بعض الشباب المولود في المدينة يكاد ينسى لغته الأم ليتكلم العربية .

الشبك بجميع فئاتهم مسلمون منهم السنة ومنهم الشيعة ، وشيعتهم نوعين الأول يكاد ينقرض الان ، وهم الذين يتبعون المذهب البكتاشي ، وهو مذهب شيعي باطني متطرف أرسى أسسه الحاج محمد بكتاش الفارسي الأصل ، والذي عاش في تركيا وكتب أفكاره باللغة التركية ، وكان ذا شأن في الجيش الانكشاري العثماني ، وهذه الطائفة اسلامية لها بعض التقاليد غير المعلنة في الوقت الحاضر ، وربما كانت معلنة في السابق نظراً لتأكد وجود تكايا بكتاشية في الموصل وبغداد والقاهرة وغيرها من المدن خلال القرن المنصرم ، قام الحاج محمد بكتاش بتحوير العديد من الأفكار الإسلامية إلي نحو يراه أكثر إيجابية مع الإحتفاظ بالكثير من الأركان الأساسية في الإسلام ".

ويقول الشيخ الدكتور أحمد الوائلي في اختزال وتبسيط الفرق بين الشيعة والسنة : “ الفروق الموجودة بين المذاهب الإسلامية ككل ومنها ما هو بين الشيعة والسنة فروق ناتجة عن أسباب... السبب الأول هو الفهم الخاطئ للأدلة العقائدية التي تتعلق بالإمامة التي تلي النبوة مباشرة، هل تكون الإمامة بالانتخاب ويقال أن رسول الله صلى عليه وآله وسلم لم يستخلف أحداً وترك الأمر للمسلمين، والمسلمون التجأوا إلي منهج الشورى. أو أن القرآن الكريم له منهج والسنة النبوية الشريفة لها منهج في اختيار الإمام من بعد الرسول؟ أهل السنة يذهبون إلي أن النبي انتقل إلي جوار ربه ولم يرشح أحداً... سوى أنهم استنتجوا من أمره بأن يصلي في الناس أحد الصحابة وكانت السيدة عائشة قالت: ائتمروا أبا بكر فليصلّ في الناس، وصلى أبوبكر وقال المسلمون ارتضاك رسول الله لديننا فكيف لا نرتضيك لدنيانا؟ فاتجهوا لهذا الإتجاه وهو أن أبا بكر مرشح ثم ينتخب. هذا هو الرأي الذي ذهب إليه أهل السنة وقد يستدل بعضهم بآيتين هما فى واقع الأمر غريبتين على الاستدلال ، الأولى هي: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ" والآية الثانية "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" صدق الله العظيم. فليس للآيتين علاقة بنظرية الحكم، أما رأي الإمامية فالخلافة بالنص وبالجعل وهو رأي الشيعة. وهم يستدلون بآيات كثيرة منها: "إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا"، "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَْرْضِ" صدق الله العظيم. هذا هو السبب الأول "المنهج إلي الإمامة" ولو اقتصر الأمر على المناقشة بفهم الأدلة لهان الأمر ولكن تدخلت العوامل السياسية والعوامل القبلية وخلفيات أخرى فتضخمت الاختلافات فالسياسة ما دخلت شيئاً إلا وأفسدته. كما أن من أسباب الخلاف يرجع إلي مناهج في الفقه والعقائد عند أهل السنة ومناهج في الفقه والعقائد عن الشيعة “ .

يتركز المذهب على حب آل بيت الرسول وعلى رأسهم علي بن أبي طالب الذي يعتبرونه من أهم رجال الإسلام بعد النبي محمد ، ويعتقدون أن الخلفاء الراشدين قد اغتصبوا حقه في تولي المسلمين بعد النبي ، ومن هنا ينشأ حبهم وولاؤهم الكبير لما يسمى بالبير ، أي السيد الذي هو من نسل الرسول ، وما أطلاقهم للشاربين الا اعتقاداً راسخاً بأن الأمام علي كان ذا شاربين كبيرين ، أما مايشاع من كونهم يعتقدون بأن الروح الالهية قد حلت بالأمام فهو رأي خاطيء ، وكذلك مايقال من أنهم لايعتقدون بأن القرآن قد أنزل على الرسول محمد مع أستثناء بعض الشباب من ذوي الأفكار الفلسفية الحديثة ، وهو ما لايخلو منه أي دين أو مذهب أخر .

ان سريـــة هذه الطائفة في أفكارهم وممارستهم ربما جاء نتيجة حملات ( التأديب ) التي قامت بها القوات العثمانية خلال القرن الماضي لما سمي باعادتهم للدرب الإسلامي ، وهو أيضا مما حدا ببعض الكتاب إلي نسج الكثير من الأفكار ونسبتها اليهم ، مثل فكرة تناسخ الأرواح أو التمادي في إحترام القبور ، فزيارة القبور مثلاً لاتختلف طقوسها عن سائر المسلمين في الأعياد والمناسبات الدينية الأخرى ، الا أنهم يكنون احتراما لقبور الأولياء في كربلاء والنجف وغيرها ، وفي ذلك لايختلفون عن بقية طوائف الشيعة ، ولشهر محرم مكانـــة خاصة في تقاليد هذا الجزء من الشبك

فحتى وقت قريب كانوا يصومون العشرة أو التسعة أيام الأولى منه، ويرتدون الثياب السوداء ويقيمون مآتم العزاء وينحرون الذبائح في اليوم العاشر هذا عن القسم الأول من شيعة الشبك ، أما القسم الثاني فهم الأثني عشرية الجعفرية التي انحاز إليها معظم البكتاشيين في العقود الأخيرة على غرار شيعة جنوب العراق وإيران وبقية المناطق التي يقيم فيها الجعفرية .

وبالمعلومات الدينية والمذهبية أعلاه لاأقصد ابعاد الشبك عن الأصل الزرادشتي ، فالأحتفال بأعياد نوروز ورأس السنة الشرقية – دليل واضح على ذلك الأصل برغم انهم يعزون الاحتفال إلي شيء آخر وهو مناسبة تولي الامام علي الخلافة ، وهو أمر مشكوك فيه لأن كل المناسبات الدينية هي حسب التقويم الهجري فيما عدا نوروز ، ولايفوتني هنا أن أذكـــر أن كثيراً من الكتاب قد وقعوا في خطأ فادح عندما خلطوا بين كل من الشبك واليزيدية ( الأيزيديــــة ) والكاكائية ( أو الصارليــة ) في بودقة واحدة ، علما بان هذه الطوائف الثلاث من الكرد لاعلاقة مذهبية بينها ، وأن الشيء الوحيــد في هذا الجانب هو كتمانهم الشديد لمذهبهم خشية الاضطهاد لا أكثر . “ ( 9 )

وفي دراســة نشرتها مجلة ( سه ر هلدان ) للكاتب ( شاخه وان ) الصادرة في اربيل 1955 ، دون ان نتعرف على رقـــم العدد ونحتفظ بنسخة مصورة منها ، يذكر الكاتب أن الدافع لدراسته هو تناقض البحوث والاراء حول أصل الشبك وانتمائهم اللغوي وديانتهم، ويعتبر أن اراء عديدة ليس لها مكان في مجال العلم والمعرفة كونها غير مدعمة بأدلة وبراهين علمية كانت ام تاريخية ، فهي إما ناتجة عن جهل لتاريخ الكرد وعدم الالمام باللغة الكردية ولهجاتها أو كونها تسعى إلي تحقيق أهداف وغايات سياسية استعمارية.

ويتابع الكاتب دعوة الباحثين والمؤرخين الكرد للرد على هؤلاء من خلال دراسة الموضوع دراسة علمية لاسيما المواضيع التي تتعلق باللغة الكردية.

وفي القسم الاول من الدراسة ذكر الكاتب أن ثمة ثلاث روايات جديرة بالدراسة والبحث والتحليل وهي :

1- الشبك هم بقايا جيش نادر شاه الصفوي الذين حاصروا الموصل.

2- الشبك هم بقايا عشائر جبل السماق في سوريا والذين لم يستطيعوا اكمال سيرهم إلي لورستان.

3- من عشائر لور الصغير وبعد اندحار أميرهم شاوبردي من قبل شاه عباس الصفوي نزحوا إلي الموصل.

ويجنح الكاتب لتفنيد الاحتمالين الأول والثاني، في حين انه يستدل من انهم كانوا مهاجرين وليسوا غزاة ، بمعنى أن استيطانهم كان برضاء من سلطة المنطقة آنذاك ويقول “ فقد ذكر فؤاد حمه خورشيد في مقالة في مجلة المجمع العلمي الكردي – العدد 2-3 سنة 1975 نقل wl Lnson Sir.H.Ro أن السلطان مراد الرابع طرد الكلهر من زهأو سلم أراضيهم إلي الباجلان الذين جلبهم من الموصل .

أن وجود الشبك والصارلية والكوران ( العشيرة ) في منطقة الموصل والذين التفوا حول الأمير اللري ( شاوبردي ) بعد هزيمته على يد شاه عباس الصفوي، ثم عودته للقتال بعد ذلك، واندحاره وهزيمته ثانية، فلجوئة إلي الدولة العثمانية حسبما ذكره العلامة محمد أمين زكـــي في كتابه تاريخ الدول والإمارات الكردية في العصر الإسلامي، يعني لجوء أتباعه أى الكوران إلي الدولة العثمانية وكان ذلك بين عامي ( 1600 – 1620 م ). وأن اختيارهم لمنطقة الموصل هي محاولة منهم كما يبدو للابتعاد قدر الأمكان عن نفوذ سلطة الدولة العثمانية من توزيعهم بشكل طوق حول مدينـــة الموصـــل ( الشبك من نهر الخوصر إلي نهر الخازر والكوران ( العشيرة ) من نهر الخازر جهة جبل مقلوب إلي الزاب الكبير والصارلية شرق الشبك وإلي الجنوب من الكوران تجعل منهم ســداً أمام هجمات الدولة الصفوية لكونهم أعداء لها " وبإعتبار أن عشائر اللر هي كردية وتتحدث باللغة الكردية وهي من اللغات الهندو إيرانية المتفرعة من عائلة اللغات الهندو آوربية ويخلص الكاتب إلي تقريب لغوي جميل تقارب ظروف المكان والزمان بين اللهجة الشبكية باعتبارها كردية واللهجة السورانية.

ويخلص الكاتب في خاتمة بحثه إلي مايلي :

( فالشبك وكما جاء في متن البحث وبأدلة وبراهين علمية تاريخية لهجتهم لهجة بأجلانية تنتمي إلي اللهجة الكورانية وهذه بدورهــــا هي إحدى اللهجات الكردية الأربع، ويعني هذا وبما لايرتقى اليه الشك أن الشبك هم كرد وأن لهجتهم تنتمي إلي اللغة الكردية ( الأم ) ( 10 ) .

ولاننكر الجهد العلمي الذي بذله الباحث شاخه وان في هذا المجال وهو جهد يشكر عليه ، إلا أن الباحث فاته أن عشائر اللر كانت متوطنة في العراق منذ زمان العيلاميين واللولو والكاشيين والكوتيين. ، ولأهمية الدراسة ننشرها للاستفادة منها .

ولو كان الشبك من لور الصغير لوجدوا في المناطق التي يسكنها الأكراد الفيلية، وهم يتحدثون بلغتهم الكردية مكانا مناسباً ومنسجماً مع لغتهم وقوميتهم، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الكاتب ناقش وضع لغة الأكراد وقربها من اللهجة الشبكية مع اللهجة السورانية، ولكن الأمر يصعب في معرفة وجود بقية العشائر التركمانية ( البيات مثـــلاً ) أو العربية ( طي مثلا ) والعشائر الفارسية الموجودة فعلاً ضمن حياة المجتمع الشبكي.

وللكاتب حسن يونس أيوب رأي آخر كتبه في صحيفة الاتجاه الاخر – الهايد بارك بعنوان ( أصل الشبك ) ، تعقيباً على مقالة للمؤلف حول أصل الشبك أعتبر فيها الكاتـب زهير كاظم عبـــود أكثر من أنصف الشبـــك في كتاباته عنهم ، ( تعرض الشبك إلي التشويه والتشكيك بأصلهم وديانتهم الإسلامية فقد كتب كتاب عرب وأكراد وتركمان وغربيون ومستشرقون كلهم ينصفونهم – والاخ زهير كاظم عبود كان أكثر إنصافاً من غيره. ) وقد ورد في التعقيب http://www.alitijahalakhar.com/archive/183/hide_park.htm مايلي:

“ فالشبك آريون لكن ليسوا فرساً ولا كورداً فالبلوش الساكنين جنوب شرق إيران هم من أصل آري كما الفرس أريون فكذلك من تلك الحقائق التاريخية فالشبك آريون وليسوا كورداً كما البلوش ليسو فرسا ولغة الشبك دليل قاطع بآية الشبك بتشابه أكثر مفردات اللغة الاصلية الشبكية مع مفردات كتاب زراده شت افيستا واقرب إلي الافيستا من لغة الكورد إلي الافيستا والإنسان الكوردي السوراني حين يتحدث عن كوردي من بهدينان يقول (ان فلان الكوردي) أما الإنسان الكوردي السوراني أو البهديناني حين يتحدث عن الشبك يقول ان فلان الشبكي وليس فلان الكوردي في منطقة الشبك أما ما ذكره الأستاذ زهير كاظم عن السيد عبد الحسين العامري في الجزء السابع من موسوعة العشائر العراقية ص224 بأن الشبك يتكلمون لهجة مفرداتها من التركية والفارسية والكوردية والعربية هذا كلام أحد الأشخاص الذي التقى به بالمنطقة (ثامر عبد الحسين) وهذا الرجل المتحدث ليس شبكيا وانما هو من السادة الهواشم فذكر ما ذكره رحمه الله انه الان في ذمة الخلود فقد صدق الأستاذ ثامر عبد الحسين عندما قال إن الشبك ليسوا عشيرة واحدة لكن ليس فيهم بيات فالبيات في المنطقة تركمان وليسوا شبك وأما قوله أن الشبك جاءت من شبكت اصابعي بعضها ببعض فاشتبكت وشبكتها على التكثير والشبك الخلط والتداخل وهذا الكلام ضعيف ولا يؤخذ على أصول الأقوام والشعوب والأمم. فهم هكذا اسمهم كما البلوش بلوش والفرس فرس والأرمن أرمن وهكذا فلكل قوم تسميتهم.
وأريد ان استشهد بقول المؤرخ الالماني هيروسو حين يقول ويعرف التاريخ بأنه ليس بعلم مختبري إنه علم لكنه علم نقد وتحقيق. “

ذكر السيد ثامر عبد الحسن العامري في الجزء السابع من موسوعة العشائر العراقية ص224 ، أن الشبك وحدة عشائرية يبلغ تعدادها ( 250 ) الف نسمة ، وهم يتكلمون لهجة تتالف مفرداتها من اللغات التركيـــة والفارسيــة والكرديــة والعربيــة ، وتسمى اللهجــة ( البيجوانية ) وأن عشيرة البيجوان الموزعة في محافظة نينوى اختلطت خلال حقبة زمنية طويلة مع عشيرة الشبك فأطلق على العشيرتين ( الشبك والبيجوان . ( 11 )

أن في معلومة السيد العامري خلطاً كثيراً فالشبك لم يكنوا عشيرة مطلقاً بالنظر لتعدد العشائر المكونة لهم أولاً، كما أن التسمية الواقعية الان هي (الشبك ) دون أن ترتبط الكلمة بالبيجوان، وأن البيجوانية تأثروا بالمحيط الجديد الذي سكنوه على مر الأيام ففقدوا عاداتهم وتقاليدهم وتناسوا لهجتهم التي تتشابه مع لهجة الصارلية ، واستعاضوا عن ذلك باللهجة الشبكية ، كما في عشائر الداوودي وروز بياني والشكاك والزازا والبيات ، وأن عدداً منهم ينسبوا إلي قبيلة طي العربية التي يسكن بعض أفخاذها في قرية ( البيجوانية ) ، غير أن عددهم ربما يكون صحيحاً بالنظر لتكليف الكاتب المذكور بأعداد موسوعته عن العشائر العراقية من قبل الحكومة والتي وفرت له المساعدة في هذا المجال .

وليس أكثر دلالة على اشتباك القوم من قوميات متعددة ماورد في لسان العرب عن معنى كلمة ( شبك )، من قولك شبكت أصابعي بعضها في بعض فأشتبكت ، وشبكتها على التكثير، والشبك الخلط والتداخل.

وخلاصة البحث أن الشبك الذين امتزجوا من عشائر كردية وعربية وتركمانية وفارسية بنسب متفاوته ، شكلوا هذا المجتمع الخليط من هذه العشائر، فتجد بينهم من ينتسب إلي عشائر طي والجبور وجحيش العربية كما تجد منهم من ينتسب لعشيرة البيات التركمانية وإلي عشيرة الباجلان والزنكنة والزازا والداوودي وروزبياني الكردية ، وكل عشيرة من هذه العشائر تعتز بانتسابها وأصلها، غير أنها تعتز بانتسابها للشبك الذين يفتخر المرء حقاً بانتسابه لهم لما خطوه من معالم الخلق والإلتزام الديني والتمسك بالقيم الأصيلة .

وهناك من الشبك من ينسبهم إلي الكرد وفق وجهة نظره فيقول الكاتب حسن عكلة وهو من أبناء الشبك في مقالة له منشورة على صفحة ( بحزاني ) /www.bahzani.org/arb/showthread.php بعنوان أشكاليات الأنتماء لدى الشبك :

“ أ ن جل ألشبك هم أقرب من الناحية العرقية واللغوية إلي الكرد منه إلي القوميات الأخرى المجاورة ، ضمن منظومة التوزيع العرقي والقومي في المنطقة ألتي يقطنها الشبك K والتي يطلق عليها الشبك اسم ( شبكستان) أو أرض الشبك، وهي شمال شرق العراق أو جنوب شرق كردستان الكبرى
ولكن هذا لا ينفي مطلقا وجود أُسر من أصول عربية وتركمانية ، استوطنت في مناطق ألشبك وأصبحت اللغة الشبكية لغة التخاطب بينهم ونستطيع القول بانهم ذابو في محيطهم الشبكي بالرغم من استمرارهم في استعمال لغتهم الاصلية سواء عربية كانت أو تركمانية فهناك مثلا ً أسر في قرية عمركان على سبيل المثال لا الحصر ينتمون إلي عشيرة البيات التركمانية وهناك عوائل ترجع أصولها إلي قبائل طي أو ألدليم (ألجريسات ) ولكنهم يعتبرون أنفسهم شبكا ً ويعتزون بذلك .

ويجب أن يكون هذا محـــل فخر وإعتزاز للشبك ، لأنهم هم أيضا أسوة بالقوميات والاقليات الأخرى يمتلكون صفة الأخذ والعطاء والتفاعل مع جيرانهم ، لابل أستطيع أن أجزم بان الشبك هم أكثر الأقليات ليبرالية وإنفتاحا وتسامحاً في مسألة العلاقة مع الأقليات والطوائف التي تكون الفسيفساء العراقي ، فتراهم يتصاهرون مع العربي والكردي والتركماني واليزيدي والاثوري ، وحتى من الناحية المذهبية فالشبك ليسوا من الغلاة والمتعصبين ( كما وصفهم أحمد حامـد الصراف وعبد المنعم الغلامي ...سامحهم ألله ) ...فهناك السني والشيعي وألصارلية (القريببين من الديانة اليزيدية ) ...باختصار إنهم مزيج ونموذج للتلاقح والتناغم بين كافة مكونات وأطياف الشعب العراقي ، وعلى العراقيين كرداً وكربا وتركمانا الحفاظ على هوية هذه المجموعة البشرية الرائعة بتميزها وتسامحها وطيبة أبنائها وطبيعتهم الفطرية والميالة للسلام وللتعايش مع الآخرين وعدم إستغلال ضعفهم وعدم تبلور شخصيتهم وبروزهم على الساحة بسبب التراكمات التاريخية والسياسات ألشوفينية والاقصائية للحكام الذين أداروا العراق والذين كانت سياسة هضم الحقوق وتغييب الأقليات وتهميش الأديان وللمذاهب جزا من نهجهم ، ذلك النهــــج الذي أوصل بلدنا إلي ما نحن عليه اليوم من تخلف وفقر وجوع واحتلال وقتل...فقوة أي بلد لا تأتي عن طريق إلغاء حقوق أقلياته وهضم حقوقهم وطمس هؤيتهم وإنكار خصوصيتهم ..بالعكس تمأما ولنــا في تجربة الشعوب الأخرى المتقدمـــة نماذج يجب أن نحتذي بها ونتعلم منها “ ( 12 )

ويؤيد هذا الأتجاه السيد حسن ناصر باجلان في مقالة له منشورة على صفحــة بحزاني http://bahzani.org/NA%20Ordner/n100n.htm بعنوان ( كون الشبك أقحاح لايحتاج إلي برهان ) يقول فيها :

“ كُتب الكثير عن أصل الشبك ومنبع لغتهم وأين تودي جذور شجرتهم ، وبما أن أكثر هؤلاء الذين كتبوا عن الشبك كانوا إما مشبعين سلفا بالفكر الاستعلائي ، ولم يروا في هذه المجوعة سوى مادة للتندر والاستخفاف كما هو الحال عند عبدالمنعم الغلامي ، الذي عاش في فترة الخمسينات بين قريتي أورطة خراب والفاضلية معلماً وأفنديا ، ومُرحباً به في كل بيت كونه كان يساهم في تعليم اولاد تلك القرى الشبكية شيئاً غير آيات القرآن وقصص الجان ، إلا أنه مع الأسف لم يستطع وربما هكذا كانت طبيعة الزمن ، أن يتخلى عن منهج التحقير والاستخفاف بتلك المجموعة العريقة بكرديتها والتي وجدت نفسها بفعل عوامل الجغرافيا بعيدة عن مناهل الأصل ومعزولة عن ثقافة القومية الام في حواضر كردستان مثل السليمانية وأربيل ودهوك ، وحيث أن الجبل كان دائما الصديق الوفي للكرد على مدى العصور والأزمان، فإن وجود الشبك في المناطق السهلية شرق وجنوب شرق دجلة نينوى ، وأحتكاكهم بالعرب والتركمان وأخيرا وليس آخراسياسة الصهر والتطهير العرقي التي مارستها الحكومات المتعاقبة على تلك الفئة الكردية الاصيلة ، جعل حتى البعض من أبناء الشبك أنفسهم في دوامة، وضياع وبحث عن هوية ، فترى الشبكي يسأل نفسه ، ياترى من أكون ؟ هل أنا عربي كما حاولت الدعاية البعثية إيهام قطاعات واسعة من أبناء الشبك بأنهم ، أحفاد حاتم الطائي وأن أصولهم يمتد إلي عدنان وقحطان ، مثلما حاولوا إقناع اليزيدية بأنهم أحفاد يزيد بن معاوية القريشي . الباحث الشبكي الراحل أدهام عزيز الولي وفي مقالة له في صحيفة الزمان في العام الماضي ، حاول أن يثبت بأن الشبك هم مزيج من الأقوام الرئيسية الثلاث في العراق وهم نتيجة عن تلاقح كل قوميات المجتمع العراقي ، ربما كانت تلك النظرية مقنعة بعض الشي من الناحية السياسية ويرضي جميع الأطراف التي تتنازع على الحصول على اصوات الشبك ورأيهم في تشكيل الخريطة الجيو سياسية لعراق المستقبل ، ولكنها لاتنفع من الناحية الواقعية ، ولاتفيد بشئٍ من جهة مستقبل الأجيال المقبلة لنا ، فنحن الشبك يجب علينا أن نتخلص من حالة الضياع وحالة اللاهوية ، علينا أن نحد مصيرنا ومستقبل أولادنا وأحفادنا اليوم ، لأن المنعطفات التاريخية لاتتكرر يوميا وعلينا من الآن أن نجد مستقبلنا ومستقبل أطفالنا كي لايعانوا مثلما عانينا ... وإنني أنظر إلي اليوم الذي أرى فيه أولادي وأحفادي يقولون بكل فخر عندما يسألهم سائل عن أصلهم . . . أنا كردي شبكي مثلما يقولها الكردي الفيلي أو الكردي البهاديني أو السوراني أو اليزيدي.

لا وقت للبحث والمهاترات عن أصل الشبك . . . فإذا كانت اللغة هي واحدة من اهم العناصر التي تحدد الانتماء القومي لمجموعة بشرية . . . فاللهجة الشبكية هي لهجة كردية وهي تقترب من اللهجة الهوارمية ولهجة أهل خانقين أكثر من 90% ، والطفل الشبكي قادر على إستيعاب المناهج في بداية سني دراسته باللغة الكردية مليون مرة أكثر من أية لغة أخرى . . . هنا أرجع بذاكرتي إلي اربعة عقود خلت عندما كنت في الخامس الابتدائي في إحدى قرى الشبك وكان معنا في الصف تلميذ عربي واحد ، وهو الوحيد استطاع أن يجمع كلمة حمار بطريقة صحيحة ، وأتذكر تمأما كما كنا نعاني من مشكلة اللغة العربية عندما كنا في الثانوية . . . لأنها كانت لغة غريبة عن لغة أمهاتنا لاعلاقة لها بلغة البيت والتخالط ببيننا . لذا فإنني أرى ضرورة إدخال اللغة الكردية المعتمدة في أفليم كردستان كلغة أساسية للدراسة في قرى الشبك . . . وتحقيق ذلك لاياتي بدون إطلاق حملة توعية وإرشاد يقوم بها المنظمات والجمعيات الكردستانية في أوساط الشبك ، كي يتم إعادة الأمور إلي نصابها الصحيح وتصحيح ما تعوج خلال الحقب الماضية ، لان الكثيرين من مثقفي الشبك لازالوا أسرى الدعاية البعثية ، ويفاخرون باصولهم العربية ، علما بانهم في سريرة أنفسهم يعلمون بانهم ليسوا كذلك . زمن الجانب الاخر فيجب على الاخوة في الاحزاب الكردستانية وفي المنظمات والنقابات أن يعطوا أهمية لهذا الموضوع وأن لايشعِروا الشبك بأنهم من طينة أخرى مختلفة عنهم ، وهنا ياتي تمثيل الشبك في برلمان كردستان أهمية كبرى “

العديد من الباحثين الذين كتبوا عن الشبك يعتبرونهم أكراد ،وهذا الاتجاه ضمن الاتجاهات التي تتجاذب وتبحث في حقيقة قومية الشبك ، يقول الباحث رشيد البندر في مقالتة المنشورة بجريدة الحياة بتاريخ 19 آب (آغسطس) 1999 بعنوان ( الشبك أكراد عراقيون مسلمون لايميزهم تكوين عرقي أو ديني أخر) وكنا قد أشرنا إليها سابقاً .

بينما يقف في جانب أخر من يعتقد غير ذلك ، فقد كتب نصرت مردان وهو كاتب تركماني يتصف بالاعتدال والموضوعية ، مقالا بعنوان الشبك مذهب يحتضن القوميات المتآخية في العراق ،

/www.shiachat.com/forum/lofiversion/index.php

“ الشبك ، جماعة تضم في صفوفها خليط من عدة قوميات عربية وكردية وتركمانية ، تقطن في الجانب الشرقي من الموصل .وأهم مناطق انتشارهم هي : دراويش، قره تبه، باجربوغ ، بازواية ،طوبرق زياره، خزنة تيه، منارة شبك، طيراوه ،علي رش، طوبراوه ، كورغريبان، كبرلي، باشبيثه، تيس خراب، ينكيجه، خرابة سلطان، بدنة، باسخره، شيخ امير وبعويزه، ويسكن الشبك مع قوم يسمون بالــ (باجوان” قيل أن أصل اسمهم (باج الان) وهؤلاء شيعة وسنة، يظهر الشيعة منهم حباً زائداً للامام علي والأئمة. ولسان الباجون قريب جدا من لسان الشبك ولكنه يختلف عنه قليلا، وهذه أسماء القري التي يسكنها الباجلان في الديار الموصلية والشبك، أو شبك وأقوام اخري من عرب وتركمان وكرد وهي: طوبزاوه، بئر حلان، جريوخان اورته خراب، عمر كان ، اللك، قره شور، ترجله، تل عامود، بلوات، كهريز، جديدةؤ، بطلي (البساطليه)، تل عاكوب.

كما ينتشرالشبـــك في قرى أخرى من الموصـــل مثل : : كوكجلي، اريه جي ،عمر قايجي، زهرة خاتون، جنيجي، القاضية، الخضر. والقرى التي يسكنها التركمان والعرب و: قره قوينلي العليا، بشري خان، بابنيت، يارمجه، قز فخرا، الشمسيات والسلامية، أما قرى بايبوخ وخرساباد والعباسية، وباريمة، والفاضلية وتلياده فيسكنها الباجلان فقط. وحسب إحصائية عام 1977 يبلغ عدد الشبك في العراق حوالي 80 ألف نسمة .”

وفي مقالة أخرى لنفس الكاتب نشرت في موقع فئات الوطن ، www.mesopotamia4374.com/adad1/faatalwatan.htm يقول فيها :

“ الشبك حاليا بغالبيتهم من الشيعة الجعفرية مع قسم من السنة، وهم فئة تضم في صفوفه مختلف الأقوام العراقية من عرب وتركمان وأكراد . ويقطنون في الجانب الشرقي من الموصل. وأهم مناطق انتشارهم هي : دراويش، قره تبه، باجربوغ ، بازواية ، طوبرق زياره، خزنة تيه، منارة شبك، طيراوه ،علي رش، طوبراوه ، كورغريبان، كبرلي، باشبيثه، تيس خراب، ينكيجه، خرابة سلطان، بدنة، باسخره، شيخ امير وبعويزه، ويسكن الشبك مع قوم يسمون بالــ (باجوان” قيل ان اصل اسمهم (باج الان) وهؤلاء شيعة وسنة، يظهر الشيعة منهم حباً زائداً للامام علي والأئمة. ولسان الباجون قريب جدا من لسان الشبك ولكنه يختلف عنه قليلا، وهذه أسماء القري التي يسكنها الباجلان في الديار الموصلية والشبك، أو شبك وأقوام أخري من عرب وتركمان وكرد وهي: طوبزاوه، بئر حلان، جريوخان اورته خراب، عمر كان ، اللك، قره شور، ترجله، تل عامود، بلوات، كهريز، جديدة ، بطلي (البساطليه)، تل عاكوب.

كما ينتشرالشبــك في قرى أخرى من الموصــل مثل : : كوكجلي، اريه جي ،عمر قايجي، زهرة خاتون، جنيجي، القاضية، الخضر. والقرى التي يسكنها التركمان والعرب و: قره قوينلي العليا، بشري خان، بابنيت، يارمجه، قز فخرا، الشمسيات والسلامية، أما قري بايبوخ وخرساباد والعباسية، وباريمة، والفاضلية وتلياده فيسكنها الباجلان فقط. وحسب احصائية عام 1977 يبلغ عدد الشبك في العراق حوالي 80 ألف نسمـــة ، وهذا يعني انهم يتجاوزون الآن (150 الف نسمة ) “ . ( 13 )

وهناك من يطالب بعدم صهر الشبك في القومية الكردية، وأصدروا بيانا بهذا الخصوص ، وأكد البيان أن "كل ابناء الشبك يرفضون رفضا قاطعا تكريد الشبك." ويذكر البيان أن الشبك هم مجموعات عراقية ليست عربية ولا كردية ولا سنية ولا شيعية ، ولا يعترفون بالعشائر، وليس لديهم رئيس عشيرة وهم يتواجدون في المناطق الكردية ويمثل هذا الرأي القلة من الشبك ، حيث يطرحون أنفسهم على أساس انهم قومية قائمة بذاتها ، وانهم لاينتسبون لأىٍ من القوميات الموجودة في العراق ، وهذا الرأي يعوزه المنطق ويفتقر إلي الدليل المادي.



وهذا التوجه موجود بين القلة من أبناء الشبك يعتبرون أنهم ليسوا من الكرد ولامن العرب ولا من التركمان ، وانما هم قومية قائمة بذاتها فيقول الأستاذ الجامعي والمؤرخ ياسين الموصلي في مقال منشور على صفحة بحزاني على الأنترنيت

http://www.bahzani.org/h1%20ordner/h164.htm “ الشبك جماعة قومية تدين بالدين الإسلامي وفقاً لمذهب أهل البيت(ع) ، تنتشر قراها ومناطقها حول مدينة الموصل وداخلها ، ولها لغة وعادات خاصة تشترك في بعض منها مع السكان الآخرين وتختلف في البعض الآخر. وقد عرف الشبك ضمن أقدم الروايات التاريخية منذ آواخر العهد العباسي في العراق . وأشارت الوثائق العثمانية إليهم كجماعة مستقلة منذ القرن السادس عشر الميلادي. وورد ذكرهم في دائرة المعارف البريطانية والإسلامية.

عانى الشبك من الظلم والتهميش منذ أمد بعيد. فالولاة العثمانيون كانوا يمارسون ضدهم أبشع أنواع الظلم والاضطهاد لكونهم شيعة. واستمر ذلك الظلم طيلة الفترات اللاحقة ، خاصة في عهد النظام البائد الذي رفض الاعتراف بهم ، واجبارهم على الاختيار بين القوميتين العربية أو الكردية في التعداد السكاني للسنوات 1977م وسنة1987م. فمن اختار منهم القومية الكردية كان نصيبه هدم مسكنه والترحيل إلي مناطق في كردستان العراق أو مناطق أخرى ، ومن اختار منهم العربية كان نصيبه العيش في مناطق التهميش والاهمال مع الاتهام أحياناً بالأصول الأعجمية.

لقد جاء سقوط النظام السابق بمثابة فاتحة أمل للشبك وللقوميات والطوائف الأخرى في الاعتراف بها كجزء من التعددية الثقافية والفكرية للفسيفساء العراقي. غير أنَ ما أفرزنه الأحداث والتطورات السياسية ، خاصة في المؤتمر التحضيري العام لتشكيل المجلس الوطني المؤقت ، أثبتت انتهازية الآخرين ومساومات الكبار على حساب الصغار . بل عدم الاعتراف ببعض مكونات الشعب العراقي ، ومنهم الشبك الذين عدوا أكراد اً . وما يؤسف قوله كانت الطعنة قد أتت ممن اضطهدوا من النظام السابق ، كالأخوة الأكراد والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بعد دخول التحالف بين الطرفين من أجل تحديد قائمة موحدة للفوز في المجلس الوطني المؤقت .

وتم تعيين أحد الأكراد من سكان مدينة أربيل كممثل عن الشبك وهو لا يمت بصلة إليهم ولا يعرف لغتهم ، وبالرغم من اعتراضات الشبك عبر ممثلهم في المؤتمر التحضيري الدكتور حنين قدو ، والتي نقلت عبر بعض القنوات الفضائية.

لقد تناسى الأخوة الأكراد معاناة الشبك المشتركة معهم من ظلم النظام السابق ، ورفض الكثير من الشبك الخدمة العسكرية مع قوات النظام في المناطق الكردية. أما المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق فقد تناسى الأخوة الدينية والمذهبية ، وباعوا الشبك رغم وعودهم السابقة لهم ، وتناسوا الفرحة الكبرى والاستبشار بمممثل المجلس لدى دخوله الموصل بعد سقوط النظام.

إنَ الأصول التاريخية للشبك تجعلهم عراقيين أصلاء عاشوا في خضم الظروف والتحديات التي مرت بها المنطقة والعراق طيلة القرون الماضية. وبالتالي سقوط النظريات السابقة والمحاولات الحالية حاولت وما تزال إلحاقهم بالعرب أو الأكراد لم تثبت صحتها ، خاصة إذا ما علمنا أن وجودهم في قراهم ومناطقهم كان قبل مجيء الكثير من القبائل والعشائر في المنطقة ، وهم ليست لديهم أطماح مستقبلية ، وإنما هدفهم الاعتراف بهويتهم مع ضمان التمثيل في الدولة ضمن عراق موحد مستقل يتساوى فيها الجميع. “

وفي دراسة للباحث أدهام عبد العزيز الولي بعنوان “ مزيج فريد لتلاقح الحضارات والتأثير المتبادل بين الشعوب - الشبك.. “

نشرت له في موقع مجلة تركمان العراق http://www.turkmen.nl/1_journal4/3.html يقول فيها :

بحكم وظيفته الحقوقية كمدعٍ عام في الموصل عام ١٩٣٧ والتي مكنته من التجوال في قري الشبك تمكن أحمد حامد الصراف ان يستقي معلوماته عن الشبك وتمكن من الحصول علي معلومات إضافية مهمة عن الشبك بعد أن تعرف في الموصل إلي رجل من الشبك ذي أدب وفضل هو الشيخ ابراهيم الملقب (بالباشا) ومن سكنة قرية (القاضية)، زوده بكثير عن عقيدة الشبك وعن نزعتهم الدينية. يشتمل الكتاب الذي تبلغ عدد صفحاته ٣١٤ صفحة ثلاثة فصول.
الفصل الاول مقدمة في أصل الشبك ونبذة عن حياة الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام وخلاصات موجزة عن الطريقتين الصوفيتين القزلباشية والبكتاشية بالاضافة إلي المراتب الدينية عند الشبك ومراحل التصوف، واختتم الفصل بعرض وعقد مقارنة بين الفرق الصوفية النقية والفرق المغالية في الإسلام.وتناول الفصل الثاني من الكتاب صلب موضوع الشبك وهو نفوسهم، لغتهم، أصلهم، قراهم، عباداتهم، مواسمهم ومراسمهم، وأوابدهم وعاداتهم، آدابهم، أخلاقهم، صنائعهم، وكتبهم الدينية.

واختتم الفصل بعرض لــ٥٢ نصا لكتاب المناقب او(البويروق) اي ما يتفضل به والمكتوبة باللغة التركية القديمة وترجمة وتلخيص تلك النصوص الي اللغة العربية. وكتاب المناقب الذي يعتقد الأستاذ الصراف بأنه من كتب الشبك المقدسة ويعرف عندهم بــ (البرخ) يتضمن حواراً في أداب الطريقة الصوفية بين قطب العارفين الشيخ صفي الدين بن اسحق الاردبيلي وبين الشيخ صدر الدين، يحض علي التقوي وصنع الخير والتمسك بالولاء لآل البيت وفيه اوامر وارشادات وادعية وصلوات وتفضيل للمقامات في التصوف، وبالجملة فهو تأليف في الآداب والسلوك، والشيخان صفي الدين وصدر الدين من رؤساء الصفونين لتكية (ارديل) المدينة الشهيرة الواقعة في كورة اذربيجان وفيها اسست الطريقة الصفوية فبنيت فيها تكيتها. أما الفصل الثالث والأخير من الكتاب فقد اشتمل علي ثلاثة ملاحق: الملحق الأول مقالا للأب انستانس مادي الكرملي بعنوان (تفكهة الاذهان في ثلاثة أديان) والمنشور أصلا في مجلة المشرق البيروتية، العدد ٥ عام ١٩٠٢ ومقالة بعنوان (الشبك) والمنشورة في مجلة المقتطف المصرية العدد ٥٩، عام ١٩٢١ وقد سبق وان تناولنا المقالتين المذكورتين. أما الملحق الثاني فقد تم فيه عرض مقال للبروفيسور ف مينورسكي المستشرق الشهير المنشور في المعلمة الإسلامية وسبق لنا عرض وتحليل المقال المذكور. واشتمل الملحق الثالث والأخير علي تعليقات ومستدركات تضمنت تعاريف لاقوام مثل الشبك والصارليه والصائبة والكاكائيه والطرائق دينية مثل النقشبندية والقادرية والقزلباشية والبكتاشية والشيخية والكشفية والإبراهيمية ولاعلام ورجالات دين مثل الشيخ صفي الدين إسحق والشيخ صدر الدين والإمام زفر بن هذيل البصر، وشيخ المقنولة أبو القاسم الكعبي والمؤرخ الشهير المسعودي والمنجم الشهير ابو محمد النوبختي والمؤلف أبو منصور الماتريدي والإمام الكبير عبد القادر بن طاهر بن محمد التميمي والعلامة الأسفراني والعلامة ابن حزم والعلامة الشهرستاني والفقيه الشافعي الرازي والقاضي الشافعي ابن ابي الدم والحنفي عبد الرزاق الرسفين والشاعر الحلاج والشيخ جلال الدين الرومي واخرون غيرهم. وبامكان القارئ الرجوع الي الكتاب الاصلي إذا رغب في الاستزادة والوقوف عن كثب علي هذه الاقوام ورجالات الدين والطرائق الدينية. وتوجد نسخة من الكتاب مهداة من المؤلف في مكتبة المتحف الحضاري في الموصل تحت رقم الخزانة ٢ ٥٤ الرقم ١٦٩٥٤ و ٦٠٢٩ ونسخة أخرى في المكتبة المركزية لجامعة بغداد .

يري الأستاذ أحمد حامد الصراف في الفصل الأول من الكتاب (المقدمة) أن (الشبك جماعات من الأتراك تقطن في الجانب الشرقي من الموصل وأن عددهم بين عشرة آلاف وخمسة عشر الف نسمة (خلال عقد الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين: الباحث) ويسترسل في وصف رجال الشبك بطوال القامة وشقر الوجوه تميل شقرتهم الي السمرة لا يحلقون اللحي ولا يحفون الشوارب وقد تدلي الشعر علي افواههم فسترها، يتكلمون بلسان غريب هو خليط من الفارسية والكردية والعربية والتركية لكن التركية غالبة علي السنتهم وليس لهم من عمل يعملونه غير ازدراع الزرع ومري الضرع ) ص ٢.

ويتابع الصراف حديثه عن ديانة ومعتقدات الشبك قائلا (وقد ظهر لي من التتبع الطويل ان الشبك ليسوا من الغلاة كالنصيرية والبكتاشية (البكتاشية) وان شعورهم وايمانهم بواجب الوجود هو عين شعور المسلم وايمانه بواجب الوجود وأما رسول الله فمحمد النبي فهو النبي المبجل المعترف به لكنهم يغالون في حب علي غلوا عظيما فقد وصفوه ونعتوه باوصاف ونعوت لا يقرها الاسلام) الصفحات ٧ ــ ٨.

واشار الي (الكلبنك) وهي القصائد التي نظمها شعراء الشبك وشيوخهم باللغة التركمانية الجفكائية في مدح آل البيت، وفي معرض حديثه عن مبدأ التقية عند الشبك الشيعة يقول الصراف ( وقد ظهر لي ان التكتم من أولي شعائر الشبك وان الطريقة طلسم من الطلاسم والنحلة سر من الأسرار والإنكار والتقية درع ومجن يتقي بها الشبكي الخطر ولم أشك لحظة في أن الكتمان عند الشبك احد واجبات الإيمان المفروضة عليهم وهو من مستلزمات العقيدة الإسماعيلية الباطنية التي كانت تبالغ في التستر. كما أني لا أتردد قط في الحكم بأن التقية عند الشبك مستقاة من التقية التي كان يتذرع بها الشيعي الذي أحاطت به المهالك والمخاطر عدة عصور لدرء تلكم المهالك والمخاطر عن نفسه، الصفحات ٤ - ٥ ويشير في الصفحة ٥ من مقدمة الكتاب إلي رأيه الخاص بالشبك (الشبك غصن من الشجرة الامامية والمتفيئين للدوحة العلوية ولهم أذكار وأوراد وصلوات مثل الطرق الاخري كالنقشبندية والرفاعية والقادرية ولهم رسوم وعادات خاصة بهم وقد تبدلت بتسلط الجهلة عليهم فأبعدهم هؤلاء عن الإسلام وأنسوهم الفرائض والسنن، وحللوا لهم المحرمات وأفحموهم في الكبائر والموبقات.

هذا وقد نقل الصراف رأي الدكتور داود الجلبي الموصلي عن الشبك اصلهم ولغتهم وقراهم في كتاب بعث به اليه. ومن المفيد أن نشير إلي أن الدكتور داود الجلبي كان من مشاهير العلماء والفضلاء في الموصل ومن أعاظم علماء عصره في الطب، وله أبحاث جليلة في التاريخ واللغة وكان عضوا في المجمع العربي في دمشق، وفي الفقرة الآتية ننقل رأي الدكتور داود الجلبي عن الشبك: (كان الشبك الي ما قبل ثلاثين أو أربعين سنة (بدايات القرن العشرين: الباحث) بكتاشيه، يقولون انهم جاءوا من جنوب إيران وأن لهم أقارب هناك، لكنهم لا يعرفون متي جاءوا ولا سبب مجيئهم إلي ديار الموصل. أما لسانهم فهو الآن خليط من الفارسية والكردية والعربية وقليل من التركية، والفارسية هي الأصل في لسانهم ولكن بلهجة يختلف عن لهجة أكثر الايرانيين. وإني أظن – والحديث للصراف - ان لهجتهم تقرب من لسان البلوش، اقتبسوها بحكم الجوار، يقولون (بو٠ عضو (بيا) الفارسية بمعني تعال، ويسمع منهم كثيرا قولهم بعضهم لبعض (جيش مكرو) ومعناها مإذا تعمل. أما في ما يتعلق بمذهبهم الديني فكانوا فى بدايات القرن العشرين شيعة علي الطريقة البكتاشية الصوفية، ثم إنهم مالوا في السنين الاخيرة (منتصف القرن العشرين تقريبا: الباحث) الي مذهب الشيعة الإثني عشرية. لكنهم يغالون في حب علي. صفحة ٨. ويسترسل الدكتور داود الجبلبي في وصف الشبك إذ يقول: (وهم شقر تميل شقرتهم الي السمرة أقوياء الأبدان طوال القامة في الغالب، لا يحلقون لحاهم ولا يحفون شواربهم فيري الشعر قد ستر أفواههم، ويكررون بأن حب علي حسنة تمحو كل سيئة) .



هذا ويورد الدكتور الجلبي أسماء قري الشبك المنتشرة في الجانب الشرقي من ارض الموصل وهي: دراويش، قره تبه، باجربوعة (التي تسمي محليا باجربوغ: الباحث)،. بازواية (بيت زاوا)، طوبرق زياره، خزنة تبه، منارة شبك، يتراوه (طهروا)، علي رش، طونراوه (طوبز آوه: الباحث)، كورغريبان، كبرلي، باشبيثه، تيس خراب، ينكيجه، خرابة سلطان، بدنة، باسخره، شيخ أمير (شيخ مير: الباحث)، وبعويزه، ويسكن الشبك مع قوم يسمون بالــ (باجوان) و(أصلها باجلان: الباحث) قيل أن أصل اسمهم (باج الان) وهؤلاء شيعة وسنة، يظهر الشيعة منهم حباً زائداً للإمام علي والأئمة. ولسان الباجون قريب جدا من لسان الشبك ولكنه يختلف عنه قليلا، وهذه أسماء القري التي يسكنها الباجلان الذين يسمون بالباجوان في الديار الموصلية والشبك، أو شبك وأقوام أخري من عرب وتركمان وكرد وهي: طوبزاوه، بئر حلان، جليوخان (ويلفظها العامة جريوخان)، اورته خراب، عمر كان (ويلفظها العامة اومركان)، اللك، قره شور، ترجله، تل عامود، بلوات، كهريز، جديدة ، بطلي (البساطليه)، تل عاكوب.
وهذه أسماء القرى التي فيها قليل من الشبك: كوكجلي، اريه جي (الاريجيه)، عمر قابجي، زهرة خاتون، جنيجي، القاضية، الخضر. والقري التي يسكنها التركمان والعرب وقليل من الشبك فهي: قره قونيلي العليا، بشرى خان، بابنيت، يارمجه، قز فخرا (البنت فخرا)، الشمسيات والسلامية، أما قري بايبوخت (بايبوخ) وخرساباد (خورسيباط) والعباسية، وباريمة (سيدكند)، والفاضلية وتلياده فيسكنها الباجلان فقط .


يبحث الأستاذ الصراف في أصل الشبك حيث يشير إلي رأي شهاب الدين أحمد بن يحي المعروف بابن فضل الله العمري في كتابه (مسالك الإبصار من ممالك الأمصار) علي موضوع الشبك فيقول في الفصل الثالث من تاريخه ما نصه (الشوك) أو (الشول) عن مصطفي جواد ، وهؤلاء حكمهم شنكاره (شوانكارا) وعندنا (شبنكارا). ويؤكد الأستاذ الصراف علي أن عقيدة الشبك عقيدة بكتاشية (بككاشية) قزلياشيه محضة بتطوير وتبديل قليل وأن كتابهم المقدس المسمي (مناقب) والبويوروق) قد وضع بلغة تركمانية شديدة الشبه بلغة الشبك الحالية. ولكون الشبك من بقايا الغلاة حسب رأيه فإنه تطرق إلي تاريخ الغلاة في الاسلام وذكر وجود خمسة كتب رئيسة تبحث في الغلو والغلاة في الإسلام وهي كتاب مقالات الشيعة للنوبختي وكتاب الفرق بين الفرق للبغدادي وكتاب التبصير في الدين للإسفرايني وكتاب الفصل لابن حزم وكتاب الملل والنحل للشهرستاني والأخير يذكر أن بدع الغلاة محصورة في أربع: التشبيه، والبداء، والرجعة والتناسخ. ويستعرض الأستاذ الصراف مطولا سيرة ومسيرة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بإعتبار أن الغلو أول ظهوره كان في شخص الإمام علي وكان مقصورا عليه وحده في العصر الأول ولما استشهد الإمام انتقل الغلو من شخصه الي أشخاص أبنائه وأحفاده. وفي معرض حديثه عن فرق الغلاة في الإسلام يشير الي أسماء عشرة من هذه الفرق وهي: البيانية، المغيرية، الحربية، المنصورية، الجناحية، الخطابية، الشريعية، النصيرية، البككاشية (البكتاشية) والقزلباشية. وما يهمنا في هذا المقام هو الحديث عن الطريقتين الصوفيتين الأخيرتين: البكتاشية والقزلباشيه في التكايا والخانقاهات والربط والتي اعتنقها بعض المتصوفة في القرن الثامن الهجري. نشأت الطريقة البكتاشية في بلاد الاناضول وهي طريقة صوفية تركيـــة أسسها الحاج بكتاشي ولي المولود في نيسابور والمتوفي سنة ٧٣٨ هــ تلتها طريقة ظهرت في أرديل في شمال إيران طريقة صوفية ثانية سميت بــ (الصفوية) أو السرخرية وبالأحري القزلباشية العلوية المغالية. الصفحة ٤٤.
هذا وقد ظهر للأستاذ الصراف من التتبع والتنقيب أن عقيدة الشبك عقيدة بكتاشية قزلباشيه مع وجود فرق يسير فوائد الشبك وأوابدهم تكاد تكون بكتاشية محضة وآدابهم في الطريقة وسلوكهم في التصوف وشيوخهم جميعهم قزلباشية حاضنة الصفوية التي تأسست في أردبيل التي كانت تسمي بالفارسية القديمة (روئين دز) ولابد لنا من اعطاء لمحة مختصرة عن الطريقتين الصوفيتين لنبين أوجه الشبه التي تدل علي الصلة والقرابة التامة بينهما. البكتاشية طريقة صوفية اسسها الحاج بكتاش ولي الخراساني الأصل النيسابوري المولد وكان من السادة الموسوية اي ممن يتصل نسبهم بالإمام موسي الكاظم عليه السلام وقد تتلمذ في خراسن للشيخ لقمان الصوفي الشهير ودرس علي أحمد البوي الشهير، توفاه الله سنة ٧٣٨ هــ في عهد السلطان خذا وندكار في قرية (قيرشهر). ودفن في محل سمي باسم ه (حاجي بكتاش) ومازال مرقده مزارا يؤمه أهل التصوف وقيل أن المؤسس الحقيقي للطريقة البكتاشية هو (بالم بابا) المتوفي سنة ٩٢٢هــ إلا أنه ذكر في بيان الأولياء علي أنه (ألبير الثاني) فيكون الحاج بكتاشي هو (ألبير الأول). وقد تأثرت البكتاشية بالحروفية تأثرا عظيما ولذلك فلفضل الله الحروفي وكتابه (الجاويدان) المقام الإسمي عند البكتاشية وقد تفشت هذه الطريقة في الأناضول والبلقان فدان بها الألبانيون، وعندما حصل لهم التصال الوثيق بالإنكشارية صاروا لهم بمثابة الأئمة، بل إنهم كثيرا ما يطلق اسم البكتاشية علي الإنكشارية فيقال لهم (أتباع الحاج الكتاشي).

يري الأستاذ الصراف أن البكتاشية من الغلاة في الإسلام يحبون الإمام علي حبا مفرطا ويبجلون الأئمة الاثني عشر تبجيلا عظيما سيما الإمام جعفر الصادق ويرددون كلمات الله محمد علي والتي سماها بعقيدة التثليث كما هو الحال في النصرانية التي تقوم مقام الآب والأبن وروح القدس. وعند (الباحث) لا نري عقد هذه الصله والمقارنة صحيحه البتة. ويشير الأستاذ الصراف إلي عادة الاعتراف عند البكتاشية كما في النصرانية، فالباكتاشي إذا اخطأ أو أرتكب أثما هرع إلي (البابا) واعترف له بما أرتكبه وتلقي منه المغفرة، ويضيف أنهم شديدوا الإهمال كثيروا التهاون في أداء الفرائض الإسلامية. وأخيرا فإن البكتاشيه طريقة صوفية لا يتيسر الانخراط في سلكها إلا بعد مضي مدة التجربة وهي ألف يوم ويوم. ولدي التدقيق في عقائد الشبك ورسومهم وأوابدهم نراها عينا هي نفس عقائد البكتاشية والشبك كالبكتاشيه يكررون في اجتماعاتهم لفظة الف الله م محمد ع علي تكرارا مستمرا متواليا في جميع أذكارهم وأورادهم وادعيتهم. الصفحات ٤٥ ــ ٤٨.

أما القزلباشيه فكانت في بدء نشأتها تسمي (الصوفية) نسبة إلي مؤسسها قطب الأقطاب صفي الدين إسحق الأردبيلي المتوفي سنة ٧٣٠ هــ وهو الجد السادس للشاه إسماعيل الصفوي، وكان من المشاهير في الزهد والمعرفة والسلوك تتلمذ للشيخ زاهد الجيلاني (الكيلاني). ولما توفي الشيخ زاهد كان خليفته في الهداية والارشاد. ومقبرة الشيخ صفي الدين مقدسة في أردبيل يقصدون زيارتها من البلاد الشاسعة تنذر لها النذور وهي مزينة بالفسيفساء وقناديل الذهب والفضة. له مضيف معد لضيافة الطبقات المختلفة من الناس، وله طبل خاص يضرب في اوقات الفداء اعلأما للضيوف. وفي أردبيل قبر صفي الدين وولده صدر الدين الذي يعرف باسم الشيخ موسي ابن الشيخ صفي الدين الأردبيلي ويعرف بجليل العجم، وهو من العلماء العرفاء قام بالإرشاد سنة ٧٣٥هــ في حياة ابيه. ويظهر ان وصايا كتاب المناقب قد نقلها عن لسانه مريدوه كما ورد في آثار الشيعة لعبد العزيز الجواهري.

وفي المقبرة نفسها في أردبيل يوجد قبر حيدر بن جنيد وشاه إسماعيل بن حيدر والشاه طهما سب وقبرا إسماعيل وخمرة ميرزا وقبر شاه عباس الأول. هذا وقد سميت الطريقة الصفوية بــ (القزلباشيه) في عهد الشاه إسماعيل الصفوي حينما التفت حوله قبائل أستاجلوا، وشاملو، وبنكلوا، وبهارلو، وذو القدرة، وفجر، وافشار، فألبسهم الطرابيش الحمر فسموا القزلباش و(القزل) هو الأحمر بالتركية و(الباش) الرأس، فيفهم من هذا أن الصفوية تبدل اسمها فصارت قزلباشية بعد مرور عصرين لأن مؤسس الطريقة الصفوية وهو الشيخ صفي الدين توفي سنة ٧٣٠ هـ كما أسلفنا وجلس الشاه إسماعيل علي أريكة الملك سنة ٩٠٦هـ وتوفي سنة ٩٣٠ هـ فتكون المدة بين مؤسس الصفوية وحفيدة ٢٠٠ سنة.


اذن اتخذ الشاه اسماعيل الصفوي شعار القزلباش ــ اصحاب العمائم الحمر رمزا لجيشه وهذا الرمز مستمد من (تاج حيدر) الأحمر ذي الاثنتي عشرة ذوابه كناية عن الأثنتي عشر أماما.

والقزلباشية فرقة دينية منتشرة في بر الأناضول وتعتبر شيعية المذهب في نظر المسلمين وهي تقارب كل المقاربة نصيرية سورية وهم يسمون أنفسهم العلوية أي من فرقة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وبين القزلباشية أكراد وآخرون هم ترك وأغلبهم لا يتكلمون إلا التركية، ومما يؤخذ عليهم أنهم يخالفون المسلمين بأمور منها أنهم لا يحلقون رؤوسهم ويعفون لحاهم ويتقاعسون في أداء الفرائض الإسلامية الرئيسة، ولديهم بعض البدع التي يذكرها الأستاذ الصراف في كتابه وعندنا (الباحث) لا نري صحتها والقزلباشية يحترمون احتراما جليلاً بعض الأشجار ولهم إكرام للشمس والقمر ولينابيع الأنهار. وأشهر مواضعهم المقدسة هي ما عدا تكية خوبيار يحترمون تكية (سويجي) وبير سلطانلي ويلنجق وحاجي بكتاش، وعددهم علي ما يظن يجاوز المليون (في بدايات الثلاثينيات والأربعينيات) من القرن العشرين: الباحث) بين كرد يسكنون في درسين وعندنا أنها درسيم وملاطية وترجان وارزنجان وقسم من ولايتي سيواس وتبليس، وأتراك يسكنون ولايات معموة العزيز وسيواس وأنقرة.

وفي أفغانستان يسمي القزلباشية مهاجرين من هذا الأصل التركماني ويعتبرون مع (الطاجيك) و(النهدكي) أهم الطبقة المتوسطة وقد جاءوا إلي تلك الديار من فارس (إيران) بعد نادر شاه الذي أسكنهم في كابل وفي عدة ولايات اخري ليكونوا حماة لها يذودون عن حياضها، وهم لا يختلطون بسائر السكان.

وفي كابل أغلب موظفي البلاط وسائر الدواوين يؤخذون منهم، وفي هرات بيدهم التجارة والصناعة، ويتكلمون الفارسية وبينهم من يتكلم التركية، عددهم في أفغانستان كان في منتصف القرن العشرين ٧٥٠٠٠ كما ورد في دائرة المعارف الإسلامية. وأخيرا توصل الأستاذ الصراف إلي جملة من الحقائق عن عقيدة الطريقتين البكتاشية والقزلباشية في بداية نشأتهما وجملة أخري من الحقائق عن سيرة ومسيرة زعماء الطريقتين الحاج بكتاشي ولي والشيخ صفي الدين الاردبيلي نستعرضهما في الفقرة الآتية.

أتفق جميع المترجمين للحاج بكتاشي ولي والشيخ صفي الدين علي أن الرجلين كانا من العباد والزهاد المشهورين ومن أتقي المسلمين سريرة في عصرهما وقد اشتهرا بالصلاح والتقوي والفضل. وإذا لاحظنا أن الحاج بكتاشي توفي سنة ٧٣٨هــ والشيخ صفي الدين توفي سنة ٧٣٥ هــ نفهم أن الزاهدين الصفوين كانا متعاصرين وأنهما أسسا طريقتيهما في زمن واحد ، كذلك أننا لا نتردد أن نسجل أننا لم نعثر لا في المؤلفات التركية ولا في المؤلفات الفارسية علي خبر أو رواية تنص علي أن الحاج بكتاشي ولي مؤسس الطريقة البكتاشية والشيخ صفي الدين مؤسس الطريقة الصفوية كانا من ذوي البدع المغالين بل بالعكس نجد الثناء عليهما وعلي ورعهما وسلوكهما واستقامتهما كثيرا، فقد لقب الحاج بكتاشي بالولي، كما لقب الشيخ صفي الدين بقطب الأقطاب واللقب الأخير من أعلي الدرجات والمراتب عند الصوفية واللقبان دليلان صريحان علي قدسية الشيخين عند معاصريهما بلا منازع. وبالنظر لكل ما تقدم تمكن الأستاذ الصراف من الوصول إلي نتائج مهمة جدا توضح لباب الطريقتين ومعتقداتهما والتي يمكن إجمالها بالنقاط الآتية:

أولاً: لم يكن في البكتاشية والصوفية عند تأسيسهما أي جانب من جوانب الغلو.

ثانياً: أن الحاج بكتاشي ولي والشيخ صفي الدين براء مما في الطريقتين من البدع والترهات والإنحرافات والسخافات البعيدة كل البعد عن روح الإسلام وتعاليمه وأحكامه وفرائضه.

ثالثاً: أن تاريخ البدع التي تسربت إلي الطريقتين مجهول.

رابعاً: لا يوجد أي نص في جميع المؤلفات التي تعرضت للقزلباشية بأنها تهمل الفرائص والأركان الإسلامية وتدين بطريقة الإعتراف لنيل الغفران كالبكتاشية.

خامساً: ليس في كتاب المناقب المنشور في أخر كتاب الأستاذ الصراف ما يشم منه رائحة الزيغ والضلال، فهو كتاب يحتوي علي حوار في آداب الطريقة بين الشيخ صدر الدين وبين قطب العارفين الشيخ صفي الدين بن أسحق الأردبيلي.

سادساً: أن الشبك أقرب إلي البكتاشية منها إلي القزلباشيه.

سابعاً: صلة الشبك بالقزلباشية هي وجـــــود كتاب (المناقب) فقط.

الصفحات ٤٨ ــ ٤٩ للاعداد اهمية خاصة في الإجتماعات التي يعقدها، الشبك، حيث يكثرون من الإلتماس والإستغاثة في أذكارهم وأورادهم بأعداد لا تتجاوز السبعة وهذه الأعداد هي: الثلاثة، الخمسة، السبعة، الأثني عشر، الأربعة عشر، والأربعون، وكل عدد من هذه الإعداد ترمز عندهم إلي أمور دينية مقدسة. الثلاثة هم الله ومحمد وعلي. الخمسة وهم الرسول محمد صلي الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين ويسمون بأصحاب الكساء. ويرمز العدد سبعة إلي درجات ومراتب أهل الطرق الصوفية وهي: المنتسب، المريد، الدرويش، المرشد، ألبير ــ البابا، القلندر، الرند، والقطب. الأثنا عشر ويرمز إلي الأئمة الأثني عشر وهم الإمام علي المرتضي والحسن المجتبي، والحسين الشهيد بكربلاء، وعلي بن الحسين زين العابدين (السجاد) ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسي الكاظم، وعلي النقي (الهادي)، وحسن العسكري، ومحمد المهدي، ويرمز العدد أربعة عشر إلي الائمة الاثنا عشر يضاف إليهم اسم الرسول (ص) واسم إبنته فاطمة الزهراء. والأربعون وهم الأبدال أو الواصلون وهؤلاء لا يعرفهم الناس ولا يرونهم لأنهم رجال الغيب أو رجال الله وجند الله وأن الله منحهم قوة وزودهم قدرة علي حفظ نظام الدنيا وفي مقدمة ذلك إغاثة الملهوف ومعاونة المظلوم.
وفي معرض حديثه عن الغلو والغلاة في الإسلام يشير الأستاذ الصراف إلي الفرق الصوفية النقيه في الإسلام كالقادرية والرفاعية والسهرودرية والشاذلية والنقشبندية والخلوتية والمرغنية والغنيمية وغيرهم، والفرق الغالية كالبكتاشية والمولوية والبابرامية والملاحية والقزلباشية والعلوية والإبراهيمية والجمالية والذهبية والنوربخشية والنعمة اللهية والكونابادية والصفائية والإوجاغية والقلندرية والخالسكرية والشيخية والكشفية. كما يشير إلي معني الغلو الذي يرمي في معناه إلي إلصاق صفة الألوهية بالإمام علي وخلع صفات الله وأسمائه الحسنى عليه ونعته بالنعوت التي لا تطلق إلا علي رب الأرباب. وعندما طلعت الباطنية إلي عالم الوجود في الإسلام بدأت تميل إلي فكرتي التناسخ والحلول وهما بدعة ليست من الإسلام في شيء. هذا وقد أختتم الأستاذ الصراف الفصل الأول من كتابه بحديثه عن الأئمة والغلاة حيث يستبان من مطالعة كتب الرواة عند الشيعة أن الأئمة الأثني عشر وأولهم الإمام علي بن أبي طالب قد تبرأوا من الغلاة ولعنوهم سرا وعلانية وحاربوهم باللعن والتكفير علنا وعلي رؤوس الأشهاد وحذروا شيعتهم المشايعين لهم وأوصوهم بالإبتعاد عنهم لإنهم كذابون كفار قد أعمي الله أبصارهم فهم ضالون مضللون مزورون وأفاكون.

كرس الأستاذ الصراف صلب مادته عن الشبك في الفصل الثاني من كتابه حيث تناولت أبوابه نفوسهم ولغتهم وأصلهم وصناعتهم وقراهم وما إلي ذلك من أمور جوهرية يتوق لها القاريء حيث أورد أن الشبك جماعات من الأتراك تقطن في قرى الجانب الشرقي من مدينة الموصل وعددهم علي وجه التقريب بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألف نسمة وهم مختلطون مع عشائر الباجلان الذين يسمون بالباجوان في الديار الموصلية والتركمان والأكراد والعرب والصادلية والنصاري، ولسانهم خليط من الكردية والفارسية والتركية والاخيرة غالبة علي لسانهم ويحسنون التكلم باللغة العربية بحكم اختلاطهم مع العرب في مركز محافظة نينوي (الموصل) وبالرغم من أن أصل الشبك لم يقطع فيه لكن الصراف يري أنهم أتراكا بسبب أن الأتراك احتلوا شمال العراق وسكنوا قري الموصل في عهد السلطان طفرل بك السلجوقي الذي هبط العراق مع عدد كبير من الأتراك لإغاثة الخليفة القائم بأمر الله العباسي والقضاء علي سلطان الدولة البويهية وعلي البساسيري الثائر أحد قادة تلك الدولة سنة ٤٤٧ هــ ويستند في رأيه كذلك علي نص أبن تفري بردي صاحب النجوم الزاهرة بأن العشيرتين التركيتين القره قونيلي والاق قونيلي سكنتا شمال العراق وأنهما كانتا متشيعتين أي شيعة كالشبك الاوائل الذين أستوطنوا في ريف شرقي نينوي العراق (الموصل). ويشير كذلك إلي تعليق قديم ورد في الجزء الأول من تاريخ (السلوك لمعرفــــة دول الملوك) للمقريزي ، ص ٣ و ٤ أن الأكراد هم قبائل منهم الشنبكية ويقصد بهم الشبك الحاليون، وأخيرا يري أنه يوجد بصيص من نور يلقيه شهاب الدين أحمد بن يحي المعروف بابن فضل الله العمري في كتابه؟مسالك الأبصار في ممالك الأمصار علي الموضوع) أي موضوع أصل الشبك وتسميتهم، حيث يقول في الفصل الثالث من تاريخه ما نصه (الشوك) أو (الشول) باللام حسب رواية الدكتور مصطفى جواد وهؤلاء حكمهم شنكاره وهي (شونكارا) وعندنا (شبنكاره). وفي معرض حديثه عن أصل الشبك يؤكد أن عقيدة الشبك عقيدة بكتاشيه ــ قزلباشية محضــة بتطويــر وتبديل قليـــل وأن كتابهم المقدس المسمي (مناقب) أو (البويوروق) قد وضع بلغة تركمانية شديدة الشبه بلغة الشبك الحالية.

وفي معرض حديثه عن قرى الشبك التي تجول فيها كثيرا وتحدث إلي كثير من سكانها رغبة في تعيين أسماء القرى التي يسكنها الشبك ووجدها آهلة بخليط من الشبك والباجلان (الباجوان) والأكراد والتركمان والعرب والصارلية وأخيرا أستعان بالدكتور داود الجلبي فتفضل عليه بقائمة نشرها في كتابه وتطرقنا إلي أسماء تلك القرى في صفحات سابقة من البحث. هذا وقد تحقق من صحة القائمة التي أرسلها إليه الدكتور الجلبي والتي صنف فيها أجناس ولغات الأقوام القاطنين في تلك القرى وقام بمقارنتها بالقائمة التي تفضل بإرسالها إليه الأديب اللامع السيد عبد الجواد مدير تحريرات لواء الموصل أو آنئذ والقائمة منشورة في كتاب الصراف في الصفحات ٩٤ ــ ٩٥ وهي لا تختلف كثيراً عن قائمة الدكتور الجلبي .
أما في باب العبادات أشار الأستاذ الصراف أن الشبك لا يؤدون فريضة الصلاة كسائر المسلمين ويكتفون بصلاة واحدة في ليلة الجمعة وهم قعود علي شكل حلقة ويكون الاجتماع في دار ألبير الذي يبدأ بتلاوة ما يستظهره علي قلبه من (الكلبنك) والكلمة مركبة من كلمتين (كل) اي زهر و (بنك) صوت من الفارسية وتتصحف هذه الكلمة أحيانا في كتب العرب إلي (كلبند)، كما جاء في الدر المكنون في المآثر الماضية من القرون للشيخ ياسين بن خير الله العمري. ومن ثم يأمر ألبير الحاضرين أن يسجدوا فيسجدون.. إلخ. كما أن الشبك لا يصومون شهر رمضان إلا أنهم يصومون تسعة أيام من العشرة الأولي من شهر محرم الحرام. والشبك لا يزكون أموالهم كسائر المسلمين، إلا انهم يعطون من حاصلاتهم الزراعية ما يسمونه خمس الجد لإناس يعتقدون أنهم سادة من صلب النبي. والشبك لا يحجون الي بيت الله الحرام ولكنهم يقصدون العتبات المقدسة بالنجف وكربلاء ويشرعون بالاتصال بمجتهدي الشيعة والحج لا يتم عندهم إلا لسبع مرات. وعندنا أن الشبك شيعة وسنة مسلمون متمسكون بأركان الدين الإسلامي الحنيف ويؤدون فريضة الصلاة كسائر المسلمين ويصومون رمضان، كما أن الشبك الشيعة بالإضافة إلي صوم رمضان فإنهم يصومون تسعة أيام من شهر محرم الحرام، وهم يزكون أموالهم والشبك الشيعة يدفعون إلي سادتهم خمس الجد. والشبك يقومون بتأدية فريضة الحج إلي الديار المقدسة ولدينا من الشواهد في قري الشبك والباحلان ممن قاموا بتأدية هذه الفريضة مشيا علي الأقدام، ويزور الشبك الشيعة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء وسامراء وبغداد وكل أضرحة الأئمة علي امتداد العراق. وتنتشر الجوامع وبعض الحسينيات في معظم قري الشبك والباجلان تقام فيها الصلوات الخمس وخطبة الجمعة، وما تقاعس وإهمال البعض لبعض الفرائص الإسلامية ووجود بعض الغلاة سابقا في مجتمع الشبك والباجلان كسائر المجتمعات الأخري في أرجاء المعمورة إلا حالات نشاز غير مقبولة مطلقا ولن تكن مستساغة البتة.

وبقدر تعلق الأمر بمواسمهم ومراسمهم الدينية يورد الأستاذ الصراف نصوصا عنها حيث للشبك مواسم دينية خاصة يحتفلون بها صارت من عاداتهم وتقاليدهم التي لا تخرج عن حظيرة عقيدتهم، وهذه المواسم هي:

1 ــ ليلة رأس السنة، وهي من الليالي المقدسة وتكون في الليلة الأولي من شهر كانون الاول (يناير) من كل سنة ولهم احتفال خاص بها، ويجوز أن يكون الإحتفال به في العشر أيام الأولى أو العشر الثانية منه.

2 ــ ليلة التعاذر أو ليلة التغافر التي يعقد فيها الشبك اجتماعات خاصة في ليالي الجمعة وذلك لإزالة الأحقاد والبغضاء من قلوب الشبك وإحلال الحب والسكينة فيها يغفر المتباغضون بعضهم لبعض ويصطلحون فيها، ولها مراسم خاصة يقوم بها أثنا عشر شخصا برئاسة البابا البير، ويعتبر الاجتماع في ليلة التعاذر من الاجتماعات المقدسة، والإثنتا عشر شخصا هم رمز الإثني عشر معصوما من أئمة الشيعة وهم: البير، البابا أي الشيخ وهو الرأس عند الشبك، الرهر وهو الدليل وله مقام ادني من مقام البير، حامل الجراغ أي حامل المصباح أو الشمعة، حامل المكنسة ويتولي كنس دار البير المعد لاجتماع السقاء الموكل بسقاية المجتمعين، أربع خدام وبوابان يلازمان باب دار البير.

3 ــ ليلة الاعتراف ، وهي الليلة التي يتقدم بها الشبكي إلي البابا فيعترف له بخطاياه وذنوبه وفيها ينشد البابا (الكلبنك) الخاص بالاعتراف وقد يجاريه في إنشاد الرهير. وقد اقتبس الشبك عادة الاعتراف بالذنوب من البكتاشية فصارت جزءً من تعبدهم، كما أنهم اكتسبوا عادة التناول من البكتاشية ايضا. وهذه المراسيم كما انها من عادات الشبك فانها من شعائر البكتاشية، وللشبك اتصال وثيق بالبكتاشيه وكانوا يراجعون ولد جلبي في قونيه ويتلقون منه الإرشاد كما كان لهم اتصال بتكية اردبيل فكان (الباب ــ البير ــ الدده) يشد الرحال الي اردبيل لينال اجازة من شيوخ التكية فيها. وفي أردبيل انتشر مذهب القزلباشية ــ السرخ سر ــ والشبك والكاكئية والقزلباشية والبكتاشيه والعلوية والنصيرية من اصل واحد، فشعائرهم وعاداتهم متشابهة متجانسة كأنها من معين واحد .

4 ــ مراسم الدخول في الطريقة وهي مراسم خاصة يقوم بها البابا ويساعده علي ذلك الرهبر. وكل من أراد الدخول في الطريقة الصوفية يسمي صوفيا يجب عليه أن يفتش عن شخص أخر ليعاشره ويصاحبه هو وزوجته ليكونا أربعة مدة أربعين يوماً أو سبعين يوما.

5 ــ زيارات مراقد الأئمة حيث يقدس الشبك الأئمة الأثني عشر الذين يقدسهم الشيعة الأمامية ويعدونهم أئمتهم المكرمين المعصومين فينذرون لهم النذور ويقدمون باسمائهم القرابين ويتغنون بالقصائد (كلنبك) بمآثرهم وكراماتهم ومعجزاتهم تقربا إليهم وطلبا للشفاعة منهم. وللشبك مواسم عامة ومواسم خاصة لزيارة المراقد والعقبات المقدسة، ومواسمهم العامة هي عين مواسم الشيعة الأمامية كيوم عاشورا ويوم مرد الرأس ، ويوم الخامس عشر من رجب وكذلك الخامس عشر من شهر شعبان يوم ذكري مولد الإمام المهدي الغائب المنتظر. أما مواسمهم الخاصة فهي زيارة مرقد العباس في قرية العباسية ومرقد حسن فردوش في قرية الدراويش ومرقد زين العابدين في قرية علي رش ورجم قبر عبد الله بن زياد في موقع شرقي الموصل.

6 ــ العشرة الأولى من محرم الحرام حيث يقيم الشبك المناحات والمآتم فيبكون وينوحون ويلطمون ولهم في ذلك أهازيج خاصة وتسمي مراسيم عاشوراء حزنا علي الحسين الامام الشهيد ، ويرتدي فريق منهم السواد ويصومون تسعة أيام عاشورا الأولي، وبعد انتهاء اليوم العاشر يحرمون أكل اللحم علي أنفسهم مدة ثلاثين يوما أخرى ، وفي اليوم العاشر يهييء الموسرون منهم طعاما لفقرائهم فإذا طلع اليوم العاشر عليهم وقفوا في قراهم أو في المزارات المقدسة في علي رش وبير حلان صفوفا رجالا ونساء وأطفالاً يلطمون وينوحون ويبكون .

يبدو للمتأمل في أصول عقائد الشبك وفي اجتماعاتهم ورسومهم وعاداتهم بأن الرسوم منتزعة من عقائد البكتاشية والقزلباشية، والبكتاشية والقزلباشية أم وأب للشبكية وذلك لتوافق رسومهم وعاداتهم وانطباق بعضها علي بعض فهناك توافق كثير في بعض الأمور واختلاف في بعضها، وعندنا بأن معظم هذه المواسم والمراسم والتي قد تكون موجودة سابقا لا أثر لها الأن البتة وخصوصا الاحتفال بليلة رأس السنة ، والاحتفال بليلة التعاذر، واحتفالات ليلة الاعتراف ، حيث لا أثر لها في المجتمع الشبكي اليوم ، لكن الشبك وخصوصا الشيعة منهم يحرصون ولحد الأن علي زيارة مراقد الأئمة وإحياء مراسيم عاشوراء .

وعن أوجه الحياة الاجتماعية عند الشبك تناول الأستاذ الصراف العديد من هذه المجالات منها الولادة حيث يذكر أن الشبكي لا يري مولوده مباركا ما لم يبارك له البابا ويدع له بالخير ويقرأ له (الكلبنك)، وعن مراسيم الزواج يظن الأستاذ الصراف أن البابا أيضا هو الذي يتولي العقد ويحضر الأفراح في بيت العروس حيث تضرب الدفوف ويرقص المجتمعون علي شكل حلقة وتسمى محليا رقصة الجوبي أو الدبكة ، ويندر أن يطلق الشبكي زوجته حتي لو أبتليت بمرض عضال لا يرجي شفاؤه ويظل الشبكي ملازما لزوجته علي علاتها. وفي باب الموت يحضر البابا في دار الشبكي وقد يقوم هو بغسل الميت أو من قبل رجل تقي وورع ويكفن علي وفق عادة المسلمين وبعد دفنه في مقبرة القرية يضع أهل الميت طعأما يوزع بين فقراء القرية. أما بصدد الزواج بالعلوية يؤمن الشبك بأن العلوية المنحدرة من الأصلاب الطاهرة مقدسة بسبب نسبها ، لذلك فلا يجوز لغير العلوي ذي النسب الصحيح أن يتزوج علوية . كان الشبك يعالجون مرضاهم وفق عاداتهم فإن لم يتماثلوا للشفاء يأخذونهم الي إحدى المزارات المقدسة وهذه العادة ليست من عادات الشبك وحدهم فالمسلمون جميعهم يقصدون قبور الأولياء ويفعلون كما يفعل الشبك لمرضاهم، ومن أهم عاداتهم الندب والتوسل بالإمام المرتضى والأئمة الأثني عشر والأربعين والخمسة والثلاثة خاصة في شدة المرض وفي المواقف المحرجة والشبك يتفاءلون بتسمية أبنائهم باسماء الأئمة الأثني عشر ويعتقدون أن الفتي والفتاة المسمي بأحد أسماء آل البيت بركة في الدار ورحمة لهم، يدفع الله بهذا الاسم السوء ويبعدهم المكروه فأكثر أسمائهم حسن، حسين ، جعفر، صادق، حيدر، مهدي، خديجة، فاطمة، زينب، كلثوم إلي غير ذلك من الاسماء التي يعتبرونها مباركة. ولشيوخ الشبك أعلام ترفرف علي بيوتهم ويرفع العلم الأسود في شهر محرم الحرام مشيرا إلي المآتم والحزن وبيدهم أكف مصنوعة من البرونز والحديد يجولون بها في الضياع في أيام معدودة فيتهافت عليها الشبك يقبلونها ويتبركون بها، ويسمي الكف (كف العباس) يقصد به الشهيد أبو الفضل العباس حامل راية الإمام الحسين في واقعة كربلاء وهذه العادة موجودة في الفرات الأوسط أيضا. وعن آداب وثقافة الشبك يشير الأستاذ الصراف بأن الأمية كانت فيهم شائعة وأن معظمهم كان لا يحسن القراءة والكتابة بإستثناء بعض الشيوخ أي الدده أو البير أو المرشدين يكتبون ضعيفا ويقرأون ضعيفا، وبهذا كانت أدب الشبك الذي هو من نوع الأدب الديني محصورا في هؤلاء الناس فقط. كان ذلك خلال الربع الأول من القرن العشرين، ولكن بحلول منتصف القرن الماضي تم فتح المدارس الحكومية في كل قرية من قري الشبك وتم تشييد الجوامع وبعض الحسينيات في معظم قري الشبك، وأصبح المجتمع الشبكي مجتمعاً مثقفاً مواكباً للمستجدات العصرية الحديثة وبرز بينهم مثقفون كبار وعسكريون وأطباء ومهندسون قدموا للدولة العراقية خدمات جليلية.

وعن أخلاق الشبك يشير الأستاذ الصراف أنهم ألين أخلاقا من سائر الأقوام القاطنين في قري الموصل الشرقية وأحسن من أولئك أريحية وسليقة وأكثرهم اعتدالا في كل شؤونهم فصلاتهم مع سائر الناس من سكان الموصل عربا وتركمانا وغيرهم صلات جميلة، وهم أهل زرع وضرع وما زالت البداوة قائمة فيهم، وهم أشد الناس حرصا علي أعراضهم، يستنكفون من الرذيلة ويبتعدون عن الفحشاء والبغاء وليس فيهم فتي مطعون في سلوكه ولافتاة تحوم حولها الريب والشكوك. والشبك اطيب القرويين ذمة فليس فيهم من يقدم علي شهادة الزور ويصطنع الكذب للإضرار بالناس. أما في ما يخص السجايا الأخري من كرم وسخاء وحسن ضيافة منهم سوط لا يضاهون العرب المجاورين لهم في ذلك. ومن خصائصهم أنهم من أكثر الطوائف تعصبا للعلويين وأشدهم تعلقا بهم.
وأخيراً يشير الأستاذ الصراف إلي أن أنفس وأقدس الكتب الدينية عند الشبك هو كتاب مخطوط يسمي (البرخ٠ تصحيفا لكلمة (بويورق) أي ما يتفضل به.

وهذا المخطوط يحتوي علي حوار بين الشيخ صدر الدين والشيخ صفي الدين في آداب الطريقة القزلباشيه وعندنا أن هذا الكتاب لا يعوض عن الكتاب المقدس (القرآن الكريم).

يبحث الصراف في أصل الشبك حيث يشير إلي رأي شهاب الدين أحمد بن يحي المعروف بابن فضل الله العمري في كتابه (مسالك الإبصار من ممالك الأمصار) علي موضوع الشبك فيقول في الفصل الثالث من تاريخـــــه ما نصه (الشوك) أو (الشول) عن مصطفي جواد، وهؤلاء حكمهم شنكاره (شوانكارا) وعندنا (شبنكارا).

ويؤكد الصراف علي أن عقيدة الشبك عقيدة بكتاشية (بككاشية) قزلباشية محضة بتطوير وتبديل قليل وأن كتابهم المقدس المسمي (مناقب) والبويوروق) قد وضع بلغة تركمانية شديدة الشبه بلغة الشبك الحالية. ولكون الشبك من بقايا الغلاة حسب رأيه فإنه تطرق إلي تاريخ الغلاة في الإسلام وذكر وجود خمسة كتب رئيسة تبحث في الغلو والغلاة في الإسلام وهي كتاب مقالات الشيعة للنوبختي وكتاب الفرق بين الفرق للبغدادي وكتاب التبصير في الدين للإسفرايني وكتاب الفصل لابن الحزم وكتاب الملل والنحل للشهرستاني ، والأخير يذكر أن بدع الغلاة محصورة في أربع : التشبيه، والبداء، والرجعة والتناسخ. ويستعرض الأستاذ الصراف مطولا سيرة ومسيرة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بإعتبار أن الغلو أول ظهوره كان في شخص الإمام علي وكان مقصورا عليه وحده في العصر الأول ولما استشهد الإمام انتقل الغلو من شخصه إلي أشخاص أبنائه وأحفاده. وفي معرض حديثه عن فرق الغلاة في الإسلام يشير إلي أسماء عشرة من هذه الفرق وهي: البيانية، المغيرية، الحربية، المنصورية، الجناحية، الخطابية، الشريعية، النصيرية، البككاشية (البكتاشية) والقزلباشية. وما يهمنا في هذا المقام هو الحديث عن الطريقتين الصوفيتين الأخيرتين: البكتاشية والقزلباشية في التكايا والخانقاهات والربط والتي اعتنقها بعض المتصوفة في القرن الثامن الهجري . نشأت الطريقة البكتاشية في بلاد الأناضول وهي طريقة صوفية تركيــــــة أسسها الحاج بكتاشي ولي المولود في نيسابور والمتوفي سنة ٧٣٨ هــ تلتها طريقة ظهرت في أرديل في شمال إيران طريقة صوفية ثانية سميت بــ (الصفويـــة) أو السرخرية وبالأحري القزلباشية العلوية المغالية. الصفحة ٤٤. ( 14 )

هذا وقد ظهر كما اسلفنا للأستاذ الصراف من التتبع والتنقيب كما يقول أن عقيدة الشبك عقيدة بكتاشية قزلباشية ، وهي وجهة نظر تحتمل الخطأ والصواب كون الكاتب شكل فكرته عنهم من خلال ما وصلته المعلومات عن أخبار الغلو والتطرف في المجتمع الشبكي ، والتي كان لرجال الدين منهم الدور الرئيسي في نشرها وتكريس العمل بموجبها ، وهو يرى أيضا أن البكتاشية من الغلاة في الإسلام يحبون الإمام علي حبا مفرطا ويبجلون الأئمة الأثني عشر تبجيلا عظيما ، ووجهة النظر هذه أعتمدها عدد ممن كتب عن الشبك ، كل واحد منهم يعتمد على من سبقه بالمعلومات ، على أن لايغب عن بالنا أن الشبك ليس عقيدة ، وإنما تجمع عشائري تفاوت في الغلو في المعتقدات ، والابتعاد عن مذهب الشيعة الإمامية ، لذا فإن الحديث عن الاحتمالات التي كانت تسود بينهم وتبعدهم عن جادة الصواب ، قد تشكل ضياع في جزئيات أدخلها رجال الدين على عبادتهم ، وقد يدخلها بعض في متاهات ضعف الأداء والإشراف الديني ، بالنظر لإنقطاع الشبك فترات ليست بالقصيرة عن الإتصال والتواصل مع المراجع الدينية أو المرجعيات خلال تلك الحقب الزمنية الماضية .

وبقصد أو لقلة في العلم والمعرفة ، ولابتعادهم عن مصادر الفكر التنويري أو لاسباب أخرى ، وتكريساً للجهل المنتشر قديما بينهم ، فقد بقي قسم منهم يعاني من عزله وتقوقع فكرياً ونفسياً ، غير أن الأمر لم يبق على هذا الحال ، حيث تبصر الشبك بشكل عام نحو الإلتزام بما يقبله العقل والمنطق في السلوك والعقيدة وفي ممارسة الطقوس ، ونستطيع أن نجزم اليوم مؤكدين أنهم مسلمون لاتشوب اسلامهم شائبة ، بالإضافة إلي تمكنهم الاندماج في المجتمع الكردي أو العربي أو التركماني ، وأيضا كسبهم احترام وثقة المجتمعات التي تحيط بهم ، من خلال القيم التي يتمسكون بها والأعراف والتقاليد الإنسانية ، وأخيراً تمسكهم بتعاليم الإسلام .

وما يورده الأستاذ الصراف على فرض صحته يمكن أن يكون التاريخ المنقضي من الشبك ، إذ لم يؤيد أحد اليوم وجود احتفال ديني بليلة رأس السنة في الأول من شهر كانون الأول من كل سنة ، كما لا توجد ليلة للاعتراف ، حيث أن الغفران عن الخطايا وأعتراف العبد بالذنوب لله وحده ، لايمكن أن يمارسها الإنسان مهما كانت منزلته أو درجته الدينية أو العلمية ، و كما أن ليلـــة الغفران والصلح وهي الليلة التي أسماها الصراف ليلة التعاذر ( عذر كيجه سي ) ، أن صحت لم يعد لها فعل أو وجود بين المجتمع الشبكي ، فقد حلت القيم الإسلامية والأعراف العشائرية بديلاً عن كل رواسب الماضي ، أذ أن زمن إيقاع الصلح والتسويات العائلية والعشائرية لايتم تحديدها بأيام محددة من الشهر أو الأسبوع ، وإنما وفقاً للظروف والاتفاقات بين الأطراف نفسها التي تريد أن تحل المشكلة ، والشبك حالهم حال كل المجتمع العراقي بكل قومياته يبجلون رجال الدين ويحترمون كلمتهم وحضورهم في جلسات المصالحة والتحكيم

وبقي الشبك الشيعة يحتفلون في أيام عاشوراء من الأول إلي العاشر من شهر محرم باعتبارها أيام حزينة ، أدت في العاشر من محرم إلي مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب في موقعة كربلاء ، ويحرص الشيعة الشبك على إقامة مجالس العزاء والإستذكار لمقتل الإمام الحسين يوم العاشر من محرم الحرام في العام 61 هـ ، بعد صلاة الظهر ، ويقدم بعض من يقيم العزاء الطعام للمشاركين في هذه المناسبة .

أما عن الغلو في محبة الأمام علي ، فلم تعد للمغالاة وجود بينهم ، إذ أن الجميع ملتزمون بشعائر الإسلام ، ومن يلتزم بشعائر الإسلام وأسسه لايمكن أن يجنح للغلو ، ويلاحظ أن المسلمين جميعاً يضعون الإمام علي بن أبي طالب في منزلة تتفاوت حسب أعتقادهم ومشاعرهم وفهمهم للتاريخ ، والناس في حضرة الإمام علي أربع طوائف ، أولاها تعتقد بإمامته وحبه وتقديره ومنزلته في الإسلام وهم الأغلبية ، وثانية معتدلة ، وثالثة تغالي في بغضه وتستخف به عنادا ، ورابعة تعتقد بآلوهيته ، والثالثة والرابعة هم القلة ، ولا وجود للرابعة اليوم لا في العراق ولافي غيره من الأماكن ، بالرغم مما يشاع من وجود علي الهية في العراق ، مع أن السيد عباس العزاوي ذكرهم في كتابــــــه تاريخ العراق بين إحتلالين ، حيث ذكر أنهم يسمون ( المشعشعون) وأنهم كانوا يسكنون في منطقة يقال لها ( هارون آباد ) وتسمى الآن ( شاه آباد ) بالقرب من كرمان شاه حيث تبعد عنها بضعة مراحل ، ويقول العزاوي أتفق المسلمون على تكفيرهم وإخراجهم من حضيرة الاسلام ، وهناك من يقول بأن العلي اللهية في العراق كثيرون . ( 15 ) .

والحقيقة أننا سمعنا العديد من الآراء التي تقول بوجود مثل هؤلاء في العراق سواء قرب مدينة خانقين أو بالقرب من ضواحي الموصل ، غير أن الأمر لايعدو إلا احتمالات وتخمين وزعم لا أساس له من الصحة ، ولا وجود لقوم يعبدون الإمام علي بن أبي طالب في العراق أو يعتبرونه بمثابة الإله في هذا الزمان ، كما لاصحة للأتهامات التي رمي بها الشبك أو الصارلية أو الكاكائية في العراق فلم يشركوا ولم يصل بهم الأنحراف إلي هذه الدرجة ، وهم أبرياء من هذه النقائص.

وفي دراسة قيمة نشرها الكاتب السيد صافي الياسري في جريدة المدى العراقية بعنوان ( حقيقة الشبك .. .. لغتهم وديانتهم وعددهم والمنطقة التي يسكنونها ونشاطهم الأقتصادي ) ، حيث كان الكاتب صحبة المحامي أصغر عبد الرزاق حسن وهو من مثقفي الشبك من الشباب المتنورين يتجولون في عدد من القرى الشبكية، وأستطاع بالرغم من قصر مدة تجواله في عدد من القرى الشبكية أن يشكل عنهم فكرة ويجمع عنهم معلومات جديرة بالاطلاع يقول فيها :

“ والحقيقة أن الشبك هم من الأقوام التي أستوطنت الجانب الشرقي من مدينة الموصل في عهد الدولة الساسانية والعهود التي تلتها واختلطت وتصاهرت مع بعض العشائر العربية والكردية والفارسية، وانصهروا جميعاً في بودقة الشبك، أي أن القومية الشبكية بالنسبة لهؤلاء هي في الحقيقة خيار جاء عن طريق تفاعل قديم ولعل من أقدم المصادر التي أشارت إلي استيطان الشبك منطقة الموصل هو كتاب (الكامل في التاريخ لأبن الاثير) حيث يقول (عندما استولى الساسانيون على البلاد واعادوا تعمير قلعة الموصل وأسكنوا فيها جنودهم، شيدوا حولها القرى والدور والملاحظ أن هذه القرى التي يشير اليها إبن الأثير، هي قرى الشبك نفسها في الوقت الحاضر بدلالة أماكنها وتسمياتها، ويؤيد هذا الرأي الكاتب سليمان الصائغ في كتابه (تاريخ الموصل) ج1 ص53 حيث يقول ( أنهم جاءوا من الشرق واستوطنوا هذه المنطقة مثلهم مثل إخوانهم العرب والأكراد الذين سكنوا الموصل في فترات مختلفة ) وهذا القول له أسانيد كثيرة في الواقع، فالشبك الذين دخلوا قرية (باشبيثه) المسيحية الأصل على سبيل المثال عام (557هـ) أدخلوا معهم فن البناء الساساني إلي هذه المناطق، حيث تميزت دورهم بأشكالها المخروطية.

أما خصوصية الشبك كجماعة اثنية مستقلة فتؤكدها إحدى المذكرات الخاصة بتفتيش منطقة الحمدانية ذات الأغلبية الشبكية التي اعتمدتها وأصدرتها الحكومة العراقية انذاك (المذكرة رقم 541 في عام 1952) والتي تنص على أن منطقة الحمدانية تتكون من عدة قوميات أكثرها عدداً (القومية الشبكية) تليها القومية العربية فالكردية فالتركمان فالمسيحيون، وهذا اعتراف صريح من الحكومة الملكية العراقية باستقلالية الشبك.

أما عن انصهار عشائر من العرب والأكراد في بودقة الشبك، فيقول الشيخ محمد حسن بك، رئيس رابطة شيوخ عشائر الشبك (أنا في الأصل من قبيلة زبيد العربية المعروفة وتحديداً من عشيرة جحيش وكنا نسكن الحسكة في سوريا ونزحنا إلي العراق وانصهرنا في (القومية الشبكية) ومازال أولاد عمومتنا يعترفون بأصلنا العربي، لكننا الآن نعترف ونؤكد هويتنا القائمة باختيارنا) ـ لقاء شخصي مع الشيخ محمد حسن بك في الموصل وفي بغداد.

أما سبب تسمية الشبك الأصليين بالكمبيين، ومفردها الكمبة، وتعني اصحاب القباب، جمع قبة، فهو يعود إلي طريقتهم في بناء دورهم ذات الشكل المخروطي كما ذكرنا. “ ( 16 )

وقدم الباحث الدكتور ميشيل ليزيرك الأستاذ المتمرس في قسم الفلسفة بجامعة أمستردام في هولندا خلال الأعوام 1996- 1998 بحثاً في الدراسات السكانية ترجمه الدكتور أسماعيل سلطكان تناول فيه مجموعة عرقية تقطن ( شمال العراق ) ، وبالتحديد شرق مدينة الموصل ، وهو بحث بذل فيه الباحث جهداً لايستهان به ، وحاول من خلاله أن يتقصى جميع ما أمكن من الحقائق عن جماعة تسمى الشبك ، وقد جابه الباحث صعوبات جمة وكان كمن يحاول البحث عن أبرة في كومة قش لأن المنطقة مدار البحث والتي لاتتجاوز مساحتها الأربعون كيلومتراً تعج بطوائف وملل وتجمعات ومجاميع لا عد لها ولا حصر ، فبالإضافة للشبك موضوع البحث هناك الباجلان والصارلية والكاكائية وأهل الحق والجرجرية واليزيدية ثم الأكراد والتركمان والعرب والأثوريين وطوائف مسيحيية عدة ، كل هؤلاء أستوطنوا هذه المساحة الصغيرة من الأرض شرقي وشمال مدينة الموصل ، يضاف إلي ذلك قلة المصادر عن أصول هذه المجموعة وقلة المراجع عن عاداتها وتقاليدها وزد على ذلك حقيقة أن تداول المعلومات الأثنية عن سكان العراق أمر لاتسمح به الحكومة العراقية لأسباب عديدة سيأتي الباحث على ذكرها فيما بعد .

وعلى الرغم من محاولات الباحث الجادة في الوصول إلي حقائق الأمور وتفسيرها بأسلوب علمي رصين ، إلا أن الحقيقة جانبت بعض مساعيه وذلك حرصاً مني على توخي الأمانة فقد قمت بترجمة بحثه كما هو ، وأضفت إليه الحواشي فيما أعتقدت أنه الصواب ، وأن هنة هنا أو زلة هناك لن تقلل من قيمة البحث بأي حال من الأحوال ، ويبقى جهده مشكوراً لأطلقه مشعلاً للقراء والدارسين والباحثين في حقيقة مجموعة سكانية حاول الكثيرون طمس معالمها ومحو آثارها وشدها إلي هذا الطرف أو ذاك في خضم التنافس القوي الذي اجتاح العراق في العقود الأخيرة من القرن الماضي . ( المترجم )

ملخص البحث :
يعتبر الشبك ظاهرة سكانية متميزة في شمال العراق وقد ظهروا كمجموعة عرقية واضحة في القرن السادس عشر الميلادي على خلفية التنافس العثماني الصفوي في المنطقة ، ومؤخرا بدا نوع من الإبهام والغموض يطغي على هذه المجموعة العرقية ضمن التباين العرقي في المنطقة ، ولقد ظهر الاهتمام بها مؤخراً بسبب السياسات التفكيكية للتجانس والتناغم العرقيين من قبل الحكومة العراقية خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي .

الشبك : لايجد المتتبع لشؤون منطقة شؤون العراق سوى النزر اليسير من المعلومات عن تلك الجيوب الصغيرة من المجاميع العرقية المتباينة والمنتشرة على حوافي كردستان العراق ، والممتدة من منطقتي تل عفر والموصل مروراً بكركوك إلي خانقين وماحولها ، وهذه التجمعات العرقية كالشبك والباجلان والصارلية والكاكائية وأهل الحق وكذلك اليزيدية تشترك في موروث ديني خاص يتصف بتفاوت المراتب بين رجال الدين للطائفة الواحدة وهذا التخصص الديني الذي يميز رجال الدين عن سواهم يعتبر العامل الأساس للترابط القائم للأفراد ضم كل مجموعة من هذه المجاميع وبهذا الشكل يظهر التشابه بين هذه المجموعات وبين الطائفة المعروفة بالصوفية ، على الرغم من أن معتقداتهم وطرائق ممارساتهم للشعائر الدينية تعتبر مزيجاً من معتقد الإسلام ومعتقدات ماقبل الإسلام .

وما عدا اليزيدية الذين يتكلمون اللهجة الكرمانجية أو البادينانية الكردية ، فإن كل مجموعة من هذه المجاميع تتميز بلهجتها المحلية الخاصة بها ، وأغلبها يتحدث بلهجة ترتبط بشكل أو بآخر باللهجتين الكورانية أو الهورمانية أو لهجة ماجــــو ( بتضخيم الجيم ) ، كما هو الحال بالنسبة للشبك وكما يسميها أصحابها والناطقين بها ، وعلى الرغم من ذلك فإن التباين في المعتقدات الدينية واللهجات المحلية من جهة ، وعلاقة هذه التجمعات ببعضها من جهة أخرى ، لم يثر الاهتمام الذي يستحق لدى أغلب الباحثين ، ولن يتم في هذا البحث التركيز على تاريخ وجغرافيا الشبك ، ولكن على نموهم الحديث والتغييرات التي حصلت لتركيبة الشبك الأجتماعية ، وخاصة تحت التأثير الدامي للسياسات اللاحقة للحكومة العراقية ، وكذلك على التباين الحاصل في اللهجة التي يتكلمون بها ، وتبقى المعلومات المستقاة هنا غير مكتملة لأسباب عديدة ، وإن كان ذلك لاينفي وجوب الاهتمام الحالي بالشبك ، ويظل الأمل أن يتوسع البحث ويمتد التمحيص في هذا الأمر في المستقبل القريب .

خلفية تاريخية :

أن الكثير من الغموض لازال يحيط بتاريخ الشبك ، ولعل السبب في ذلك هو نشؤوهم أصلاً في مناطق خارج المراكز الرئيسية للعالم الإسلامي ، وقد حاول الكثير من الباحثين ربط أصول الشبك وغيرهم من التجمعات العرقية الصغيرة في شرق تركيا الحالية ، وشمال العراق ، وغرب إيران بعصور ماقبل الإسلام ، ولكن ظهورهم كمجموعات عرقية متميزة يجب أن ينظر إليه على خلفية الفترات المضطربة بين غزو المغول وتوطد الأمبراطوريتين العثمانية والصفوية بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر الميلاديين ، وهذه الفترات تميزت بغياب الأستقرار السياسي ، وسرعة تعاقب السلالات الحاكمة ، والفراغ النسبي للقوة في أرجاء عديدة من مناطق النفوذ ، وذلك على المستوى المحلي ، فقد ظهرت مجاميع بشرية أتصفت بتمايز عرقي وديني ولغوي ، وهذه الظروف هيأت المناخ الخصب لظهور أشكال التنظيمات الأجتماعية الجديدة ، وتفتح معتقدات دينية مختلف، ولقد كانت القبائل التركية التي ابتدأت الدخول إلي المنطقة في القرن العاشر الميلادي سنية المذهب ومشبعة بروح الجهاد على الرغم من كون معتقداتها الدينية الحقيقية هي عبارة عن خليط من مباديء الإسلام وشعائر سكان آسيــا الوسطى مع نفحات من الديانة المسيحية ، ولقد كان هناك اختلاط تام بين هذه القبائل وبين فلاحي الأناضول المسيحيين ، إلا أن الآخرين سارعوا إلي الإنخراط تحت مظلة المعتقدات الإسلامية لهذه القبائل ، وقد وجد باحثون عديدون أن كثيراً من المعتقدات المسيحية لفلاحي الأناضول قد تسربت إلي معتقدات هؤلاء الغزاة ، والكثير منها يعود بأصله إلي المذهب البولصي وليس إلي الكنيسة البيزنطية في ذلك العصر ، والكثير من هذه المعتقدات لاتزال تجد صدى لها في شعائر بعض الطرق الصوفية ، وكذلك الشبك والكاكائية وهناك باحثون أخرون يرون التوازي بين ديانة أهل الحق والمتصوفة الأتراك من جهة وديانات ماقبل الإسلام لدى أتراك آسيا الوسطى من جهة أخرى .

وفي الأرياف دون الحواضر ، فإن المتصوفة من مراتب القلندر والباب يمنون المزارعون البسطاء بقرب نهاية الظلم وبزوغ فجر الخلاص ، وكانوا يسحرون متحدثيهم ببيان الفروقات بين الإسلام الصوفي وما سواه من المعتقدات الدينية الأخرى ، وبذلك ساهموا في نشر معتقدات لايصح أن تسمى إسلاما صحيحاً كالتناسخ والحلول ، وعلى الرغم من كون الأساس المذهبي للصوفية ظهرت تباشيره في القرن التاسع الميلادي ، إلا أن إنتشاره الواسع لم يتحقق كتنظيم اجتماعي إلا في القرن الثاني عشر الميلادي خلال حكم السلاجقة وخاصة أثناء الغزو المغولي للبلاد الإسلامية ، ولعل النحو الواسع وتزايد الهيبة الواضح لهذه الطرق ( الطريقة النقشبندية على سبيل المثال ) ، يعزى في أحد جوانبه إلي فراغ القوة الذي نجم عن قهر الأمارات الكرديــــة في الإمبراطورية العثمانية خلال القرن التاسع عشر ، وفي هذا المجال يشار إلي ظهور أهل الحق كحركة اجتماعية دعت إلي معتقدات كالثنوية والتسامي والقدرية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين ، حيث يمكن مقارنتهم بالحركات الإيرانية السابقة لهم كالمزدكية.

وقد ظهرت طريقة صوفية جديدة برئاسة الشيخ صفي الدين في آردبيل ، وتطورت إلي حركة جهادية خلال القرن الخامس عشر ، ثم أنطلق أحفاد الشيخ صفي الدين ومريديه لتأسيس الأمبراطورية الصفوية في بلاد فارس معلنين أنفسهم من ذرية الإمام علي بن أبي طالب كي يكسبوا ولاء القاطنين في بلاد شرق الأناضول واستحالت إلي جانبهم القبائل التركية المجاورة والذين حارب أفرادها وهم معلمين أنفسهم بشد رباط أحمر حول الرأس ولذلك أطلقت عليهم تسمية قزل باش ومعناها في التركية ( الرؤوس الحمراء ) ، وخلال قرون عديدة نمت الطرق الصوفية ، وتداخلت طوائف شيعية وسنية عديدة واعتباراً من القرن السادس عشر ابتدأ الحكام العثمانيون والصفويون إضفاء المذهب الديني على سكان المناطق التي يحكموها وقد تعرض الآلاف من المتصوفــة لمذابح على يد السلطان سليم العثماني بعد معركة قالدريان ، مما أضطر أفراد الطائفة القزلباشية إلي التواري عن الأنظار وأخفاء معتقداتهم الدينية الحقيقية أو أنضووا تحت لواء السلطة العثمانية الحاكمة ، واعتنقوا المذهب السني البكتاشي للنجاة بأنفسهم من عقاب الحاكم .. وفي مطلق الأحوال فإن الطرق الصوفية لم تتلاشى تماما لأن بعضهم انخرط ضمن مقاتلي السلطة العثمانية ، وكانوا وسيلة لإذكاء الهمم بين الجنود الإنكشارية ، وهم النخبة ضمن المقاتلين الأتراك ، وبذلك استمرت لابل نمت أكثر فأكثر الطريقة البكتاشية حتى القرن التاسع عشر وسرى ذلك على مجاميع أخرى استطاعت أن تحصل لها على وضع متميز نوعا ما ضمن الإمبراطورية العثمانية ، ويشار في هذا الصدد إلي الباجلان الذين قدموا إلي مدينة الموصل أواسط القرن الثامن عشر وانتظموا للعمل كجباة ضرائب للسلطة المحلية الحاكمة ، ولعل ذلك يفسر أيضا استطاعة الشبك تجنب المشاكل مع السلطة المحلية والتمكن من الاستقرار في شرق مدينة الموصل ، وهي ليست بمعزل عن مراكز الأستقرار المدني في الإمبراطورية العثمانية .

ولكن هل يعني ذلك أن الشبـك تمكنوا من فرز أنفسهم كمجموعة عرقية متميزة ؟ الإجابة على هذا السؤال لاتكمن في التبسيط المخل الذي يربط الخليط من معتقداتهم الدينية بكونهم من غلاة الشيعة ، بل يتعداه إلي مشاعر الأسى والألم التي تخالج الكثيرين منهم ، وحتى الوقت الحاضر من محاولات جيرانهم التشكيك بمعتقداتهم الإسلامية وغلو آخرين في محاولة إخراجهم من حظيرة الإلتزام ، ولعل ذلك مادفعهم إلي تصـــور أنفسهم بمعزل عن جيرانهم العرب والأكراد من غير الشبك ، ومع ذلك فالكثير منهم يعتبرون أنفسهم ذوو أصول كردية ، وزد على ذلك أن بعضا منهم أنخرطوا بالفعل في الكثير من الحركات الكردية الناشطة ، وقد لا يحس الفرد منهم بأية مشاعر متناقضة بين كونه يتميز لغوياً ودينيا ، وبين تحدره من أصل كردي بالمفهوم العام ، وعموما فالولاء يكتنف الشبكي بمستوياته المختلفة وبنفس الدرجة منطلقاً من ولائه الشبكي مروراً بالولاء للقومية الكردية وانتهاء بالولاء للعراق كوطن .

ومع ذلك يمكن القول بأن وضع الشبك ظل مبهما ضمن فسيفساء المنطقة، ولكن وضمن سياق معين فيالثمانينات فقد أجبر سكان المناطق الشمالية في العراق على أتباع خيار واحد وصريح فيما يتعلق بتحديد قوميتهم ، وكان هذا الخيار الأوحد هو أعلانهم ، أما الانتساب للعرب أو للأكراد وسيظهر لاحقاً التأثير الدامي الذي خلفه هذا الخيار عليهم .

في حال كهذا ، فإن من المبالغة القول بأن مجموعة من البشر تظهر ضمن نطاق يختلف عنها وبالظروف التي ظهرت بها ، لايمكن اعتبارها مجموعة عرقية متميزة ولايصح كذلك تسميتها بالمذهب ، لأن ذلك قد يسبغ عليها غطاءاً دينياً وذلك مجاف للحقيقة ، ولعل أفضل مايمكن وصفها به هو مصطلح الطائفة ، وقد تكون منحدرة من عرق واحد أو اعراق متعددة وذلك اعتماداً على التمايز اللغوي وليس اختلاف المعتقد الديني .

وقد لوحظ تقليديا أن الشبك استوطنوا قرى صغيرة شرق الموصل تمتد حتى اسكي كلك على الضفة الغربية لنهر الزاب الكبير ، وقد جاوروا بشكل مباشر قرى مسيحية وأخرى تقطنها قبائل الباجلان ، واختلطوا بالباجلان اختلاطاً مباشراً بحيث سكنوا قرى مشتركة في كثير من الأحيان ، وكذلك جاوروا التركمان والعرب وإلي الشمال قليلاً اليزيدية كذلك .

ومن الصعوبة الوصول إلي الأعداد الحقيقية للشبك في الوقت الحاضر لغياب أي أحصاء حديث موثق عنهم ، ولعل رقم مائة ألف نسمة يقترب من الصحة ، وهم موزعون على حوالي ستون قرية متفرقة إلي جانب بضعة آلاف يسكنون مدينة الموصل نفسها ، وقد أوردت الحكومة العراقية أعدادهم ضمن الإحصاء السكاني لعام 1960 ، فبلغت بهم خمسة عشر ألف نسمة ضمن خمسة وثلاثون قرية على أن الإنكليز أوردوا رقماً يقارب العشرة آلاف نسمة عام 1925.

وقد شابت اغلب الدراسات السكانية الحديثة عن الشبك بعض الابهام والغموض فأحذ الباحثين الأجانب وهو RICH ، ذكر أن سكان القرى الواقعة على طريق أربيل – الموصل ، والتي مر بها سنة 1836 هم روزبان وباجلان ذوات الأصل الكردي ، وان كانت هاتين العشيرتين وثيقتي الصلة بالشبك ، ولكنه لم يذكر أي شيء عن لهجتهم المحلية أو معتقداتهم الدينية ، وذكـــر باحث آخر هو ( اوستن هنري لايارد ) والذي أمضى فترة طويلة في تنقيبات في منطقة الشبك ، ذكر انهم ينحدرون من سلالات كردية عاشت في إيران ، وتمكن باحث آخر من إحصاء خمسمائة عائلة شبكية ضمن القبائل القاطنة في أرجاء الإمبراطورية العثمانية ، وذكر أن منهم من التزم المذهب الشيعي في العبادة بينما أعتنق آخرون المذهب السني ، وذهب آخرون لأعتناق الديانة البابية ، وكذلك قسم منهم أسمى لنفسه نبياً جديداً وهو البير ، ولكن البير في الحقيقة هو لقب لأعلى مرجع ديني لديهم ، وفي جميع الأحوال اعتبر جميع هؤلاء الباحثين الشبك وجيرانهم الأقربون الباجلان ، اعتبروهم أكراد بالأصل .

أما الدراسات العربية فقد نحت في أغلــب الأحيان إلي رد أصول الشبك للتركمان ، وأورد السيد أحمد الصراف على سبيل المثال الوجود الشبكي على خلفية الطريقة الباكتاشية – القزلباشية ، وحاول دعم الرؤية القائلة بأن قدومهم إلي شمال العراق توافق مع الحملة الصفوية على العراق ، ولم يعتبر أن الشبك ينحدرون عن أصول كردية لأنهم حسب رأيه يتكلمون لغة أخرى تختلف عن اللغة الكردية ، وتعتبر مزيجاً من اللغات الفارسية والعربية والكرديـــة وأن المفردات التركية هي الغالبة عليها .

وثمة باحث أخر هو السيد موسى يرى أن اصولهم تركية ، وقد نشأوا في بلاد الأناضول ثم إلتحقوا فيما بعد بالشاه إسماعيل الصفوي ، واستقروا في منطقة الموصل ، وبعد هزيمة الشاه من قبل العثمانيين في معركة قالديران ، واستدل على ذلك بأن كتابهم المقدس والذي يسمى البيرق أو كتاب المناقب مكتوب باللغة التركية اضافة لوشائجهم المذهبية مع الطريقة البكتاشية والطرق الصوفية الأخرى ، ويبقى الإستدلال بكتاب البيرق تبسيطا للأمر لايستقيم معه دليل قوي لأن المفردات الشبكية في الكلام تتوافق أغلب الأمر مع اللهجتين الكورانية والهورمانية الكرديتين ، وكذلك يعوزه الدليل عن قيام أية اتصالات مباشرة أو غير مباشرة بين الشبك والطريقة البكتاشية .

ومن غير الواضح على وجه اليقين متى ظهر الشبك كمجموعة عرقية متميزة ، وماهي خلفية أعراقهم ؟ وكذلك لايزال الإبهام يلف العلاقـــة بين الشبك والباجلان ( والذين يسمون أحيانا البيجوان ) الساكنين في وادي نهر الخوصر شمال الموصل ، وقد ميز الباحث سايكس سنة 1908 بين هاتين المجموعتين ، واستطاع أن يحصي ثمنمائة عائلة بيجوانية تتكلم جميعها خليط من اللغتين العربية والكردية ، أما الباحث مكنزي عام 1958 فيرى أن اسمي الشبك والبيجوان أو الباجلان هما صنوان لمجموعة عرقية واحدة تسمي نفسها الشبك، ويسميها جيرانها العرب بيجوان ، ومما لاشك فيه أن المجموعتين جد متقاربتين، ولكن هناك مايدعو للفصل بينهما ، ففي حين أن لهجة الباجلان قريبة جداً من لهجة الشبك ، فإن الباجلان انتظموا في عشائر معروفة بخلاف الشبك ، واتبعوا المذهب السني بعكس الشبك الذين انتظم أغلبهم في اتباع المذهب الشيعي الأثني عشري ، ولذلك ثمة مايدعو للإعتقاد أن الباجلان هم منظومة قبلية ضمن المجتمع الشبكي ، ولعل أكثر مايدل على الأصول المتعددة التي انحدر منها الشبك هو تسميتهم هذه ، والتي تعني بالعربية الأختلاط ، وتعني كذلك احتمال انحدارهم من أكثر من مجموعة عرقية ضمن الأعراق المتعددة في المنطقة .

ولكن الأمر لايبدو كذلك للقوميين العرب أو الأكراد أو التركمان ، حيث يحاول كلا منهم ربط أصول الشبك بقومية واحدة وعرق منفرد كأن يكونوا بأجمعهم عرباًُ أو أكراد أ و تركمانًا أوفرساً .

وعلى الرغم من أن المعتقدات الدينية للشبك هي مايمكن مقارنته بسواها من المعتقدات الدينية لطوائف عدة وخاصة الطريقة القزلباشية ، إلا أن الحقيقة ليست بهذه السهولة ، وقد حاول الباحث نفسه الحديث إلي من قابلهم من الشبك ، وكانوا جميعاً عازفون عن الخوض في تفاصيل معتقدهم الديني ، وكانوا يكتفون بالإجابة بأنهم مسلمون وحسب ، ومع ذلك يبدو أن تنظيمهم الاجتماعي يقترب من مراتب الصوفية ، حيث يسمى رجل الدين الناشيء ( المريد ) ، وهو يرتبط روحياً بشخص أعلى منه مرتبة يسمى ( المرشد ) ، وهناك عدة مراتب للمرشدين وهم جميعاً يرتبطون بمرجع أعلى يسمى ( البير ) ، ومن الناحية النظرية يحق للأفراد تزكية أحدهم وأختياره لمنصب البير ، ولكن عملياً تم توارث هذا لمنصب بين عوائل معينة على مدى عقود من الزمن ، وبذلك تمكن نوع من التماسك للنسيج الاجتماعي في مجتمع يفتقر أصلاً لمقومات الترابط المتين سواء على أساس قبلي أو مذهبي أو عرقي ، وقد أقام الشبك علاقات وطيدة مع اليزيدية ( الأيزيدية ) وكان الكثير منهم يحجون إلي مراقدهم ، وهذا يبدد الأنطباع السائد أن اليزيدية ( الأيزيدية ) هم سنة غلاة ووريثوا العداء لكل ماهو شيعي.

ومن خلال الخلفية القزلباشية للشبك يلاحظ مدى تعلقهم وتقديرهم للشاه الصفوي إسماعيل ، وذكر باحثون آخرون أن الكثير من الشبك يحجون إلي العتبات المقدسة في كربلاء والنجف وليس إلي مكة ، وهو أفتراء لا أساس له من الصحة .

وماعدا هؤلاء الزعماء الدينيون فقد ارتبط الشبك في شـؤونهم اليومية بمرجعين أخرين ، ففي العراق الملكي عمل أكثر الشبك في قراهم كمزارعين لأراضي يملكها أبناء عوائل في مدينة الموصل ارتبط بهم لقب السادة ، وهو لقب يضفي على صاحبة مسحة دينية ، وهؤلاء الملاك أتي بهم أيام السلطة العثمانية من الحجاز والكوفة ومنحت لهم الأراضي ليقوموا بالمقابل على خدمة السلطة ، وأصبح هؤلاء الملاك بحكم موقعهم واحتكاكهم اليومي بالشبك من ناحية وأفراد الحكم العثماني في الموصل من ناحية أخرى ، أصبحوا الوسيط الذي يساعد الشبك في تسويق منتجاتهم الزراعية في مدينة الموصل ، وكذلك فض النزاعات التي قد تحصل بين الشبك وبين أركان الحكم في الموصل بين الحين والآخر ، وبالإضافة لهذه المرجعية المدينية ( نسبة إلي مدينة الموصل ) فقد تولدت مرجعية أخرى للشبك هي من بعض مواطني الشبك أنفسهم ، والذين استطاعوا أن يرتقوا اجتماعياً إما بامتلاك الثروات أو باستكمال مراحل عالية من التعليم والانخراط في وظائف مدنية أو عسكرية مرموقة .... .. هؤلاء استوطنوا مدينة الموصل نفسها وتأثروا بالتيار العروبي السائد فيها ، وحاولوا لعب دور السادة في حل النزاعات بين الشبك وأنفسهم ، وبين الشبك وجيرانهم ، إلا أن تأثيرهم وتنظيمهم كان أقل درجة من الملاك السادة .

وحين هبت رياح التغيير على العراق ، وصدور قوانين الإصلاح الزراعي بين عامي 1958-1963 استطاع الكثير من الشبك أن يتملكوا الأراضي التي كانوا يزرعونها وانتقل بعضهم للاستقرار في مدينة الموصل وعمل آخرون في مصانعها ، وبسبب هذه الدرجة من التحرر الاقتصادي ضعفت الروابط التقليدية بين الشبك وملاك الأراضي في مدينة الموصل من جهة وبين الشبك كمجتمع متجانس ومتكاتف من جهة أخرى ، ومع ذلك ظل الكثير من الشبك يعتمدون على سادة الموصل في تسويق منتجاتهم الزراعية ومواشيهم الحيوانية ، وخاصة الأغنام التي برعوا في تربيتها ، وبشكل عام أخذ النسيج الاجتماعي للشبك يتهاوى نتيجة انتقال الكثير منهم للسكن في مدينة الموصل ومدن المناطق الكردية وحتى العاصمة بغداد ، وانخرط الكثير منهم ضمن القوات العراقية المسلحة مما أكسبهم رقياً اجتماعياً ، وبدد بعض الشيء السمعة التقليدية التي أشيعت عنهم كونهم ضعاف الهمة وقليلي التمرس في القتال .

ونتيجة كل التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي هبت على العراق الجمهوري فقد انهار نظام المرجعيات لدى الشبك ، وتداخل نسيجهم الاجتماعي مع محيطهم الجديد ، وخمدت لديهم جذوة المرجعية الدينية والاعتماد على المراتب المختلفة من رجال الدين ، ومنذ السبعينات وجد الشبك أنفسهم حجر الرحى في النزاع بين القوميتين العرب ممثلين بحكومة البعث وبين الحركة الكردية بزعامة البرزاني ، ولكنهم لم ينحازوا بشكل جماعي لأياً من الطرفين ، وقد حاولت الحكومة العراقية اقناعهم بأنهم عرباً وليسوا أكراد اً ولكن في نهاية المطاف تولدت القناعة لدى الحكومة بأن مسعاها لضم الشبك لم يكلل بالنجاح ، وفي نهاية صيف 1988 أمرت بتفريغ قرى الشبك من سكانها وهدم منازلهم وترحيلهم ، وكان السبب الحقيقي لذلك هو اعلان الشبك أنهم أكراد وليسوا عرباً .

وهناك مايشير إلي أن هناك أثنتان وعشرون قرية على الأقل قد تم تدميرها جزئيا أو كليا ، مثل قرى باديربا ، باجربوعة ، بارزيكتا ، باصخرا ، بازوايا ، كوكجلي ، كاني كيروان ، كار كشان ، ، كبرلي ، منارة ، تيراوه ، شيخ أمير ، شيخ شيلي ، شاقولي ، تركلة ، طوب زيره ، طوب زاوة ، خزنة ، اورطة خراب ، وزهرة خاتون ، ومن هذه القرى تم ترحيل ثلاثة آلاف عائلة إلي مجمعات سكانية حديثة المنشأ في سهل حرير بمحافظة أربيل ، وكذلك في منطقة بازيان ومنطقة جمجمال التابعة لمدينة كركوك ، وغفي هذه التجمعات لا تووفر لديهم مصادر للدخل ، واعتمدوا كليا على معونات الإدارة المحلية ، ولم يستلموا آية تعويضات عن منازلهم المصادرة أو المهدمة ، ولم يسمح لهم بالعودة أو حتى شراء السيارات أو تسجيلها باسماؤهم ، ولكن في خريف عام 1990 سمح لأغلبهم بالعودة إلي أماكن سكناهم الأصلية بعد أن أعلن بعض زعمائهم أنهم عرب وليسوا أكراداً ، ولعل السبب الحقيقي الذي دعا الحكومة العراقية إلي السماح بعودنهم مرة أخرى هو أن العراق واجه في تلك المرحلة العقوبات الاقتصادية التي اعقبت عملية اجتياحه الكويت في آب 1990 ، واحتياج الحكومة لتنشيط القطاعين الزراعي والحيواني في المنطقة ، والذي انكمش إلي حد كبير في السنوات السابقة ، والأساس الإداري الذي تم الإستناد إليه في ترحيل الشبك من قراهم بعد إعلانهم الكردية بدل العربية قومية لهم هو الأحصاء السكاني الذي أجرته الحكومة العراقية في شهر تشرين الاول سنة 1987 ، وفي هذا الإحصاء خيُر مواطني العراق كافة تحديد قوميتهم بالعربية أو الكردية فقط دون السماح بخيارات أخرى تعتمد الأسس الدينية أو اللغوية ، وبذلك لم يأت أي ذكر لمجاميع عديدة أخرى كالتركمان والآشوريين وسواهم .

وبهذه الطريقة حاول الإحصاء المذكور إجبار سكان شمال العراق على الالتحاق بالصف الوطني من خلال تصويتهم على كونهم عرباً ، أو في حالة الأكراد القاطنين في مناطق تتسلل إليها المعارضة الكردية ( البيشمركة ) للانتقال إلي مجمعات سكنية تحت سلطة الحكومة المركزية ، والكثيرين من الذين اأعتبرتهم الحكومة عرباً ، واعتبروا هم أنفسهم أكراد اً كان عليهم أن يتركوا قراهم والذين عاشوا في مناطق تجتاحها المعارضة الكردية بين الحين والآخر وفشلوا في تسجيل انفسهم خلال الإحصاء فقدوا جنسيتهم العراقية وتم اعتبارهم متخلفين عن أداء الخدمة العسكرية ، وكانوا هدفاً أساسياً في عملية الأنفال ذائعة الصيت .

والمصدر الذي تم منه الاطلاع على ماحصل للشبك سنة 1988 يعود إلي مصنف وثائقي صادر عن مديرية أمن أربيل لفروع دوائر الأمن التابعة لها والمؤرخ في 31 آب 1988 وقد صودر خلال أحداث ربيع 1991 والوثيقة التي تحمل الرقم الإشاري س . ج .س.س 13069 تقرأ كما يلي :

تم إعلامنا بما يأتي :

هناك عناصر من الشبك الذين التحقوا بأفواج الدفاع الوطني والذين غيروا قوميتهم من العربية إلي الكردية .

أمر الرفيق المناضل علي حسن المجيد أمين سر مكتب تنظيم الشمال تدمير منازلهم وترحيلهم إلي المجمعات السكنية في محافظتنا وقطعاً سوف لن يتم تعويضهم بأي شكل من الأشكال .

للتفضل بالاطلاع واتخاذ مايلزم وإعلامنا .

التوقيع

عقيد الأمــن

مدير أمن أربيـــل

هذه الوثيقة توضح بما لايدع مجالا لأي شك بأن إحصاء سنة 1987 هو الذي حدد مصير أولئك الشبك الذين اختاروا أن يكونوا أكراداً بدل أن يكونوا عرباً ، ولعل سبب تأخير الترحيل في حينه يعود إلي حقيقة أن الجيش العراقي كان مشغول آنذاك بدرجة كبيرة في الحرب ضد إيران وبعد وقف إطلاق النار بين العراق وإيران تحول الفيلق الخامس إلي مدينة الموصل لإكمال المراحل النهائية من عملية الأنفال في منطقة بادينان ، وشملت مهام هذه القوات عملية ترحيل الشبك من مدينة الموصل ، ولم يرافق هذه الحملة إعدامات أو اعتقالات في صفوف الشبك ، وإن ادعى بعضهم أن قوات الفيلق الخامس ظلت في أماكنها لإرهاب الشبك العائدون .

ولم يكن ترحيل الشبك جزءاً أو امتداداً لعملية الأنفال الحقيقية ، وإنما كان المرحلة النهائية في برنامج تعريب كامل للمنطقة الشمالية والذي تبنته الحكومة العراقية منذ سنة 1975 .

وفي جميع الأحوال فقد حصل ماحصل على خلفية الإحصاء السكاني المذكور والذي كان كذلك الأساس لإطلاق عملية الأنفال ورسالة مديرية أمن أربيل تؤكد أن المسئولية المطلقة تقع على عاتق نفس الشخص الذي نظم عملية الأنفال علي حسن المجيد ، والذي كان يشغل آنذاك منصب أمين ســـر مكتب تنظيم الشمال لحزب البعث .

ومن هنا نلاحظ أن خيار المرجعية العرقية ( القومية ) ترك آثاره الدامية على الشبك وبعد حرمانهم من تعريف أنفسهم كتجمع قائم بذاته تركوا بين خيار أثبات ولائهم للسلطة المركزية بإعلان انفسهم عرباُ أو تسجيل أنفسهم أكراداً وتعريضهم بالتالي لعقوبات الحكومة القاسية .

ومن المستحيل قياس مدى التأثير الذي تركته عملية الترحيل على هويتهم العرقية المتأكلة أصلاً وأقل مايقال أنه ضاعف من محو وطمس معالم هذه الهوية ، وفي الوقت الحاضر يجد الشبك القاطنون في شمال العراق غير الخاضع للسلطة المركزية انفسهم أكراد اً أكثر من ذي قبل ، وقد تسائل بعضهم عن أحقية ترحيلهم من قبل السلطة المركزية إذا كانت تعتقد أنهم حقا عربا وليسوا أكراد .

وفي نهاية المطاف يتبين أن روابطهم المشتركة مع بعضهم قد ضعفت وتفككت ولايزال أغلبهم ... إلي مدينة الموصل وضواحيها ، ولازالت عملية شدهم إلي صف الحكومة جارية إلا أن المعلومات عنهم قليلة ونادرة في الوقت الحاضر بسبب التكتم الاعلامي حولهم من قبل الحكومة المركزية . ( 17 )

أن احتفاظ الشبك بعلاقات طيبة مع الأيزيدية لايعني اندماجهم دينيا أو وجود قواسم مشتركة في ديانتيهما بالنظر للاختلاف الديني الشاسع بينهم ، إذ ان الشبك مسلمون بينما يدين أتباع المذهب الايزيدي بديانة الأيزيدية التي تختلف تماما عن الإسلام ، غير أن الإنسجام الاجتماعي والتقارب العشائري والتهميش والظلم الذي لقيه كل منهما على يد السلطات الحاكمة جعل التقارب والانسجام بينهما يتصوره عدداً من الكتاب اندماجاً دينيا ً ، وبهذا تختلط عليهم الأمور، ولم يثبت مطلقاً أن الشبك يحجون المناطق المقدسة لدى الأيزيدية، علماً بأن الأيزيدية ليس لها مكان مقدس سوى وادي لالش المدفون فيه الشيخ عدي بن مسافر ، ولايعقل أن يقوم الشبكي المسلم بأداء فرائض الحج إلي غير مكة المكرمة ، كما أن معلومات خاطئة أوردها الباحث وسبق أن أوردها عدد من المغرضين الذين يتهمون الشبك بإبدال الحج إلي مكة بالحج إلي العتبات المقدســة وقبور الأئمة ، وهذه الفرية أيضا لا أساس لها من الصحة كما ذكرنا سابقاً، حيث أن اتباع المذهب الجعفري يزورون العتبات المقدسة في النجـف وكربلاء والكاظمية وسامراء وقم لزيارة قبور الأولياء والأئمة من آل بيت رسول الله (ص) أسوة بكل الجعفرية ، ولايلغي إلتزامهم كمسلمين فرض الحج إلي مكة مطلقاً مهما تعددت مرات الزيارة بإعتبار أن الحج إلي مكة من الأسس التي يقوم عليها الإسلام .

ولم يشترك أهالي الموصل وعوائلها في طقوس مشتركة مع الشبك ، غير أن بعض العوائل الموصلية التي تمتلك الأراضي الزراعية وظفت العديد من أبناء الشبك كمزارعين ورعاة في هذه الأراضي الزراعية وأستغلوهم في إنتاج المحاصيل الزراعية وفي رعاية وإنتاج الحيوانات ، وكان الشبك يشتهرون بالأمانة والإخلاص لملاكيهم ، بالإضافة إلي تفانيهم في عملهم ، غير أن حاجزاً اجتماعياً كان موجوداً بين المجتمع الموصلي وبين الشبك ، ولعله التفاوت في العلاقات والقيم بين المدينة والريف ، ولعله النظرة الطائفية التي تحدث الشروخ بين المذاهب ، إلا أن اللافت للنظر أن هذا الحاجز بدأ بالذوبان حيث بدأ المجتمع الشبكي والموصلي يختلطان ببعض دون قيود أو حواجز .

ومن غير الصحيح أن عودة بعضهم إلي قراهم كان بسبب موافقة شيوخ عشائرهم على تبديل قوميتهم إلي العربية ، حيث كانت السلطة في زمن صدام قد قامت بترحيلهم وهدم بيوتهم ، وأسكنتهم في مجمعات ومناطق بعيدة عن مناطق سكناهم ، ومارست ضغوطاً صعبة في سبيل إقرارهم بتغيير قوميتهم من الكردية إلي العربية ، حيث عانى الشبك الأكراد من هذه الطريقة الشوفينية التي استمر العمل بها ، غير أن وقوع العراق تحت الحصار زاد من التزامات الدولة التي صرفت النظر مؤقتا عن التزامها ترحيل الشبك وتهديم بيوتهم ، فتمكنوا من العودة إلي مناطقهم وإعادة إعمار وبناء خرائبهم وبيوتهم التي هدمتها السلطة .

ويقول الكاتب أحمد شوكــت في كتابه ( الشبك الكورد المنسيون ) عن أصل الشبك من أن أول من استوطن أرض نينوى هم الكورد الأوائل ، ولكن نظراً لما كانت هذه الأرض تتمتع به من إغراءات ، فقد تعرضت لغزوات وزحف أقوام وأمم أخرى ... ، وإذا كان المواطن كردياً وامتداداً طبيعياً لأرض كوردستان وأهلها فمإذا يكون الشبك سوى أن يكونوا كورداً ؟؟ وإذا كان الشبك لم يعرفهم المؤرخون بهذا الاسم إلا متأخراً – في أوائل القرن العشرين أو آواخر القرن التاسع عشر – فكيف يمكن القبول بعروبتهم أو تركيتهم أو آية تسمية أخرى ظن البعض ظنا وافتراضاً أو افتراءاً أنها تدل عليهم ؟ أفلــــيس غريباً أن نقرأ في مصدر تاريخي أن اسمهم “ شوك “ بالوأو وليس بالباء دونما الإشارة إلي مصدر آخر؟

لقد ورد في كتاب ( مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لشهاب الدين أحمد بن يحيى فضل الله العمر ص 90 ) مانصه : الشوك ، وهؤلاء الشبك حكمهم شنكاره وشوانكاره ومايبعد بعضهم عن بعض في موازنة العقول ، إلا أنه لا يحلون بينهم من دماء تطل ، ومواثيق بينهم تحل ، وفيهم كرم وسماح ، تقصدها الفقراء وتنزل في ضيافتهم وقراهم ولهم فيها ولها حسن الظن . فكيف تعددت الأسماء والقوم واحد ؟

وكوردية الشبك والباجلان تأكدت منذ بدايات القرن العشرين في مصادر كثيرة ، وأن هذه الأجيال الثلاثة الصالية والباجوران والشبك وإن تباينت أديانها واختلفت مذاهبها إلا أن بينهم جامعة واحدة تجمع أصحابها وتاخذ رقابهم وتسوقهم جميعا إلي عنصر واحد وهو العنصر الكردي في الأصل وعلى الأغلب وان كان بينهم العديد من الفرس .

وهذه الرابطة هي ملامح الوجه وتقاطيعه ، فإنك ترى الباجوران (الباجلان) والصالية ( الكاكائية ) والشبــــك كالكورد ، مفتولي الخلق ، شديد العضل ، طوال النجاد ، لطيفي الأطراف ، سمر البشرة ، فتى الأنوف ، يغلب على عيونهم الدبسة ( لون بين السواد والحمرة ) وعلى شعورهم السواد ، أسنانهم بيضاء ، براقة متناسفة ، متضامنة وأفواههم واسعة وصدورهم رحبة وغير ذلك من الفصول المميزة والعنجهية على نوع لاترى إلا في الأكراد .

وأن الرحالة الانكليزي جيمــس سليك بكنغكهام كتب حين زار الموصل العام 1816 م أن سكان الموصل بنسب متساوية من الكورد والأتراك والعرب ، ويعود الباحث شوكت إلي القول أنه على الرغم من حملات التعريب المنظمة وكثرة الهجرات العربية والتركمانية عبر عدة مراحل تاريخية وخاصة في عهود السلاجقة والبويهيين والقره قونيلو والاق قوينلو وغيرهم ، على أن المدينة ظلت حتى يومنا هذا تضم ثلث سكانها من الكورد ولا تتجاوز نسبة العرب فيها الثلث بأي حال من الأحوال على الرغم من إخضاع الكثير من الكورد والتركمان والأشوريين والأيزيدية للتعريب القسري خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين .

على أن الحقيقة ظلت شاخصة لدى عامة أهل الشبك الذين طالما رفضوا ان يقال عنهم بكتاشية أو قزلباشية أو كاكائية .

كتب المرحوم أحمد شوكت كتابه ( الكورد المنسيون ) والذي تضمن وجهة نظر جديرة بالاهتمام ، حيث أنكر تسمية الشبك بهذا الاسم في مقدمة كتابه ، واعتبرها وسيلة من وسائل التعريب والتذويب القومي ، ويبدو واضحاً أن المرحوم أحمد شوكت يميل إلي اعتبار الشبك من الكرد ، ويقول السيد شوكت في الصفحة 59 من كتابه المشار إليه ( ومن الحقيقة أن العرب لم يكونوا قط بناة مدن أو قرى أو أي شكل من أشكال الاستيطان الحضري ) حتى يمكن أن نضع تحليله في مكانه من الموضوعية والحياد ، وأن التسمية كما يقول لفظة عربية مشتقة من تصريف مادة شبك يتشابك بمعنى خلط واختلط وهي تسمية متاخرة ورد فيه :

“ الشبك هم بناة الموصل القدماء ، و ربما كانوا أول من بنى هذه المدينة الكوردية و سموها قديما قلعة "نواد شير" و العديد من المصادر التاريخية الرصينة و المعتمدة حتى يومنا هذا، يشير إلي أن "نواد شير" الكوردي – الميدي هو الذي شيد قلعة حصينة على الضفة الغربية لنهر دجلة قبل قدوم الأشوريين إلي المنطقة بنحو خمسة قرون على الأقل، لتكون محطة تتوقف فيها القوافل التجارية القادمة من الشرق عبر الطريق التجاري القديم الذي كان يسمى بطريق (حرير) أو (طريق القطار) و بالكوردية (ريكَاى قه تار)، و كان هذا الطريق يربط الشرق بالغرب على سواحل البحر الأبيض المتوسط حيث تربط مدينة الموصل –حلب - سواحل البحر في لبنان وفلسطين من جهة، حلب – اللاذقية و بانياس من جهة أخرى، تتخذ المسار القديم نفسه، أى طريق القطار، و بهذه المناسبة فإن كلمة (قطار) مشتقة أصلاً من اللغة الكوردية التي تلفظ الكلمة (قه تار) و التي تعني السير رتلا أو تعني الرتل – سواء كان من الدواب أو العربات – نفسه أيضا وقد ادعى الكثيرون من المؤرخين و الكتاب الذين تعرضوا للشبك و أصلهم بأن احداً لم يقطع بأصلهم ، و سبب ذلك يعود إلي أمرين:-

أولاً : أنهم لم يكونوا على علم بلغتهم و تاريخ وجودهم في المنطقة .

و ثانياً : أنهم لم يمسكوا بالمفتاح الذي يفتح لهم مغاليق أصولهم وهو موطنهم و حركة الأقوام على أرض هذا الموطن عبر التاريخ أو أن بعضهم تعمد تشويه أصولهم – لغرض في نفوسهم – و القفز على حقائق التاريخ و وقائعه.

و الحقيقة ان هذه التسمية (شوك) و ما الحق بها "فضل الله العمر شهاب الدين احمد بن يحي" من أسماء (شنكاره و شوانكاره) لم تظهر لدى احد المؤرخين من جيله و يبدو واضحا أنها من بناة أفكاره وحده و إلا لكنا وجدناها أو عثرنا على إحداها في المعاجم القديمة أو الحديثة أو في أحد المصادر التاريخية ، فلقد تناول تاريخ الموصل و أهلها مؤرخون كثر، فهذا "سليمان صائغ الموصلي" وهو من مؤرخي بدايات القرن العشرين يقول ما نصه: "ومن عشائر الموصل الأعجمية هم التركمان و أصلهم من قبيلتي (آقوينلو و قره قوينلو) و قد أقبلوا إلي الموصل في حملة (أوزون حسن) فاستوطن بعضهم (تلعفر) و فيها أيضا من تغلب و بعضهم أقاموا في شرقي دجلة على الشواطيء.. ثم شبك و باجوان (باجوران) و هؤلاء أقبلوا من بلاد الفرس إلا أننا نجهل تاريخ مجيئهم إلي الموصل و لغتهم خليطة من الكوردية و الفارسية و التركية، و قرى الباجوان هي عمر كان و تبراخ زيارة وتل يعقوب و بشبيثا، أما قرى الشبك فهي عليرش و ينجيكا و خزنه وتلاره و قرى أخرى عديدة أطراف سنجار) و الحقيقة أن "الموصلي" أخطا كثيرا في أنه أخذ الشبك برقاب الباجلان، فلم يميز بينهم، فإذا كان الباجلان (الباجوان أو الباجوران) كما يسميهم على هواه العربي وقد أقبلوا من بلاد الفرس فهذا لا يعني أن الشبك أيضا قد قدموا من البلاد نفسها وهم بناة الموصل القدماء، وهم الذين فرض عليهم الباجلانيون فرضا دونما إرادتهم و اضطروا إلي القبول بهم و إيوائهم لأن والي الموصل – حين قدومهم من بلاد الفرس – ملكهم الأرض وسلطهم على الشبك لأسباب سياسية ورداً على مواقف الشبك من حملة نادرشاه على الموصل و تعاطفهم معها.. بل و إيوائهم العديد من أفراد جيش نادرشاه حين اجتاحهم مرض الملاريا حتى فتك بقائدهم "جيلوخان" على أن المؤرخ "الموصلي" قفز فوق وقائع التاريخ و خلط بين الشبك و الباجلان لأنه كان على يقين تام بحداثة وجود الباجلان في المنطقة فأراد سحب هذه الحداثة على الشبك أيضا ليسهل و يبرر طردهم منها و من ثم الاستيلاء على موطنهم ، ثأرا وانتقأما لمواقفهم السابقة.

كما أن (الموصلي) قد أخطــــأ أيضا جغرافية بينة في أسماء قرى الشبك والباجلان، فقرية "عمر كان" هي وحدها التي تسكنها أغلبية باجلانية أما بقية الأسماء التي ذكرها، فكلها قرى الشبك بإستثناء قرية تلاره التي لفظها و كتبها خطأ أيضا، فهي تلفظ "تلياره" و يتناصفها الشبك و الباجلان و قد كانت أصلا للشبك

ودخلها الباجلان في القرن التاسع عشر. و علاوة على كل ذلك، فليس هناك أي وجود للشبك في أطراف سنجار، و لقد خلط المؤرخون كلهم بين طائفة "الباباوات" الأيزدية و الشبك خلطا مقصودا في زمن كان تكفير الأيزيدية رائجا فأراد بذلك "الموصلي" تكفير الشبك أيضا، على أن "للموصلي" فضلا في تأكيد كوردية الشبك و الباجلان من حيث لغتهم و انتماؤهم القومي.

و أشر من ذلك أنها معقودة بالحقدو الضغينة اللتين يخفيهما للمداهنة و تظهرهما العزة حتى أنه "يلقاك و العسل المصفى يجتنى من قوله و من الفعال العلقم – كما قال فيهم أحد الشعراء" و الحقيقة أن الكاتب في مقاله هذا قد أصاب كبد الحقيقة من ناحية و تجنى عليهم من ناحية أخرى. فقد أكد أن الصارليه و الباجلان و الشبك كورد، حتى في سماتهم الأنثروبولوجية التي مازالت تسود ملامحهم و تميزهم عن الأقوام و الأعراق الأخرى، و لكنه تجنى عليهم عندما وصفهم بكونهم يكنون الحقد و الضغينة، فإنه من الشائع جدا، لدى كافة شعوب المنطقة، أن الكورد عموما، طيبو السريرة و على نياتهم و يعيشون بقدر كبير من السذاجة و البساطة إلي حد أنه ليس هناك من مجلـــس يخلو من القفثات و النكات التي تصور سذاجاتهم و قلة حيلتهم وبطء بديهيتهم، فهل مثل هؤلاء القوم يكنون الحقد و الضغينة ؟؟ على أنهم لا يسكتون على ضيم و لا يقبلون بالغدر و الطعن في الظهر بعد السلام و الأمن. و لكن أخلاقيات الشعوب قابلة للتطور و التغير وفقا لمعطيات العصر و متطلبات الموقف و أنماط الحياة في كل مكان و ليست هناك ثوابت أخلاقية تصلح لكل زمان. و على ذلك فإن الشبك كورد مئة بالمئة، الشبك جيل من الناس، الكوردي العنصر، مبثوثون في قرى ولاية الموصل، و ليست لهم كتب دينية حقيقة" و يسرد الكاتب أسماء ثلاث و ثلاثين قرية لهم و يستطرد بأن لهم قرى أخرى على تخوم بلاد إيران من جهة الموصل، و هذا يؤكد ماورد في الموسوعة البريطانية تحت مادة الشبك طائفة إسلامية كوردية الأصل تقطن ولاية الموصل، (shabek:islamic Section of kurdish orrigin live mosul state) فهل بقى هناك ما يدعو "أحمد حامد الصراف" و "عباس العزاوي" و "ثامر عبد الحسين العامري" و غيرهم إلي الافتراء على الشبك و الإدعاء بأنهم عرب أو ترك. وقد كانت كافة المصادر التي أشــرنا إليها، و اقتبسنا منها نصوصاً ، منشورة في زمان ادعائهم وافترائهم؟ و هذا يؤكد بلا ريب أن دوافع هؤلاء و سواهم، كانت أما نابعة عن حقد دفين أو مغرضة، و الهدف واضح..و هو تأجيج الصراع القومي و تبرير التعريب و الاحتلال و الاستلاب.

و يبدو واضحا أن النخبة السياسية العراقية كانت و ماتزال، منذ بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة و حتى يومنا هذا، تسعى بكل الوسائل و تحت تأثير مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، إلي تعريب المنطقة أرضاً و سكاناً كجزء من ثوابت الأمن القومي العربي، لأن تلك النخبة كانت على يقين تام بأنها ستكون مهددة دوما بالصحوة القومية ما لم يتم تدارك التركيب القومي التعددي للشعب العراقي، إن هاجس الخوف هذا من تعدد القومية، هو الذي دفع بالعديد من كتاب النخبة السياسية (المؤسساتية) إلي الافتراء على وقائــع و حقائق التاريخ و تشويهها، و مازال هو الهاجس عينه الذي يدفع الكثيرين إلي إعادة كتابة تاريخ العراق.. أما أصل الباجلان – البيجوان، الباجوران، الباجوان – و الذين يطلق عليهم الشبك، بالإملاء الكوردي "بةجلانطةل" فواضح لالبس فيه، وفقا لما ورد في المصادر التاريخية المعاصرة و لما يرويه شيوخهم و عجائزهم و مثقفوهم. ولاحقة "طةل" تستخدم فيه لهجة "ماضؤ" الكوردية للدلالة على الجمع فإذا أراد الكوردي الشبكي لفظ اسم أو كلمة بصيغة الجمع، أضاف إليها لاحقة "طةل" وهي تعني بالكوردية "الشعب" مثال ذلك: "كور – ابن" تصبح في الحالة الجمع: "كورِة طةل – أبناء أو أولاد" و هكذا.. "كناضة – بنت – كناضة طةل - بنات" و "سثة – كلب - سبة طةل - كلاب" و "هةسث – فرس – هةسث طةل – فراس أو افراس" و "مةهان – حصان – مةهانطةل – حصن - خيل". فالبةجلانطةل.. (الباجلان) هم اخر النازحين من بلاد الفرس إلي العراق.. إلي مدينة الموصل حيث يقول عنه المؤرخ و ضابط الاستخبارات البريطاني "المجرسون" في كتابه أو تقريره الموسع تحت عنوان "ملاحظات عن قبائل كوردستان الجنوبية بين الزاب الأعظم و ديالي Notes on the tribes of southern kurdistan between the grater zab and dialah, June, 1919. Mager, E. soane." مانصه:(مؤسس هذه الأسرة الباجلانية هو (عبدال بك الباجلاني) من أهالي دياربكر، و ينحدر أصلا من إحدى العشائر الكرمانجية المقيمة قرب تلك المدينة. و في العام 1630م رحل عبدال بك الباجلاني إلي منطقة "زهأو – زهاب" و استولى عليها و فرض عليها سلطانه على سكانها الناطقين باللغة البهلوية أو بالأحرى اللغة الكلهرية غير الواضحة المعالم. ولكن هذه الأسرة أضطرت للرحيل عن المنطقة (زهأو – زهاب) بعد أن خسرت أخر معاركها مع (محمد على ميرزا) و ذلك في القرن التاسع عشر حيث تم توقيع معاهدة أرضروم الأولى في 31/5/1847 و أعيدت المنطقة بموجبها إلي إيران". على أن المترجم "فؤاد حمه خورشيد" يعلق على ذلك في هامشه فيقول: (قبل توقيع معاهدة زهأو (زهاب) عام 1639 بين الدولتين العثمانية و الصفوية ، كانت المنطقة التي يقطنها الكوران اليوم ، بما فيها منطقة زهأو (زهاب) و تلال (كرند و باوانيج) و الأراضي الممتدة شرقي زهأو برمتها، موطنا للكلهر من الكورد إلا أن الكلهر جردوا من أراضيهم بعد وصول عبدال بك الباجلاني اليها عام 1630م قادما من المناطق الشمالية و اخضاعه سكانها لاسرته و الذي أطلق عليهم لقب (طوران) و سلم السلطان العثماني مراد الرابع باشلق زهأو بعد أن انتزعه من الصفويين بموجب تلك المعاهدة، لباشوات الباجلان بقيادة عبدال بك الباجلاني و أصبح الباشلق يمتد من جبال هورامان شمالا و حتى تلال كرند شرقا. كما أن زعيم الباجلان هذا يعتبر مؤسس مدينة زهأو الحالية. و بقي باشوات الباجلان يديرون هذا الباشلق حتى وثوب القاجاريين على السلطة في فارس فتمكنوا من ازاحة اخر باشا باجلاني من حكم زهأو في عام 1806 بعد أن عينوا محمد على ميرزا حاكما على كرمنشاه، فدخلت الأسرة الباجلانية في معارك طاحنة مع الحكام الجدد حتى اضطرت للرحيل عن المنطقة بعد أن خسرت آخر معاركها و للمزيد من المعلومات راجع:

1-soan, E.E., short antology of guran poetry, J.R.A.S. January, 1921, part 1, P. 58.

2-Minorsky, V(The Guran), B.S.O.A.S. 1948, Vd X1 part, 1, P. 58-86.

3-soan, E.E., (Report on the sulaimania.) District of: kurdistan, calcutta, 1918, P. 73.

و تذكر هذه المصادر الثلاثة التفاصيل ذاتها مع بعض الاختلافات و لكنها تؤكد على أن نزوح الباجلانيين من زهأو (زهاب) الإيرانية إلي الموصل و كركوك كان في منتصف القرن التاسع عشر ومع توقيع معاهدة أرضروم الأولى في نهاية آيار 1847. و هكذا يؤكد أن الشبك أقدم منهم في الموصل وفقا لكل المصادر التي تناولتهم. و علاوة على ذلك، فقد أكد الدكتور "أحمد عثمان أبوبكر" في مقال له بعنوان "كوردستان في عهد السلام، القسم الخامس و العشرون، بعد الحرب العالمية الأولى" نشره في ص 60 من مجلة "الثقافة" العدد الثالث، السنة الثالثة عشرة 67، آذار 1986 نقلا عن الوثيقة البريطانية المرقمة 81 of (371) (3406) (139152) (6857) (June 8th, 1918). Major E. Soan.: على المعلومات نفسها مع بعض الاختلافات أيضا رأينا نقلها هنا لتعميم الفائدة: (الباجلان: ان ثمة عشائر كوردية لم يكتب عنها أو كتب القليل جدا بشأنها، و منها عشيرة الباجلان. و تجدر الاشارة إلي هذه في بعض الاحيان لفائدة ذلك و تتضمن الوثيقة المرقمة (كما أشرنا إليها أعلاه) ملاحظات عن بعض عشائر كوردستان كتبها الميجرسون في خانقين، و حتى طبعت في حينها، وقد جاء فيها عن عشيرة الباجــلان ما يلي: 1-العشيرة ، الأقسام: جومور و فرانلو. الأقسام الفرعية لجومور هي سايكوند، حاجيلار، غريب وند، شيره وند، جار كالاو، هموند، داوده وند، و جليل اغا. الأقسام الفرعية للقازانلو هي حاجي خليل، ولي اغا، عبدالرحمن اغا، رؤساء الجومور، مجيد اغا، بارويز اغا، مبارك، جهان، باخش، قادر اغا، و محمد امين اغا، أما رؤساء القازانلو – ولي اغا – عبدالرحمن اغا – عيدان اغا – حاجي خليل اغا. القوة – نحو 300/ عائلة. كان مع مجيد اغا قبل الحرب الأولى حوالي 80 فارسا، و مع محمد أمين أغا و ولي أغا 400 فارس. في الوقت الحاضر العشرة موزعة و لا قوة لها. الموقع -أ- جومور، قسم في سهل باجلان الذي يحده شمالا – نهير عباسان ، جنوبا – طريق نحو كرمنشاه ، شرقــا– تلال داري ديوان وبيشيكان. غربا – نهر سيروان وتلال أغا داغ. ب-قازانلو – قسم منهم في سهل كودرا و يحده شمالا و غربا نهر سيروان. جنوبا – بابا بيلاوي و جبل مورواريد، شرقا – اغ داغ. و قسم منهم في بيبوغ بين الموصل و الزاب الصغير بقيادة علي أغا قازانلو، و قسم منهم في القرية المسماة باجلان قرب كركوك بإمرة عبدالرحمن أغا". في الحقيقة أن قسما من الباجلان النازحين إلي قرية "بايبوغ" قد نزح فيما بعد إلي قرى "النوامران" و "تلياره" و "باريما" و "اومةر قابسنى" و "فةديلة" و "خور سةبات"، فالشبك غالبا ما يطلقون على هذه القرى: "هؤزطةلى بةجلانطةلى" و كلمة "هؤز" بلهجة الشبك تعني "قرية". على أن الميجرسون يذكر في تقريره أيضا ملاحظات عامة هذا نصها كما ترجمها الدكتور "أحمد عثمان أبوبكر : الرئيس الحالي – مصطفى باشـــا باجلان ، رجل مسن حازم و قد حمل ميله الموالي للإنكليز لحد التضحية بأملاكه للحلفاء للحفاظ على عهده معنا.. كان سابقا في الخدمة المدنية التركية و مديرا في أوقات مختلفة في العزيزية و البدرة و له معرفـــة تامة بالسكان العرب في تلك النواحي وكذلك بعشائر كوردستان الجنوبية. إنه كوردي صميم منتم للكرمانج الخالص . وهو ثقـة ومصدر كبير لتأريخ العوائل الكرمانجية الرئيسية. و كان دوما معاديا للعثمانيين.. كان في مختلف الأوقات متمردا أو منفيا و له سمعة عريضة في البسالة في معارك العشائر. و سيكون أداة فعالة و متحمسا لأي مشروع للحكم الذاتي الاوتونومي لكوردستان. وهو متزوج من أسرة بابان الأرستقراطية التي تعتبر من اقدم العوائل الكرمانجية البحتة في كوردستان الجنوبية. و اسم زوجته أسماهانم" و كما يلاحظ، أن العلاقة الباجلانية – البريطانية كانت وطيدة جدا منذ بدايات القرن العشرين، على الرغم من أن الوالي العثماني في الموصــل وفي خانقين و كركوك، وبايعاز من الباب العالي (السلطان العثماني) كان قد منحهم المال و الجاه وأسكنهم في العراق و سلطهم على أراض زراعية واسعة و قطاع واسع من الفلاحين الكورد في منتصف القرن التاسع عشر حين اضطر أغلب الباجلانيين إلي النزوح عن (زهاو) الايرانية بعد هزيمتهم أمام الحاكم الإيراني محمد على ميرزا. إنني أشير إلي هذه العلاقة هنا لكي أعود إليها فيما بعد لأنها كانت سببا مباشــرا لاحتــدام الصراع بين الشبك والباجلان ومن ثم تكريس عداء تقليدي بينهما، و كان هذا العداء التقليدي جزءاً أساسيا من السياسة البريطانية في العراق بعد تأسيس الدولة العراقيـة الحديثة. ويواصل الدكتور (أحمد عثمان أبوبكر) ترجمة التقرير البريطاني فيقول تحت عنوان: "تأريخ الأسرة – أن الجد الأصلي لباجلان كان مواطنا في مقاطعة دياربكر من إحدى قبائل الكرمانج الساكنة بقرب تلك البلدة. و قد هاجر هو حوالي سنه 1630م إلي زهاب (وكانت مقاطعة تركية آنذاك) و استولى عليها من سكانها الفلاحين الناطقين باللغة الفهلوية. و قد سلم السلطان مراد الرابع زهاب له و فرض عليه واجب تقديم 2000 من الفرسان عند الطلب و ضريبة سنوية مقدارها ثلاثمائة ألف قرش (300000). ان هذا الجد كان يسمى عبدالله بيك باجلان – و الحقيقة أن الاسم ورد باللغة الإنكليزية عبدال بك باجلاني – أما لقب الباشا فمنح لأول مرة لأحمد باشا باجلان الذي حارب نادر شاه في باثاق و استمر باشاليف زهاب في الوجود حتى عهد عثمان باشا والد مصطفى باشا في السنين الأولى من القرن التاسع العشر. ثم فوض على عائلة باجلان و الفلاحين المنتمين إليها أن يحاربوا محمد على ميرزا معتمدين على أنفسهم وقد اضطروا على تخلية زهاب. و على أثر توصية لجنة أرضروم التي كان عثمان باشا عضوا فيها.. اختارت عائلة باجلان أن تبقى في الرعية العثمانية و نزحت إلي خانقين التي لا تزال مقرا لها. أن ما تسمى العشيرة كانت و لاتزال تجمعا للفلاحين من مختلف العشائر التي بقايا عشيرة تركية من الشرق كانت تستقر في همدان في زمن سابق و يشكل هذا القســـم قاعدة لعدة تجمعات لهم بقرب الحدود مثل دركزبنلو.. وسكان قازاني التي كانت تعرف سابقا أيضا باسم قازانلو و قبل حصول أي ارتباط بباجلان. و توافد على زهاب نوع من السكان يتحدثون بلهجة فهلوية هجينة لا تزال هي لهجة قسم منها موجودا من الباجلان وهذا على النقيض من لغة العائلة و التي هي كرمانجية خالصة. و يتمتع العضو الرئيس من العائلة حتى الأن بنفوذ واسع على العشيرة بالرغم من أنه ليس برئيسها في الحقيقة أما قسم جومور فهو اقل تأثيرا بنفوذه. في الوقت نفسه يملك قسم قازانلو القوة الاوفر من حيث عــــدد المحاربين و المزارعين. و ينتمى هؤلاء جميعهم إلي السنة على المذهب الشافعي". أن الكورد و إن كانوا على مذهب السني الشافعي، فإن هذا لم يمنع الكثيرين منهم من التشيع علاوة على أن قسما كبيرا من العشائر الكوردية دخلت الطرق الدينية التصوفية كالقادرية و النقشبندية و البكتاشية و القزلباشيـــة فيما بقى قسم منهم محتفظين بأديانهم ومذاهبهم السابقة كالأيزيدية و النصرانية و حتى الزرداشتية القديمة واليهودية، فقد كان رئيس وزراء إسرائيل السابق (إسحاق رابين) كورديا من سكان (اكري - عقرة) في كوردستان العراق. على أن اختلاف و تباين المعتقدات الدينية عند الكورد لم يكن سببا في الصراعات القومية و السياسية و حتى القبلية، فالشائع عند الكورد أن الدين عندهم عادة و ليس عبادة. و بغض النظر عن مدى صحة هذه الشائعة أو افترائها، فإن ظاهرة الإلتزام الديني و العشائري و الحرص على أداء الطقوس الدينية و خاصة الإسلامية، تطغي بشكل واضح على عموم الشعــب الكوردي و بشكل لافت للنظر. وبناء على ما أسلفنا، تأكد لنا أن الباجلان كورد، كرمانج، غرباء عن المناطق التي استقروا فيها و مازالوا يعيشون فيها و لكن ما السر في انقسام افخاذ و اقتسام العشيرة الواحدة و وجودها في مناطق متباعدة عن بعضها جغرافيا؟! و بنظرة تحليليــة لتسلسل الأحداث يمكن القول بأن النزوح لم يكن سهلا وكانت الهجرات الجماعية تواجه دوما رفضا و صراعات قبلية عشائرية، فعندما نزحت عشيرة الباجلان من موطنها الأصلي (دياربكر) و المناطق المحيطة بها إلي منطقة (زهأو أو زهاب) لاشك في أنها واجهت مقاومة شديدة و خاضت من أجل الاستيلاء معارك طاحنة كان النصر حليفها في النهاية لما كانت تتمتع به من الشجاعة و البسالة و كثرة الفرسان و دعم السلطات العثمانية لها ضمان ولاء المنطقة لها إزاء العدو التقليدي لها (الدولة الصفوية الإيرانية) أي بمعنى آخر أن العشيرة الباجلانية كانت مطية لأغراض عثمانية سياسية. و حينما احتدمت الصراعات السياسية بين الدولتين العثمانية و الصفوية و كانت الأولى قد آلت إلي الضعف و الإنهيار و أصبحت الرجل المريض في العالم و تكالب قوى الاستعمار الغربية، وظفت العشيرة الباجلانية مرة أخرى لتكون مطية للمصالح الاستعمارية البريطانية خاصة، وتطلب منها ذلك الدخول في معارك أخرى حتى خسرت أخرها و اضطرت إلي النزوح من الأراضي الإيرانية إلي الأراضي العراقية التي كانت قد دخلت تحت النفوذ الإنكليزي، فإذا كانت العشيرة قد حصلت لها على موطئ قدم في منتصف القرن التاسع عشر في خانقين و كركوك و الموصل، فإنما كان بدعم السلطات العثمانية آنذاك و التي كانت تكن العداء و الكراهية الشديدين للكورد (الشبك) في الموصل قبل ذلك بأكثر من قرن من الزمان. و بالعودة إلي قراءة أحداث حصار نادر شاه للموصل سنة 1743م نجد أن الوالي العثماني على الموصل آنذاك (حسين بك الجليلي) كان قد قرر الدفاع عن الولاية و عدم الاستسلام للجيش الغازي، فاصدر من أجل ذلك فرمانا بجمع الناس (أهالي الولاية و ضواحيها) داخل أسوار الموصل ليسهل عليه الدفاع و تكون المقاومة أكثر جدوى و تأثيرا و تستغرق أطول فترة. و لكن الكورد (الشبك) كانوا قد رفضوا الانصياع لذلك الفرمان العثماني و استقبلوا جيش الغزاة الذي كان معظمهم يتحدث باللغة نفسها، ومن هنا نشأ عداء أهل مدينة الموصل للكورد حتى إنني كنت غالبا ما أسمع في مجالس المواصلة (الموصليين) القدماء بأن الشبك هم من جماعة نادر شاه! و بعد أن فشلت الحملة الفارسية على الموصل و في حصارها لها سنة كاملة بالفشل و من ثم الهدنة و عقد الصلح. كان الكثير من جيش نادرشاه و خاصة أولئك الذين كانوا قد اصطحبوا عوائلهم، قد اندسوا في قرى الشبك و استقروا فيها و بدأوا بالدعوه إلي التشيع فتشيع معظم الشبك على أيديهم. و عندما وفد الباجلانيون (بةجلانطةل) إلي المنطقة بدعم من السلطان و امتلكوا الارض و النفوذ، كانت الفرصة الذهبية قد توفرت للسلطات في الموصل، للثأر من الشبك بواسطة الباجلان، و كان النظام الاقطاعي قد بدا يستشري في المنطقة حيث كان بعض عرب الموصل – وخاصة الأرستقراطيون المرتبطون بالسلطات العثمانية– قد بدأ بشراء أو الاستيلاء على الأراضي الزراعية في منطقة المرج–منطقة الشبك– فما كان من الباجلان إلا الارتباط بهولاء الإقطاع و اقامة مصالح مشتركة معهم و بدعم حكومي. فوجدت هذه الحالة مقاومة شديدة أفرزت عدة معارك وصراعات دمويـــــة و اغتيالات في صفوف الاقطاعيين والاغوات الذين كان الشبـــك يطلقون عليهم اسم (سثاهي – أو ميرة با) لما كانت الحالة قد أفرزت من مظالم و اضطهاد و سلب و اقتطاع الأراضي الزراعية الخصبة بالقوة، مما اضطرت البةجلانطة ل إلي تبني كل الوسائل لاستمالة الكورد الشبك و جعلهم يتجاوبون معهم، حتى أنهم تشيعوا فعلا ولكن الشبك ظلوا يناصبونهم العداء و الكره و الرفض و يعدونهم غرباء ، غزاة لا مكان لهم في موطنهم ، مما أدى إلي تمزيق العشيرة إلي طوائف و أقسام و انتشارها فرادى أو عائلات في عدة قرى و من ثم اضمحلال الهيكل العشائري و القبلي للباجلان باستثناء رؤسائهم و اغواتهم الذين ظلوا وحتى يومنا هذا عملاء للسلطات الحكومية بغض النظر عن نوعية هذه السلطات. فعندما كانت السلطة الإنكليزية، كان إغوات الباجلان عملاء لها و موالين على حساب بني قومهم، و عندما أصبحت السلطة العراقية ملكية، ظل ولاؤهم لها، و بعد انقلاب 1958 و تأسيس الجمهورية العراقية ، ظـــل هؤلاء الاغوات على ولائهم للسلطة وأستمر هذا الولاء حتى بعد قيام السلطة البعثية الدكتاتورية حتى يومنا هذا، سواء بصيغة الانتماء الحزبي أم التعريــب القومي مع وجود استثناءات قليلة جداً ، ولذلك استمر عداء الشبك الكورد القوميين لهم حتى اليوم. فالباجلان بشكل عام، باستثناء رئيس فخذ واحد من أفخاذ القازانلو وهو (فاضل اغا الباجلاني) لم تنم فيهم روح الكوردايتي التي طغت على معظم الشبك. عاش الشبك عصرهم الذهبي في عهد الإمارة البزنطية في الموصل، وذلك عندما ساءت علاقة (صلاح الدين الأيوبي) بأمراء هذه الإمارة مما اضطره إلي الاستعانة بالكورد الزرارية من أهله، فجاء بقسم كبيـــر منهم من قرى الزرارية مثل (بيرمام و صلاح الدين و بيرخال و اجندكان وهدوين و غيرها)، و زرعهم في مرج الموصل – منطقة الشبك – الذي كان يقطنه الكوران و الروزبيان و الباراميون و السورجي و الهركيــــة و بعض الزيبارية والشكاك و ذلك في آواخر القرن الحادي عشر حيث كان الزراريون ظهيرا قويا للشبك و ساهموا في تشكيل وحدة قومية قوية ضد مؤامرات الإمارة الزنكية مع ملك (أربيل) آنذاك مظفر الدين الكوكبري – وكان هذا صهرا لصلاح الدين الأيوبي، على أن حنكة صلاح الدين السياسية أفشلت تلك المؤامرات بنقل الزراريين و توحيدهم مع الشبك ليكونوا بذلك قوسا أمنيا يحيط بالموصل من شمالها و شرقها و جنوبها أي من الماء إلي الماء، فلم يعد بمقدور الأمير الزنكي القيام بأي تحرك عسكري مشترك باتجاه أربيل، كما يؤكد ذلك الشاعر و الباحث الكوردي (عبد الخالق سرسام) شاركه الزرارية كعشيرة في الحروب . جاء اسم عشيرة الزرارية عشيرة صلاح الدين بشكل واضح في جيش صلاح الدين أو كأسماء و أبطال و خير دليل على ذلك في ص 220 من الفتح القدسي)22 أي أنه كان يستعين بأهله و عشيرته الزرارية في الملمات. لقد ظل الشبك ردحا طويلا من الزمن يقاطعون الباجلانيين حتى بعد تشيعهم، فلم يكونوا يقبلون بمصاهرتهم أو التعامل معهم حتى أضمحل نفوذ الباجلان العشائري و لم يعد لرؤسائهم تلك السطوة التي كانوا يتمتعون بها في بداية نزوحهم إلي المنطقة، و لم تتحسن علاقاتهم الاجتماعية إلا بعد تطبيق قانون الإصلاح الزراعي في منتصف القرن العشرين حيث عادت بموجبه ملكيات الفلاحين الشبك إلي سابق عهدها و لم يعد نفوذ الاغوات الباجلان كما كان، على أن العداء التقليدي بين الشبك و الباجلان ظل حديث الأجيال اللاحقة بسبب من استباق الباجلانيين إلي الاستعراب و الانخراط في حزب السلطــة العراقية (حزب البعث العربي الاشتراكي) ومساهمتهم الفعالة في كتابة التقاريــــر الحزبية إلي الدوائر الأمنية و المخابراتية عن الناشطين الكورد من الشبك و علاقتهم بالثورة التحررية الكوردية على الرغم من الموقف القومي المتميز الذي اتخذه أحد أغوات الباجلان أثناء ثورة أيلول 1961-1969 وهو (فاضل أغا الباجلاني) الذي أوى في داره أكثر من خمسين عائلة كوردية من المرحلين عن ديارهم و التقاسم معهم لقمة العيش بضع سنوات حتى تمكنوا من العودة إلي المناطق المحررة من كوردستان أو النزوح إلي مدينة الموصل. و الجدير بالذكر هنا أن (فاضل أغا الباجلاني) هو أحد أحفاد (علي أغا قازانلو) الذي ورد ذكره في تقرير الميجرسون: (وتقطن جماعة أخرى من فرع قازانلو في قرية (بايبوخ Baibukh) بين الموصل و الزاب و يتزعمها علي أغا قزانلو)(23) على أن الزعامة القبلية لم تعد كما كانت في الأيام الغابرة إن لم تكن قد اندثرت، ولولا عودة السلطات العراقية الحالية و منذ بضع سنوات إلي تكريس المشيخة و الزعامات القبلية و العشائرية من جديد لتأسيس مراكز قوى دكتاتورية صغيرة يسهل شراء ولاءاتها و السيطرة عليها، لاندثرت الزعامة القبلية إلي الأبد في العراق، ولكن.. للأنظمه الدكتاتورية الشمولية في شعوبها شؤوناً و شؤون و لهذا دفع النظام العراقي بكاتب مثل (ثامر عبد الحسين العامري) إلي تشويه اسم الباجلان و تحريفه إلي (بيجوان) و الادعاء بنسبهم العربي العريق على الرغـــم من أنهم كانوا و مازالوا كوردا من أصل كرمانجي خالص. و على الرغم من أن الكورد، منذ أقدم العصور و حتى بداية القرن التاسع عشر، كانوا يشكلون أغلبية سكان الموصل مما دفع بالرحالة الإنكليزي الشهير (جيمس سليك بكنغكهام James Slik Pakingham) إلي القول حين زار الموصل في العام 1816م ما نصه: (سكان الموصل بنسب متساوية من الكورد و الترك و العرب) . على الرغم من تعدد حملات التعريب المنظمة و كثرة الهجرات العربية و التركمانية عبر عدة مراحل تأريخية و خاصة في عهود السلاجقة و البويهيين و القرةقونيلو و الاق قوينلو و غيرهم. على أن المدينة ظلت حتى يومنا هذا تضم ثلث سكانها من الكورد و لاتتجاوز نسبة العرب فيها الثلث بأي حال من الأحوال على الرغم من إخضاع الكثير من الكورد و التركمان و الآشوريين و الأيزدية للتعريب القسري خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين. أما من يسمون بالسادة الهواشم، فشأنهم شأن الباجلان غرباء عن منطقة الشبك. نزحوا إليها من بلاد الأناضول في وقت متأخر أيضا بعد ان طاردتهم السلطات العثمانية لأنهم كانوا من الفرق الباطنية في الإسلام، فلم تقبل بهم الأغلبية السنية التركية بل إن بعضهم لم يتورع عن تفكيرهم وإقامة الحد عليهم مما اضطرت هذه الفرق إلي الإدعاء بأنها تؤمن بطريقة تصوفية تحت اسم (الفتوه) ومن ثم تحولت هذه الفتوه إلي ما يسمى بالأخيه أو الكاكئية: (كانت الكاكائية تدعى (الفتوه) و انتشرت في الأناضول باسم (الاخيه)، انتشارا هائلا)(25) وكان ظهورها أواخر الدولة السلجوقية كطريقة من طرق التصوف – كما أشار إلي ذلك (السمعاني) في (قاموس الاعلام، الجزء الثاني، ص 802) – و هؤلاء السادة الهواشم، وإن كانوا ما زالوا يدعون بأنهم ينتسبون إلي أهل البيت النبوي، فإنهم ليسوا سوى ترك كاكائية و بكتاشية و قزلباشية و هذه النحل الثلاث تفرعت عن (السبأية والحروفيه و الصفوية و العلوية المغالية و الباطنية): أن الباطنية في بلاد الترك عندما رأوا مقاومة عنيفة في الجهر بعقيدتهم، تستروا بالتشيع و مالوا إلي الإبطان – بل كانوا باطنين – فانصرفت عن أنها (مبدأ صوفي) يدعو للإخــــاء بل إنقلبت إلي النحلة أو عقيدة من عقائد الغلاة و تفحصوا بأثوابها . فلما لم يتمكنوا من مقاومــة القوة التي كانت قد جندت لمطاردتهم و ملاحقتهم ، تسللوا إلي كوردستان الجنوبية فرادى وجماعات حتى وصل قسم منهم إلي ديار الشبك في الموصل، فوجدوا في هذه الديار فرصتهم الذهبية لما كان عليه من تشيع، و طيب السرية و السذاجة و ميل لتقديس رجال الدين و المشايخ و الملالي علاوة على ما كان يسود المنطقة من جهل و أمية" فاندفعوا في التبشير بعقيدتهم سراً في آواخر القرن التاسع عشر فما كادوا أن كسبوا نفراً قليلاً إلا و بدأت الحرب العالمية الثانية و قامت الدنيا و لم تقعدإالا بعد سقوط عروش و اختلاف مراكز القوى و النفوذ و تأسيس الدولة العراقية الحديثة في العام 1920 و زحف التعليم و التنوير شيئاً فشيئاً إلي القرى القريبة من الموصل ومن ثم افتضاح أمرهم لدى عامة الشبك و انحسارهم عن السادة الهواشم و طقوسهم الغريبة العجيبة. و كورد فعل طبيعي لتحصين مواقعهم و قدسيتهم التي كادت تطغى على الشيوخ و المسنين و العجائز الشبك، بدأوا بالتبشير بالتشيع و المغالاة في حب أهل البيت و الاتصال بالمراجع الدينية في النجف و كربلاء و قيادة قوافل من الشبك إلي زيارة المراقد المقدسة هناك في شهر محرم من كل عام و نشر الدعاية بأن الشبك كلهم يتبعونهم فجنوا بذلك شر جناية على الشبك و الباجلان و الكاكائية أيضا حيث اختلطت العقائد و المذاهب و الطرق الصوفية في بعضها لدى الباحثين و الكتاب الذين طالما تعرضوا لهم. على أن الحقيقة ظلت شاخصة لدى عامة الشبك الذين طالما رفضوا أن يقال عنهم بكتاشية أو قزلباشية أو كاكائية، و من الطريف حقا أن معظم الشبك يكنون الكره و النفور من الكاكائية (الصارية) و يعدونهم كفاراً فلا يصاهرونهم ولا يتعاملون معهم ، و تكاد العلاقات الاجتماعية مقطوعة بينهم، و خاصة بعد ظهور كتاب "أحمد حامد الصراف" الذي اتخذ من أحد شيوخ الكاكائية "إبراهيم الباشا" مصدراً رئيسياً لمعلوماته و تجنى كثيراً على حقيقة الشبك من حيث أصلهم و عقائدهم. و من الطريف أيضا أن يعترف "الصراف" بنفسه بأن معلوماته كلها مستقاة من هذا "الباشا" فيقول" "و أنا أرويها في هذا الكتاب و العهده عليه ، أن السادة الهواشم في حقيقتهم، لاهم سادة و لا هواشم، و إنما أتراك، يجيدون اللغة التركية إجادة تامة قراءة و كتابة و تكلما، اعتنقوا مذاهب شتى للفرق الباطنية و بأثواب عديــــــدة و منها الكاكائية الأخية (الفتوة) و البكتاشية و القزلباشيــــة و أوهموا الناس السذج و البسطاء بمعتقدات ما أنزل الله بها من السلطان، و كان لهم الباع الطويل في تشويه سمعة الشبك الكورد في المنطقة. “ ( 18 )

وبالرغم من أن الكاتب أحمد شوكت لم يناقش أصل الشبك مناقشة علمية وحيادية ، إذ قطع الأمر افتراضاً بأنهم كورد ومنسيون وهو عنوان كتابه، كما أن التسمية التي اعتراها نوع من التذويب القومي نشأت مع تجمعهم البشري ، ولم تكن تسمية حديثة كما زعم ، ولاعلاقة لهم بالشنكارة أو الشوانكاره أو الشوك ، كما لاعلاقة لهم بالشنبك القوم الموجودين في إيران . لاعلاقة للشبك الموجودين في العراق بأية قبيلة أوشريحة حتى يمكن أن يقال أنهم يمثلون أمتداداً لها أو أنهم الفرع من تلك الأصول ، فهم وحدة اجتماعية قائمة بذاتها ، متمركزة في حيز معين من الأرض يتوزعون حول محيط مدينة الموصل ، ولايمكن أن يكون هذا الانتشار دون سبب ، كما أن الافتراض الذي وضعه الباحث عن الواقع البشري لمدينة الموصل من وجود نسب متساوية بين القوميات ليس له أساس من الواقع ، مع أن الأمر لاينفي وجود أكراد في المدينة أقل من نسبة العرب الغالبة ، أما التركمان فلا يمكن أن يشكلوا نسبة تتعادل مع الكرد فهم أقل بكثير ، وأن تقسيم المدينة إلي ثلاث أقسام لايتطابق مع الواقع ، وناقش الكاتب في هذا الفصل العلاقة العشائرية والخلافات بين الباجلان وبين الشبك ، ورغم أنه قطع بسؤاله في الصفحة 59 عمإذا يكون الشبك سوى أن يكونوا أكراد دون أن يسند هذا القطع بدليل مادي يقنع القاريء ، ومع هذا فقد جاء كتابه ليمثل وجهة نظر تهدف البحث والولوج إلي حيز المعرفة عن كينونة شريحة من شرائح المجتمع العراقي الموجودة فعلاً على الأرض العراقية وحقا إنها الشريحة المنسية

كما يمكن القول أن كتاب ( الشبك الكورد المنسيون ) ، الكتاب الأول الذي كتبه أحد أبناء الشبك ، ومما يحز في النفس أن يتم أغتيال الكاتب المذكور ضمن الأحداث الدموية التي تتحكم في أمن العراق بعد سقوط صدام ضمن فترة حرجة من حياة العراق ، فقد رحل الكاتب أحمد شوكت دون أن ينتظر نقد كتابه أو مناقشة أفكاره " رحمه الله "

وفي كتاب كرد وترك وعرب لسي جي ادمونز المترجم من قبل جرجيس فتح الله يقول الكاتب :

“ هناك سبع قرى كاكائيـــــة على ضفاف الزاب الكبير بالقرب من مصب ( الخازر ) ثلاث منها على الضفة اليسرى ، وأربع على الضفــة اليمنى ، وهم معروفون في تلك الأنحاء باسم ( صارلي ) ، ولست أدري هل يقبلون بهذه الكنية ، وقد تقدم مرة كردي سني مستخف بهم بتفسير للإسم لم أره – والحديث للكاتب – خالياً من الوجاهة أبداً . فقد رد الأصل إلي كلمة ( صار الماق ) التركيــة ومعناها اللف أو الطي ، ويقصد بها حادثة مقتل الأمام علي ، فبعد أن طعنه ابن ملجم في الكوفة ، حاول التخفي بلف أحد بسط القصب المفروشة على الأرض حول جسمه ، أن الصارلي يختلفون تماما عن طائفة أخرى من الكرد غير السنيين موجودين في لواء الموصل ، ويعرفون بالشبك وهم القزلباش الكرد ليس إلا .

وفي بلدة تلعفر التي يتالف معظم أهلها من التركمان ، والواقعة غرب الموصل بمسافة أربعين ميلاً تقريباً ، تسكن أسرة معروفة باسم ( طائفه ي وهاب آغا ) وهي من السادة الكاكائية – الخط الأبراهيمي - ، وعدد الأسر الكاكائية الذي زودت بــه يختلف بين الثلاثمائة والأربعمائة ، والحقيقة تكمن بلا شك – في موضع ما من هذين الحدين ، وكان الأنطباع الذي خلفه في أحد افراد الأسرة الذي كثيراً ماكان يزور بغداد ، هو أنه وشقيقه رئيس البلدية يريدان تثبيت سلطتهما الروحية والزمنية على الطائفة ، ويميلان إلي طمس معالم الفروق وإزالة الخلافات بين الكاكائية والقزلباش الأكثر عــــدداً في تلعفر تحت الجبة الشيعية المشتركة ، ووجه الغرابة أنه يوجد في تلعفر فئة قليلة من (أتــــش بكي) فضلاً عن الابراهيمي” ( 19 ).

وإذ يختلف الكتاب والباحثون في أصل الشبك ، فيرجعهم عامة أهل الموصل إلي بقايا حملة نادر شاه سنة 1156هـ - 1743 م على مدينة الموصل ، والذي واجهته المدينة بصلابة وصمود متميز ، بالرغم من القدرات العسكرية والامكانيات المادية والبشرية التي جلبها الشاه معه ، إذ بلغ تعداد الجيش القادم لاجتياح المدينة أكثر من ربع مليون مقاتل ، وبصمود المدينة واستبسالها الأسطوري والخطط التي أتبعها أهلها في صد الهجمات وتحصين المدينة سبباً جعل الجيش الغازي يتمادى في الفتك بالأبرياء من أهل القرى ، بالإضافة إلي الأعمال المتمثلة بالسلب والنهب والتنكيل بالنساء والأطفال والشيوخ ، مما زاد من إصرار المدينة على الصمود ، بالرغم من الحصار القاتل والمطبق على المدينة ، والذي فشل فشلاً ذريعاً ، وتكسرت نصاله على أسوار المدينة التي أتعبت الغزاة ولم تتعب ، كما لم تمنح الغازي فرصة لخرق تحصين أسوارها ويقظة أبنائها في الدفاع عنها .

ولذا فإن العديد من أهل الموصل والمشتغلين بالتاريخ ينسبون الشبك إلي ماتبقى من حملة نادر شاه التي بقيت على أسوار الموصل ، حيث عسكرت جحافل الجيوش الغازية في الجانب اليسر من المدينة وأطراف الموصل ، وتركت من ضمن ماتركت من الجنــــود المعوقين والمرضى أو الذين تخلفوا عن العودة مع الجيوش ، أو ممن ارتبطوا بزواج أو غيرها من الروابط الأجتماعية ، ليكونوا مجتمعاً خاصاً بهم ، نقلوا معهم مذهبهم وديانتهم وعاداتهم الاجتماعية ولغتهم التي تأثرت باللغة العربية التي يتحدث بها الناس في المنطقة ، وهذا الاحتمال الأكثر شيوعاً بين الناس بالرغم من ضعف سنده وحجته .

كما أن هذا الاحتمال نفسه يصطدم بحقيقة قصر الفترة التي بقي فيها الجيش يحاصر الموصل ، بالإضافة إلي كون الجيش المنسحب لايبقى أعداد كبيرة تقيم في مناطق الأعداء ، أو المناطق التي كان يحاربها ، ثم إن الجندي المنهزم المنكسر لايقوم بتعليم الآخرين مذهبه وديانتــه ليحول المجتمع المتعدد الانتماء إلي عقيدة واحدة .

الدكتور داود الجلبي يقول إنهم جاءوا من جنوب إيران ، ولكنهم لايعرفون متى جاءوا ؟ وكما لايعرفون سبباً لمجيئهم إلي ديار الموصل ؟ وفي رسالة منشورة في كتاب أحمد حامد الصراف للجلبي يقول فيها أن لسان الشبك خليط بين الفارسية والكردية والعربية والقليل من التركية ، والفارسية هي الأصل بلسانهم ولكن الدكتور الجلبي يظن أن لهجتهم أقرب إلي لسان ( البلوش ) (20 ).

إن اختلاط اللسان لايشير بالضرورة إلي حقيقة القومية والأصل ، كما أن لسان الشبك يختلف تماما عن لسان البلوش الذين يسكنون جنوب إيران ، وإن عدم معرفة العديد من الشبك أسباب قدومهم إلي الموصل والفترة التي قدموا بها لايلغي البحث ومعرفة الأسباب وصولاً إلي الأصل .

ويؤيد الجلبي في أصل الشبك الكاتب عبد المنعم الغلامي في كتابه بقايا الفرق الباطنية في الموصل فينسبهم إلي الأمة الفارسية ، وأن تاريخ نزولهم إلي ديار الموصل يرتقي إلي أيام الدولة الصفوية ، وربما إلي أدوار تاريخية أخرى أسبق ، ويستند على لغتهم التي تتخللها العديد من الألفاظ الفارسية ، بالإضافة إلي تقاطيع وجوههم التي تنم عن أصل فارسي كما يزعم الغلامي ( 21 ).

وبالرغم من التحامل والقصد السيء والحقد الدفين الذي يحمله الغلامي تجاه الشبك من خلال مقالته وكتابه المشار اليه ، حيث أفترى عليهم وألصق بهم تصرفات لاتليق بهم ولاصحة لها مطلقاً ، القصد منها الحط من قيمتهم والإساءة إليهم ، غير أن المتابع المنصف والقاريء اللبيب يعرف عدم صحة هذه الوقائع فيركنها جانباً ، بما عرف عن المجتمع الشبكي من تمسك بالقيم والأخلاق والشرف ، وبما عرف عنهم من مجتمع يتمسك بقيم المجتمع العربي والكردي والتركماني معاً ولا يخرج ولايشذ عنها ، لذا فإن الاحتمالات التي أوردها الغلامي مع هذا القصد لايمكن الأخذ بها ولامناقشتها ، لاتهامه بسوء القصد والغرض المبيت في الإساءة إليهم مما يبعده عن البحث العلمي المحايد .

أما الأستاذ حسن العمري فيذكر في كتابه ( اللقالق ) بأن الشبك الأصليين هم قلة من الناس ، ولكنهم ازدادوا عن طريق انتساب العديد من العرب اليهم من عشائر الجحيش والبو حمدان والجبور والدليم وطي الذين كانوا يقيمون بشكل دائم قرب القرى الشبكية ، وتدريجيا تبدلت لغتهم إلي اللغة والعقيدة الشبكية ، بمعنى أنهم صاروا شبكاً ، ومنهم عشائر تركمانية الأصل كعشيرة البيات ، وعشائر كردية الأصل كعشيرة الباجلان ، وعشائر كردية أخرى كعشيرة زرار ، ولكنهم جميعاً الأن يعتبرون من الشبك . ( 22 )

والاحتمالات التي أوردها السيد العمري لايسندها الواقع ، حيث أن الأقوام تتعايش في المنطقة دون أن يختلط مذهبها أو دينها ، بدليل أن الأيزيدية يقيمون إلي جانب المسلمين ، وإلي جانبهم المسيحيين ، ومع أن العشائر العربية والكردية والتركمانية تتوزع ضمن هذه المنطقة ، فلم تندمج عشيرة بكاملها مع أخرى ، ومن الجائز أن ينسلخ أفراد لأسباب عديدة من عشيرتهم ليلتحقوا بأخرى، بالأضافة إلي كون الشبك قلة أم كثرة يستوجب علينا أن نتوصل إلي تحليل منطقي حول أصولهم .

ويقول المؤرخ المرحوم سعيد الديوه جي أن التناحر السياسي لعب بين العلويين والأمويين والعباسيين ، ومن ثم بين العباسيين والعلويين ، وبعده التناحر المذهبي في أبتعاد أقوام من القبائل العربية لتسكن أطراف مدينة الموصل وتمتهن الزراعة والرعي وساهم في تثبيت بقاء أصول القبائل العربية التي كانت تختلف مذهبياً عن مجتمع الموصل قيام الدولة الفاطمية في مصر واستيلائها على بلاد الشام ، ومن ثم محاولة هذه الدولة السيطرة على الموصل واتصالهم بالعقيلين – وهم من الشيعة المغالين – ومدهم بالأموال والعتاد ، ويحريضهم على الدولة العباسية فكان لهم ما أرادوا .

كذلك فإن الحملة التي قادها نادر شاه على الموصل وهو المعروف باعتناقه المذهب الجعفري أثراً ملموساً في سكن وتخلف قسم من جيوشه ومن وصل معه رحفاً إلي أطراف مدينة الموصل لشتى الأسباب وبقائهم بعد انسحابه واندحاره عن المدينة حيث تمركزوا مع بقية القوم الذين يتقاربون معهم بالعقيدة في منطقة تمثل شريطاً يحيط بشمال وشرق مدينة الموصل ، متوزعين على قرى تشتهر بالزراعـة والانتاج الحيواني ، وأغلب من بقي من حملة نادر شاه في الموصل هم من سكنة جنوب إيران .

وقد أثر هذا التجمع في المنطقة فجذب في طائفة من السكان الأكراد المتوطنين قرب مدينة الموصل فأختلطوا بالسكان المذكورين آنفاً .

وصاحب كل ذلك نزوح لدى التركمان في عهد السلطان طغرل بك السلجوقي أو من الأتراك الذين جاء بهم السلطان مراد الرابع سنة 1047 م ، فأسكنهم شمال مدينة الموصل ، كما جاء أقوام من الأتراك في أيام الصفويين حاملين معهم عقيدتهم فسكنوا المنطقة التي تعتنق مذهبهم أو المذاهب القريبة منهم ، فضلاً عن هجرة العشائر التركمانية أيام دولتي الخروف الأبيض والخروف الأسود ( 23 ).

ويذهب القس سليمان الصائغ للقول أن طائفة آق قوينلي سارت إلي أطراف مدينة الموصل ، وهي طائفة من التركمان الذين كانوا يقطنون قديما بلاد تركستان ، وذلك في عهد آغون خان التتري ، وقد انتشرت هذه الطائفة في نواحي الموصل ومازالت تكثر وتمتد مستفيدة من انكسارت تيمورلنك . ( 24 )

يقول عبد الرحمن محمد بن خلـدون في مقدمته : أن بعضاً من أهل الأنساب يسقط إلي أهل نسـب آخر بقرابة إليهم أو حلف أو ولاء أو لفرار من قومه بجناية أصابها ، فيدعي نسـب هؤلاء ويعد منهم في ثمراته من النعرة والقود وحمل الديات وسائر الأحوال ، وإذا وجدت ثمرات النسب فكأنه وجد لأنه لامعنى لكونه من هؤلاء الأجريان أحكامهم وأحوالهم عليه ، وكأنه التحم بهم ثم إنه قد تناسى النسب الأول بطول الزمان ، ويذهب أهل العلم به فيخفي عليه الأكثر ومازالت الأنساب تسقط من شعب ويلتحم قوم بآخرين في الجاهلية والإسلام والعرب والعجم . ( 25 )

وذكر الكاتب عبد الحسن العامري بأن الشبك وحدة عشائرية يبلغ تعدادها مايزيد على الربع مليون نسمة ، وهم يتكلمون بلهجة تتألف مفرداتها من اللغات التركية والفارسية والكردية والعربية وتسمى اللهجة البيجوانية ، وأن عشيرة البيجوان الموزعة في محافظة نينوى اختلطت خلال حقبة زمنية طويلة مع عشيرة الشبك ، فأطلق على العشيرتين لقب عشائر البيجوان والشبك . ( 26 )

أن في معلومة السيد العامري خلط كثير فالشبك لم يكنوا عشيرة مطلقاً بالنظر لتعدد العشائر المكونة للشبك أولاً، كما أن التسمية الواقعية الآن هي ( الشبك ) دون أن ترتبط الكلمة بالبيجوان، وأن البيجوانية تأثروا بالمحيط الجديد الذي سكنوه على مر الأيام ففقدوا عاداتهم وتقاليدهم وتناسوا لهجتهم التي تتشابه مع لهجة الصارلية واستعاضوا عن ذلك باللهجة الشبكية، وأن عدداً منهم ينسبوا إلي قبيلة طي العربيــة التي يسكن بعض أفخاذها في قرية ( البيجوانية ) غير أن عددهم ربما يكون صحيحاً بالنظر لكون الكاتب المذكور قام بأعداد موسوعته عن العشائــر العراقية بتكليف من الحكومة ومساعدتها له آنذاك .

وجاء في كتاب السلوك للمقريزي أن من قبائــــــل الأكراد قبيلــة تدعى “ الشنبك “ ، وهذا الأسم قريب إلي الشبك ، إلا أن الحقيقة هي أن لاعلاقة لقبيلة الشنبك الكردية الأصل بالشبك موضوع البحث .

كما ذكر المرحــــوم المؤرخ سعيد الديوه جي أثناء لقاء لي معه بتاريخ 14 /5 /1995 بالموصل ، أن هناك قبائل إيرانية تدعى ( شاه بك ) ، ويقول الديوه جي من المحتمل أن تكون هذه القبائل قد هاجرت من إيران إلي شمال العراق ، فسميت باسم ( الشبك ) ، وبرأيي أن هذا الاحتمال ضعيف

كما ذكر لي المرحوم الديوه جي بأن الدكتور داود الجلبي أخبره بأنه أثناء سفر له إلي إيران التقى بالعلامة الايراني سعيد نفيسي ، وهو من كبار علماء إيران واستفسر منه عن قبائل أو عشائر تدعى الشبـك ، فأيـــــد له المفكر الإيراني وجود قبيلة في إيران تدعى ( جبك ) ، ومن المؤكد أن هذه القبيلة لاتمت للشبك بصلة .

كما أفاد المؤرخ المرحوم الديوه جي أثناء اللقاء المذكور بأن أهالي الموصل لايطلقون على القوم موضوع البحث كلمة الشبك إنما يقولون ( شبكي ) ، ومن المحتمل أنها مأخوذه من كلمة شاه بكي ، أي بكات الشاه ، ومن المحتمل أنهم تركوا بعد قدوم الشاه إلي الموصل والتي تردد عليها عدة مرات ، وأن هؤلاء القوم سكنوا الطريق التجاري الذي يؤمن وصول القوافل التجارية من تركيا إلي إيران وبالعكس ، ونفى المرحوم الديوه جي أن يكون الشبك من أصل تركي سكنوا المنطقة في عهد السلطان طغرل بك السلجوقي كما ذهب عبد المنعم الغلامي ، لعدم وجود دليل يؤيد هذا الأستنتاج ، إلا أنه ذكر أنه ليس بالمستبعد أن يكون قسم منهم سكنوا المنطقة في ذلك العهد ، وقسم بعدهم وقسم قبلهم ، وكل موجة بشرية تأتي لتترك خلفها أثاراً متفاوتة قليلة أو كثيرة .

وفي مقالة نشرها الكاتب س . باشالار نشرها موقع ( Google ) عن صفحة كركوك يقول فيها : يحلل لورانـــس لوكهارت التواجد التركماني الصفوي ( قزل باش ) في العراق بكسب الشاه إسماعيل العشائر التركمانية ، تاكاللو ، أستاجلو ، ذو القدر ، شاملو ، راملوا ، أوشار ، كاجار ، وفارشاك المتواجدة آنذاك في شمال العراق وجنوب شرق تركيا وسوريا ومع تركمانا أذربيجان ، أصبح التركمان العمود الفقري للقوة العسكرية للصفويين ، وبعد الهزيمة التي لحقت بالشاه إسماعيل في معركة جالدريان تفرق معظم أتباعه في شمال العراق ، وكان الشاه إسماعيل قد حكم شمال العراق من 1508- 1510 .

أما البرفسور موسى فيقول إنه من الواضح على أن الشبك ذا صلة عميقة بالبكتاشيين ، القزل باش والصفويين ، ويدعم ماذهب إليه الصراف ، ويعتبرهم من جنود الشاه أسماعيل الذين سكنوا الموصل بعد الهزيمة التي الحقها العثمانيون في المعركة المشهورة جالدريان في العام 1514 ، كما يعتبر موسى لغة الشبك لغة تركية في الأساس مزجت بالفارسية والكردية والعربية ، ويقول موسى أيضا أن كتابهم المقدس المسمى ( بويروك أو كتاب المناقب ) قد كتبت باللغة التركمانية وعقائديا ينتمون إلي نفس المذاهب البكتاشية والعلوية . ( 27 )

وهناك من يعتبر ( الشبك ) قومية منفصلة لحالها ، لاعلاقة لها بالعرب ولابالأكراد وبالتركمان ، ونستطيع أن نضع المذكرة التي رفعها المكتب الثقافي لعشائر الشبك إلي القيادة العراقية نموذجاً على الاتجاه وللفائدة ندرج نص المذكرة المنشورة في صفحة بحزاني على الأنترنيت http://www.bahzani.org/arb/showthread.php?t=1880 التي جاء فيها :

المكتب الثقافي لمجلس عشائر الشبك

إلي -رئيس جمهورية العراق ونائبيه
والسيد رئيس الوزراء والسيد رئيس مجلس الوطني ونوابه وأعضاء المجلس المحترمين باسم عشائر ومنظمات المجتمع المدني للشبك, نتقدم إلي القيادة العراقية بالتهاني مباركين دورها الصعب في نقل المجتمع العراقي إلي حالة أفضل, ولأن الثقة التامة لكفاءتها أملنا أن تحقق النجاح بمستوى عالي جداً.

يعتبر الشبك رابع أكبر قومية بعد العرب والأكراد والتركمان ويعتبرون من اصلاء الشعب العراقي ومن الأقوام الأولى التي سكنت وادي الرافدين وشاركوا أهله السراء والضراء وقدموا تضحيات غالية دفاعاً عنه على مر التاريخ ولذلك يفترض بأنهم ساهموا في بناء حضارته.

وبسبب ظلم الحكام وقع على الشبك عبء كبير بسبب الاضطهادين " القومي والديني " لكونهم شيعة مما نتج عنه تقيد دورهم الإنساني و السياسي والاجتماعي والمساهمة الإيجابية وعلى الرغم من مرور عام ونصف تقريباٍ على احتلال العراق وتغيير النظام فيهي ولم نلمس ما كنا نتأمله من الأحـــزاب والحركات السياسية وبالذات ( الأحزاب الشيعية ) التي أوعدت الشبك بوعود غير صادقة وكأنهم هم الذين حرروا العراق مع الأحزاب الكردية والأمريكان وغيرهم غير معني بشؤونه ومستقبله ولم يعانوا من الظلم والقسوة والاضطهاد بحجة أن ظرف الاحتلال قد أعاق هذا العمل الذي أنساهم القومية الرابعة في أن يشاركوهم في عملية البناء الجديدة وتهميش دورهم الحيوي وخاصة المثقفين والمستقلين منهم إن الشبك يشكلون نسبة 4% من الشعب العراقي ان مستوى مشاركته في السلطات الثلاث لم يكن أدنى مستوى لا من حيث نسبة السكان ولا من حيث الحق العام مما جعل من الفرد الشبكي يعيد النظر في حسابات المستقبل على ضوء ما أفرزته الأحداث وما لحقه من تهميش فينبغي من القيادة الجديدة استيعاب مشكلة الشبك حيث من الوقائع يمكن الاستفادة منه وعليها أن لا تجعل المشكلة لا يمكن حلها بل عليها أن تنظر إليها بنظرة موضوعية مستوحاة من عمق وأصالة العراق وتاريخه وإنقاذ هذا الشعب الذي أبتلى بالسياسات المتطرفة اتجاه القوميات والأديان والمذاهب المختلفة وإنهاء عقدة الأقليات حيث أن هناك آلاف الخريجين بمختلف الاختصاصات ومن حملة الشهادات العليا بكل أنواع العلوم والآداب ينتظرون أداء دورهم الطليعي في الرأي والتحليل والاستنتاج والمشاركة في بناء وطنهم ولهم كل الحق لكي يعتز بهم والأهم من كل هذا أن يتحرروا من الاستعباد والتهميش ويشعرون بوطنيتهم وانتمائهم الأصيل إليه لذا نرى أن هذا التعامل سوف يفتح على الحكومة الحالية باب واسع من الصعوبة إهماله .

لقد ذكرت المقابر الجماعية التي عثرت عليها الجهات الرسمية والشعبية بالألم والحسرة . إلا أن قتل مئات الآلاف من البشر وتجريدهم من حقوقهم المدنية وهم أحياء يدعي القائمين عليها بالديمقراطية والتعددية والتسامح معتبراً أكثر بشاعة من المقابر وبذلك نرفع صوتنا عالياًومن خلال تجمع الشبك الديمقراطي ومكتب عشائر الشبك ورابطة المثقفين ويساندها في ذلك القيادة الحالية والقريبة جداً من تلك المعاناة ونتفهمها بحكم الجيرة والتداخل والتحالف العشائري . وأن منطقة كردستان التي تتمتع بوضع خاص من الفترة 1991 ولغاية دخول قوات الاحتلال كانت منطقة الشبك في “ قضاء الحمدانية وقضاء المركز وناحية بعشيقة وناحية برطلة” كانت تعاني نفس معاناة الشعب العراقي تحت ظرف الحصار وقسوة النظام وبدل أن تتذكر الأحزاب الكردية تلك المعاناة من ترحيل وتهجير بسبب القضية الكردية , دخلت بقواتها المسلحة إلي منطقة الشبك هي الأخرى للانتقام لتكمل معاناة الشبك لكي لا يصحوا من مأساتهم ثم تستفيد من أعدادهم من تمثيل في مجلس الحكم والوزارات الجديدة والسلك الدبلوماسي ولصالح أحزابهم وتساندهم بعض المتنفعين من الشبك الذين لم نسمع لهم إلا في أيامنا هذه وقد حصروا حين عين ولم( ينتخب) في المؤتمر الوطني شخص تركماني الأصل ويسكن محافظة أربيل الكردستانية ليمثل الشبك في محافظة نينوى الجمعية الوطنية لقد قسمت الحكومة العراقية شعب العراق إلي قوميات وأديان ومذاهب بطريقة خاصة العرب السنة والشيعة والأكراد السنة والشيعة والتركمان السنة والشيعة وبهذا الإجراء الفريــــد ( الوطني الفريد والاختراع الذي انتظره العراقيون عقود من الزمن ) تم تقسيم المسلمين فقط إلي ستة أقسام موزعة على القومية والدين والمذهب وكل أخذ استحقاقه من الجهتين كالمنشار وفي نفس الوقت توجه التهم إلي النظام السابق بخلق التفرقة الطائفية , ولكن هل لكم أن تنكروا وجودناً فقبور شهدائنا وأيتامهم وأراملهم تشهدنا فإذا كان الجواب بالنفي فما عائداتنا من هذه التشكيلة ؟

لقد بدأنا نشكك في إخلاصكم لدولة العراق لأنكم كرستم الطائفية بطريقة فنية ما كنا نتمنى حيث أن الشعب العراقي لم يكن متكون من المسلمين,بل من المسيحيين والصابئة والأيزيدية والكاكائية ونحن الشبك كقومية فمن المسؤول عن حقوقنا ؟ ومن يضمن لنا تلك الحقوق إذا ما خاب وجودنا عن وضع العراق الجديد تحت هذه الظروف لقد طالبنا بوضوح بتمثيل لنا في الوزارات والهيئات الدبلوماسية والمديرات العامة والبعثات والزمالات الدراسية وفرص العمل التي سوف تتاح للشعب العراقي ، كما قدمنا عشرات المذكرات والمراسلات وقابلنا شخصيات مهمة ورؤساء أحزاب وكانت النتيجة الإهمال المتعمد لطموحاتنا وبهذه المناسبة نطالب بوضوح إنهاء الوصايا على الأساس القومي لأن الاختيار في هذا يعود للمجتمع المعني وليس لأحد أن يختار لنا قوالب ويضعنا فيها كيفما يشاء , فالذي يستمع إلي القيادات الكردية عند الحديث عن الشبك والأيزيدية وباقي الأقليات العرقية خاصة من محافظة نينوى يبدو وكأنهم يتعاملون مع مجموعة من الأيتام وعلى هؤلاء الأيتام أن يستمعوا فقط إلي ما يصدر من هذه الأحزاب وهضمه بدون أشترار ( إجترار ) أو ابداء رأي . ولقد قابلنا بعضهم والبعض الأخر رفض حتى الاستماع الينا ، فهل يعقل أو من الحكمة أن نقبل لجهة سياسية أن تمثلنا ( رغماً عنا ) وترفض ولو الاستماع إلي وجهة نظرنا ولقد نقلنا اليهم الصورة حية وبدون رتوش وقلنا لهم بوضوح أننا مثقفوا الشبك وكل الشبك غير راضين عن سيرتكم واسلوب معالجتكم وضعنا ، ولا نقبل أن تكونوا بدلاء عنا في معالجة مسألتنا فمن الممكن أن نكون شركاء في العملية السياسية إذا كانت النيات سليمة والمصالح مشتركة ولكن أن نكون الضحية بدون منافع فهذا لايمكن قبوله أبدا و نطالب كذلك بعقد مؤتمر رسمي من مثقفي الشبك ومكتب عشائر الشبك والقيادات الكردية وبإشراف الأمم المتحدة وقوات التحالف والحكومة الحالية بانهاء هذا التدخل القومي فإذا كنا لحد الآن لم نكسب الدرجة القطعية في عراقيتنا إلا في الواجبات فإنا نرى بأنه قد حان الوقت الأن التفكير بها .

وبهذه المناسبة نهيب بالسادة ا لمسؤولين في الحكومة الحالية وفي مقدمتهم الشيخ غازي الياور بإعادة النظر بأمر الشبك الأكثر إخلاصاً أوأيدي تنتج ؟ وحرصا على أمن ومستقبل وسلامة العراق . كفانا معاناة ودم وثكإلي وأيتام وترحيل وتهجير وتمزق العرقي والطائفي والقومي وكأن الجميع يريد الانتقام وليس البناء والتنمية فما يبنى على هذا الأساس إلا مزيد من التدمير وضياع الحقيقة بين صور وأنقاض الخراب والدمار الذي أحدثه زلزال الاحتلال بحق بلدنا العظيم بشعبه وتاريخه الحضاري ونوجه الكلام إلي قيادة الدولة من أعطى الصلاحية للأحزاب بهذه الكيفية التصرف بالمليارات الدنانير من ميزانية الشعب العراقي على دعاياتها وشراء الذمم وبهذه المناسبة نتوجه بالتقدير إلي كل مسؤول في الدولة عرج على ذكر اسمنا ونذكر بالاسم الدكتور إبراهيم الجعفري والاستاذ عزيز الياسري وهذه نقطة في غاية الأهمية لكي يتعود الشعب العراقي على سمع ذكر الشبك كونهم جزء أصيل من الشعب العراقي كأن الجانب القومي للشبك لم يكن يوماً ما بالأهمية التي يبحث عنها بالمطالبة بحقه في العيش من أجله ولكن في سبعينات القرن الماضي تعاطف قسم من الشبك مع الحركة الكردية لعدة أسباب منها وعلى رأسها الجهل السياسي والتصرفات الغير المسؤولة من قبل المسؤولين من النظام السابق ومن ثم عامل اللغة في عموم منطقة الشبك قدعالجت السلطة المركزية أنذاك ذلك الموقف بخطأ أفدح عندما شملتهم بالترحيل وهجرتهم إلي مناطق كرديـــة في ناحية حرير بمحافظة أربيل وقضاء جم جمال محافظة السليمانية وأجمعتهم مجمعات قسرية تفتقر إلي أبسط مقومات الحياة وصادرت اراضيهم وهدمت دورهم وحرمتهم حتى العودة إلي مناطق سكناهم وزيارة أقاربهم أما بعد تغير النظام فلقد حصل ما لم يكن بالحسابات فدخلت البيشمركة إلي منطقة الشبك كأنها المحرر الجديد القادم من الشمال وشرعت الأحزاب الكردية من منطقة الشروع باتجاهات عديدة نحو أهدافها في قرى الشبك ويبدو أن المنطقة موزعة بالتساوي بين الحزبين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني له المنطقة القريبة من ناحية بعشيقة وناحية برطلة والاتحاد الوطني الكردستاني له قضاء الحمدانية وناحية النمرود وقراها . وبهذا نطالب الحكومة الجديدة بأن لاتسمح أن تجعل من منطقة الشبك حقل تجارب واحترام رأي المجتمع الذي له الحق في تقرير المصير.

وكان للشبك أمل أن يصل صوتهم إلي كل العراق ومن خلال المؤتمر الوطني الذي عقد في 16/8/2004 ببغداد وأن يكون منبراً لايصال مطالب الشبك إلي الحكومة وشرح كل متطلبات هذا الشعب الذي همش دوره في بناء العراق فوجىء الشبك بأن ممثل الشبك الوحيد هو السيد سامي أحمد علي سفر الأربيلي وما كان من مكتب عشائر الشبك أن يجتمع ولعدة مرات ليعرف من هو سامي أحمد علي إلا ان جائتنا مكالمة هاتفية من مجلس شيوخ وأعيان التركمان بأن سامي أحمد علي تركماني الأصل ويسكن أربيل ولا يجيد كلمة شبكية واحدة من لغة الشبك ليمثل الشبك في المؤتمر الوطني . نسأل هل سقط اسمه سهواً ؟ أم عينته إحدى الاحزاب الكردية ؟أوقد يكون لا يوجد في الشبك من يصلح لهذا المنصب ؟ من بين الآلاف الخريجين وحملة الشهادات العليا من الشبك .

لذا ننبه إلي خطورة هذا المشروع قد يؤدي إلي الهدم وليس البناء لا يعقل أن يستفاد من أعدادنا ولا يحق لنا التمثيل علينا أن نركز بكل أخلاص على معالجة الخلل الذي ارتكبه ذلك النظام السابق بحق عموم الشعب العراقي والعربي والعالمي لكي نتميز عنه بالانتماء والاصالة والوطنية التي ننادي بها . ثم علينا أن نتذكر بأننا عراقيون قبل أن نكون مسلمين ومسيحين وأكراداً وشبكاً وصابئة وتركمان أو كلد وآشوريين ونسأل الله أن يوفقنا نحو بناء العراق الجديد والسلام عليكم .

المكتب الثقافي لمجلس عشائر الشبك الموصل / عراق حسن يونس أيوب ونداء آخر يدعم الاتجاه القائل بأن الشبك قومية قائمة بحد ذاتها لاتمت بصلة للعرب ولا للكرد ولا للتركمان يكتبه السيد وليد دولة وهو من الشباب الديمقراطي الشبكي يسكن ألمانيا منشور في صفحة بحزاني على الأنترنيتhttp://www.bahzani.net/Maqalat%20ordner/mj28.htm يقول فيه:

(الشبك) والهوية الضائعة بين زمنين

وليد دولة/عن تجمع الشبك الديمقراطي/ المانيا

“ عانت قومية الشبك في نظام صدام من غبن الاعتراف بالقومية مثل باقي القوميات الأخرى الموجودة في العراق وذلك بسبب جور الحكم السابق حيث اصر المسؤولين آنذاك بعدم الاعتراف بأية قومية موجودة على الساحة العراقية عدا القوميتين العربية والكردية بحيث استخدم نظام صدام في أسلوبه للتعامل مع الشبك أسلوبا قسريا وهو إما الانتماء إلي القومية العربية أو القومية الكردية ومن كان ينتمي إلي القومية العربية كان يحافظ على ماله ونفسه من الضياع ومن انتمى إلي القومية الكردية تم ترحيله وعائلته إلي خارج مدينة الموصل وتحديداً إلي منطقة حرير في محافظة أربيل وتمت مصادرة مالديهم من أموال منقولة وغبر منقولة وتخريب دورهم السكنية كي لايفكروا بالعودة إلي مقرهم الأصلي مرة أخرى.. وبقي الأمر على هذا الحال إلي زمن أم المهالك التي ساهمت في انتفاض الشيعة بالجنوب والكورد في كردستان العراق وبعد أن صارت أربيل تحت حكم وإدارة الأخوة في كوردستان تنفس الشبك فيها بعض الصعداء حيث تسلل منهم من استطاع أن يحتفظ ببعض المال بعد ترحيله إلي مدينة الموصل سواء بالعودة إلي مسقط رأسه أو إلي داخل مدينة الموصل بينما بقي منهم من لم يستطع العودة في منطقة حرير تحت إدارة كوردستان وشملهم الأخوة الكورد بتوفير الأمن لهم وكذلك ايصال بعض الخدمات إلي منطقتهم الجديدة وبقي الحال على هذا المنوال إلي سقوط صدام ثم عاد منهم من عاد إلي الموصل بينما بقي اخرون هناك وتحرر الشبك من طغيان نظام صدام مثل باقي القوميات الأخرى وبعد تشكيل إدارة محافظة الموصل تم تخصيص مقعد في مجلس المحافظة لقومية الشبك وتم انتخاب رئيس تجمع الشبك الديمقراطي ليكون عضوا في مجلس المحافظة وكذلك الاعتراف بالشبك كقومية منفصلة عن باقي القوميات الأخرى كونها تشكل حوالي 500 ألف (نصف مليون) شخص يتوزعون على أكثر من 50 خمسين قرية في الجانب الشرقي لمدينة الموصل وحصل حينها تجمع الشبك الديمقراطي على وعود من قبل سلطة الائتلاف آنذاك وكذلك وعود من المجلس الاعلى للثورة الإسلامية (كون اغلب الشبك يعتقدون بمعتقد الامامية) على ان يشغل الشبك مقعدا في حالة تشكيل المجلس الوطني أو المجلس التشريعي اسوة بباقي القوميات العراقية الاخرى.

بعد فترة تسليم السلطة للعراقيين تشكلت اللجنة التحضيرية للمجلس التشريعي من أجل التحضير لتشكيله وتم ادخال كل القوميات الموجودة بالعراق في بيانات اللجنة ما عدا قومية واحدة وهي (الشبك) حيث تم سحب الاعتراف بها كقومية وبما ان سلطة الائتلاف سحبت نفسها من ادارة الدولة انسحب المجلس الاعلى للثورة الإسلامية من وعوده التي اعطاها للشبك وكأن شيئا لم يكن واستيقظ الشبك على احد الخيارين أما انتمائهم إلي القومية العربية أو الكردية ومن الطبيعي ان يكون هناك سبب يدفع اللجنة التحضيرية بعدم الاعتراف بالشبك كقومية منفصلة عن العربية والكردية بسبب الضغوط التي يمارسها الاخوة الكورد على اعضاء اللجنة التحضيرية كونهم يريدون اجبار الشبك للانتماء إلي القومية الكوردية من أجل زيادة الرقعة الجغرافية للكورد في محافظة الموصل وهناك أيضا حالة أخرى وهي خطيرة جدا اخذت تنتشر بين الاوساط الشبكية في الموصل والتي يستخدمها الاخوة الكورد من أجل زيادة نفوذهم بين الشبك وكما سمعتها من كبار رجال الشبك في الموصل وهي صرف مبلغ قدره 350 الف (ثلاثمائة وخمسون الف) دينار راتب شهري لكل مواطن شبكي يعلن عن رغبته بالانتماء إلي القومية الكردية وما ان ينتمي ويحصل على المبلغ حتى يتم ايقاف صرف المبلغ عنه في الشهر القادم وإلي الأبد وقد حصل هذا مع بعض من كانت نفسه ضعيفة, وأن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الأخوة الكورد يفكرون بنفس خطة صدام في اسلوب (فرق تسد) والا ليس هناك تفسير أخر لهذه العملية الجراحية وهي بتر الجسد الشبكي من أجل السيطرة عليه.

مثلما عانى الكورد والشيعة والتركمان في زمن صدام من سياسة القتل والتهجير عانى الشبك أيضا من هذه السياسة ، وللشبك أيضا مناضلون ذهبوا في ادراج رياح صدام السوداء وكما شارك الكورد والشيعة والتركمان في حروب صدام مع دول الجوار وضحوا بأبنائهم ضحّى الشبك أيضا بنفس الإسلوب فلم يكن شبّان هذه القوميات يقتّلون وشبان الشبك بخيرات صدام يتنعمون بل كانوا يشربون مع إخوانهم كأس عذاب صدام وآن الأوان لكي نتنفس من نسيم الحرية حسب ماجاء بقانون إدارة الدولة بأنه يتكفل بحرية كل القوميات والأقليات فإذا كانت تريد الحكومة الإلتزام ببنود هذا القانون فإننا نحتج عليها به وإن لم تلتزم بالقانون الذي شرعته فإنها ستفقد مصداقيتها لدينا نحن الشبك وسنعتبر أن حكم صدام مازال موجودا مع تغيير الوجوه فقط.

إن مادعاني إلي كتابة هذا المقال هو أن تعداد السكان سيجري في العراق قريبا وفيه إعتراف لكافة القوميات بما فيهم الصابئة والأيزيديين بينما ليس للشبك من ذكر يذكر وكذلك بعدما سحب المجلس الأعلى وعوده لتجمع الشبك الديمقراطي فإننا ندعو كافة اللاخوة الشبك الذين هم في العراق بالانضمام إلي الاعتصام الذي سيتم تشكيله أمام قصر المؤتمرات في بغداد من أجل أن تقوم الحكومة بالاعتراف بحقوق هذه القومية التي عانت الأمّرين ولازالت تعاني إلي ما شاء الله وثانيا نود أن نعلم المسؤولين برغبتنا بعدم المشاركة في الانتخابات التي ستحصل في العراق وعدم المشاركة في عملية الإحصاء السكاني ما لم يتم الاعتراف بالشبك كقومية منفصلة عن العربية والكوردية والتركمانية أو أية قومية أخرى فهذا من حقنا كعراقيين.

نتمنى على حكومتنا أن تأخذ طلبنا هذا بعين الاعتبار وأن لاتغفل للمؤامرات التي تحاك ضد الشبك من أجل دمجهم مع القوميات الأخرى وأن لاتسهّل الأمر في فقدان الهوية الشبكية.. مع التقدير لكم “

وخلاصة القول أن من بين أبناء الشبك عشائر كردية وهي الأكثر من بينها الباجلان والزرار ، ومن ثم بينها عشائر تركمانية مثل البيات وهم قلة ، مثلما بينها عشائر عربية كطي والجحيش وهم الأقل ، كما أن ضمن مجتمع الشبك من الأصول الفارسية وهم الأقل أيضا ، وهذه التجمعات البشرية اختلطت ضمن مجتمع الشبك حيث اشتبكت هذه القوميات ضمن مجموعـــة بشرية واحدة تعارف أن يطلق عليها أسم ( الشبك) ، وأغلب هؤلاء من اتباع المذهب الجعفري ، والقلة منهم من اتباع المذاهب الأخرى ، وهم تحديداً يقيمون في القرى الواقعة بين مدينة الموصل وكردستان العراق ، إذ تشكل قرآهم هلالا يحيط بالمدينة من جهة الشرق عبر الساحل الأيسر منها ، بالإضافة إلي تمركزهم في الجانب الأيسر من مدينة الموصل حيث يقيمون في حي النبي يونس والدركزلية والجزائر والأحياء الممتدة في الجانب الأيسر من المدينة ، بالأضافة إلي التصاق قرى شبكية كبيرة بالموصل ، بالنظر لتمدد المدينة العمراني ، غير أن أهم القرى التي تضم الشبك هي قرية كوكجلي وعلي رش والرشيدية والسادة وتيس خراب وخور سيباد وشاقولي ، والشبك جميعاً مسلمون يؤدون فرائض الإسلام بكل أمانة وإيمان لازيغ في عبادتهم وإيمانهم ، ولاصحة للانحرافات والمروق الذي يتهمهم بعض بها ، كما لاتوجد ليلة الكفشة التي زعم بعض المغرضين ممن فقدوا الضمير باتهامهم الشبك أنهم يمارسون الفسوق والفجور في ليلة تدعى ليلة الكفشة ، ويشيرون بذلك إلي ليلة العاشر من محرم ، في حين أنهم يجعلون لليلة العاشر من محرم مكانة خاصة في الأستذكار والحزن والتبجيل لمناسبة ذكرى مقتل الأمام الحسين بن علي بن أبي طالب في كربلاء التي يحيونها كل عام بحزن وبكاء .

وفي رسالة إلي رئيس الجمعية الوطنية العراقية وجهها عضو الجمعية السيد فارس حسين ناصر( استشهد مساء يوم 17/9/2005 في منطقة الدجيل مع شقيقه المغترب وحراسه على يد الارهابيين ) بعنوان ( الشبك الكرد بين التذويب العرقي والانتماء القومي ) نشرت في جريدة الاتحاد العـدد 1097 في 28 / 8 / 2005 بالصفحة الثامنة يقول فيها : ( عند الحديث عن أية أقلية عرقية في بيئة تتمتع بالأغلبية العددية من ناحية القوة والانتشار الأوسع ، يشكل خطراً حقيقياً من حيث أن هذه الأقلية ستذوب مع الأيام ، وبمرور الوقت بالاكثرية ، وتزداد الخطورة إذا كانت هذه الأقلية وافرة إذ ستفقد بعض خصوصياتها إن لم يكن كلها ، لكن هذه الأقلية استطاعت أن تحافظ على خصوصيتها وتحتفظ بلغتها القومية وثقافتها وتقاليدها المتميزة ، على الرغم من العوامل العديدة أو المنظمة لصهرها وتذويبها عبر حقبة تاريخية امتدت لأكثر من ألف سنة في أقل تقدير .

إن هذه الأقلية لم تكن وافدة وإنما كانت هي القومية الغالبة والأكثر رسوخاً في تلك البيئة ، وتمتلك من الأصالة وقوة الانتماء القومي والاعتزاز بذلك الانتماء ، مايفوق عوامل الصهر والتذويب القسري الشوفيني ، تلك الأقلية هي التي سميت زوراً وعدواناً بالشبك ، فالتسمية لفظة مشتقة من تصاريف مادة شبك ، يتشابك بمعنى خلط واختلط ، وهي تسمية متأخرة جداً ، فلم يذكرها احد المؤرخين القدامى ، في أشارتهم إلي أهل الحواضر والقرى ، بل أوردت في المصادر الحديثة جداً بغية إطلاق العنان لحملات التذويب والصهر القومي القسري ، في منطقة سكناهم لأجل الاستيلاء عليها وتغيير طابعها القومي وانتمائها العرقي .

ولقد تناول عدد غير قليل موضوع الشبك الكرد في الدراسات التاريخية ، مثل الشهرستاني وياقوت الحموي والميجر سون وباسيل نكتين وسليمان صائغ الموصلي وعباس العزاوي وداوود الجلبي وأحمد حامد الصراف والدكتور شاكر خصباك وغيرهم ، وكل من كتب في هذا المجال أكد كردية الشبك .

ومن الجدير بالذكر في هذا المجال أن الشبك تعرضوا مرتين لضياع حقوقهم ، مرة على أيدي اعداء الكرد والإنسانية ، ومرة على أيدي الكرد أنفسهم، فطالما تعرض الشبك الكرد للقهر والتذويب العرقي المتعمد والمدروس بعناية ولم يحرك أحداً ساكناً ، وآخر ماتعرضوا له كان عام 1989 م حيث أبادت عمليات الأنفال سيئة الصيت عدد غير قليل منهم وشردت وهجرت البقية قسراً، بعد مصادرة أراضيهم وأموالهم وقذفت بهم في العراق في معسكرات نائية في جبال كردستان ، والقسم الأخر تم إعدامهم من قبل السلطة الدكتاتورية بسبب مذهبهم الشيعي دون أن نرى من يقف إلي جانبهم ولو بكلمة مواساة ، رغم أن الشبك الكرد أثناء ثورة أيلول التحررية فتحوا قراهم لإخوانهم وأبناء قومهم من العشائر الكردية الأخرى .

المرة الثانية ظلموا حين أقتطع موطنهم عن كردستان من خلال المفاوضات والاتفاقيات التي جرت بين الثورة الكردية والسلطات العراقية ، فلقد كانت منطقة الشبك اسقطت عن حسابات منطقة الحكم الذاتي وخارطتها في اتفاقية 1970 كإنها مناطق غير كردية ، واسقطتهم مرة أخرى في انتفاضة 1991 ، وعلى الرغم من كل هذا يعتبر بعض الساسة وبضمنهم بعض الساسة الكرد أن الشبك الكرد أقلية عرقية لاصلة لها بالكرد !

نقول للتاريخ أن الشبك تمسكوا بكرديتهم رغم محاولات التعريب القسرية التي تعرضوا لها خلال أكثر من ألف عام ، ولو كانوا يسكنون في غير مناطقهم المحاذية لمدينة الموصل في شمال وشرق الموصل في قرى يتجاوز عددها 60 قرية ، جميع أسماؤها كردية مثل علي رش ، تيراوه ، حمهكور ، ئاورانا ( شهرزاد ) ، وغيرها لكانت المسألة لاتحتاج لكل هذا الجدال على أصل الشبك ، فهم من أحفاد الكرد الميديين الساكنين في الموصل ، وهم من بناة الموصل القدماء ، وهم أول الكرد الساكنين في مدينة الموصل ، سموها نوادشير ، نسبة إلي القائد الكردي الميدي ( نواد شير ) قبل قدوم الأشوريين إلي المنطقة بنحو خمسة قرون على الأقل ، وهم جزء لايتجزأ من الكرد ، وتكوينهم من العشائر الكردية ، مثل الباجلان والزرارية والزنكنة والروبيان والداوودية والشكاك واللر ، واللغة التي يتكلمون بها هي اللغــة الكردية (لهجة ماجو) ، التي يتكلم بها أجزاء واسعة من كردستان ، مثل منطقة هورمان ومناطق خانقين وبدرة ومندلي ، أن هذه اللهجة كانت أصل اللهجات الكردية ، واليوم يعتبر الشبك أنفسهم أكراداً ، بدليل أن لغتهم هل الكردية ، وهم جغرافيا ضمن جغرافية كردستان ، وانتمائاتهم العرقية هي العشائر الكردية ، وتراثهم وتاريخهم هو جزء لايتجزأ من تراث وتاريخ الكرد ومشاعرهم هي مشاعر كردية ، وقد أكد هذه الحقائق الكثير من الكتاب والباحثين في مجال القوميات والأديان ، إضافة إلي ماذكر على سبيل المثال لا الحصر ، كالعلامة مينور ساي والدبلوماسي مارك سايكس والأب انستاس الكرملي والمؤرخ محمد أمين زكي والدكتور شاكرخصباك ، ونحن متمسكون بوحدة الكرد ، والشبك الكرد سيقفون بوجه كل من يحاول تجزئة الكرد ، ومن يحاول إبعاد الشبك عن أبناء قومهم ، وهذا ما لانتمناه لأحد من الشبك إلا من فقد البصر والبصيرة وتأثروا بالمنهج العنصري الشوفيني ، وأن الدراسة الميدانية وأجراء الاستفتاء الشعبي يضع جواباً لكل سؤال ، والشبك الكرد متمسكون بكرديتهم حد النخاع ولايمكن أن يفرطوا بها يوما ويتبعوا غير الموضوعيين من ايتام وجلادي الدكتاتور . )


الفصل الثاني

حقيقة الشبك الدينية

بالنظر للتعتيم الذي رافق حقيقة وجود الشبك في العراق ، فقد تعرضت لهم أقلام حاولت الأساءة اليهم ، ولم يكن باستطاعة الشبك حينها الدفاع عن حقيقتهم ، وفضح التخرصات التي قيلت عنهم لأسباب عديدة ، لعل من بينها إنعدام الثقافة والمعرفة وقلة الوعي بين المجتمع الشبكي ، وعدم وجود أقلام شبكية قادرة على التصدي لهذه التخرصات ، وعدم الاطلاع على وجهات نظر الآخرين ، بالإضافة إلي التقوقع والانعزال الذي كان يعيشه المجتمع الشبكي ، فقد أشارت مثل هذه الكتابات إلي اعتبار الشبك من الغلاة تارة ، وتارة أخرى أنهم لايصلون ولايصومون ولايزكون ولايحجون ، ويتطابقون مع الطقوس الأيزيدية والمسيحية في المنطقة ، كالأعتراف والتناول والأحتفال بليلة رأس السنة الميلادية وتسمية شيخهم أو الكبيرفيهم بالبير أو البابا ، حتى وصلت بعض الكتابات إلي اعتبارهم كفار ومرتدين .

وعدهم الكاتب عباس العزاوي من الفرق الغاليـة مع أنه يعترف بإسلامهم ، إلي أنه أشار إلي اشتهارهم بالغلو في العراق ، ثم اعتبرهم مثل الكاكائــية الذين يسكنون في كركوك ( 28 )

أما الصراف فلم يعدهم من الغــــلاة ويتابع حديثه عن ديانة ومعتقدات الشبك قائلا : ( وقد ظهر لي من التتبع الطويل أن الشبك ليسوا من الغلاة كالنصيرية والبكتاشية (البكتاشية) وأن شعورهم وايمانهم بواجب الوجود هو عين شعور المسلم وايمانه بواجب الوجود وأما رسول الله فمحمد النبي وهو النبي المبجل المعترف به لكنهم يغالون في حب علي غلوا عظيما فقد وصفوه ونعتوه بأوصاف ونعوت لا يقرها الإسلام )، لكن الصراف نفسه يذكر أن عقيدتهم خليط من الزرادشتية والأيزيدية والمسيحية وحتى اليهودية( 29 ) .

ويستند الصراف في كل تحليلاته واستنتاجاته التاريخية عنهم إلي الحديث الذي كان يقوله له الشيخ إبراهيم ، وهذا التحليل لايستند على أسس علمية ، والصراف نفسه يتناقض حين يعتبرهم تارة مسلمين ملتزمين بأسس الديانة الإسلامية ويتمسكون بالمذاهب الإسلامية ، يعود ليعتبرهم من الغلاة في محبة الإمام علي بن أبي طالب ، وهذا الأمر يتعارض مع الالتزام الذي يتمسك به الشبــــك في كل المذاهب

بالإضافة إلي عدم صحة ارتباط عقيدة الشبك بالديانات المسيحية والأيزيدية والزرادشتية وحتى اليهودية ، وينفى هذا الأمر أن الشبك حتى وأن كانوا مغالين ، وحتى وأن كانوا منحرفين دينياً في فترة ما ، فلايمكن أن يخلطوا كل هذه الأديان ليشكلوا منها عقيدة دينية جديدة ، إذ توجد افتراقات وتقاطعات عديدة .

وعما ورد بكتاب الصراف يعلق الكاتب أدهام عبد العزيز الولي في دراسته التي أشرنا اليها سابقاً :

وأشار إلي (الكلبنك) وهي القصائد التي نظمها شعراء الشبك وشيوخهم باللغة التركمانية الجفكائية في مدح آل البيت، وفي معرض حديثه عن مبدأ التقية عند الشبك الشيعة يقول الصراف (وقد ظهر لي أن التكتم من أولي شعائر الشبك وأن الطريقة طلسم من الطلاسم والنحلة سر من الأسرار والإنكار والتقية درع ومجن يتقي بها الشبكي الخطر ولم أشك لحظة في أن الكتمان عند الشبك أحد واجبات الإيمان المفروضة عليهم وهو من مستلزمات العقيدة الإسماعيلية الباطنية التي كانت تبالغ في التستر. كما إني لا أتردد قط في الحكم بأن التقية عند الشبك مستقاة من التقية التي كان يتذرع بها الشيعي الذي احاطت به المهالك والمخاطر عدة عصور لــدرء تلكم المهالك والمخاطر عن نفسه ، الصفحات ٤ ــ ٥ ، ويشير في الصفحة ٥ من مقدمة الكتاب الي رأيه الخاص بالشبك (الشبك غصن من الشجرة الأمامية والمتفيئين للدوحة العلوية ولهم أذكار وأوراد وصلوات مثل الطرق الأخري كالنقشبندية والرفاعية والقادرية ولهم رسوم وعادات خاصة بهم وقد تبدلت بتسلط الجهلة عليهم فأبعدهم هؤلاء عن الإسلام وأنسوهم الفرائض والسنن، وحللوا لهم المحرمات وافحموهم في الكبائر والموبقات “

أما موسوعة المعارف الإسلامية فقد ذكرت أن الشبك يعبدون الإمام علي كأله غاية العبادة وهم يسمونه ( علي رش ) ، والشبك كالصارلية ديانة باطنية وسرية ، وغالبا مايعيش الشبك في كوردستان بأطراف الموصـــل وسنجـــــــار ، ويبلغ عدد نفوسهم عشرة آلاف نسمة ( 30 ).

وماطرحته هذه الموسوعة ليس له نصيب من الصحة والواقع ، فقد خلطت الموسوعة بين العلي اللاهية وبين الشبك ، كما أن الشبك ليس ديانة باطنية كما تقول الموسوعة ، وإنما يلتزم الشبك بكل تجمعاتهم البشرية بالإسلام بشتى مذاهبه ، إلا أن المذهب الأغلب والأراس هو المذهب الجعفري ( الأثنا عشري ) في الوقت الحاضر .

أما عبد المنعم الغلامي فيصفهم بأنهم من الغلاة ولهم أراء لايتقبلها العقل والمنطق ، وأنهم لايحرمون الخمرة ، ويرون أن للقرآن معنيين ، معنى ظاهر، ومعنى باطن ، وقد اشتبك الشبك مع العلي اللاهية فأصبحوا سوية يرفعون الأمام علي إلي مقام الألوهية ، وهم شديدو الإهمال كثيرو التهاون في فرض الفرائض ( 31 ).

وغني عن القول التحامل الذي سطره الغلامي عنهم ، حين اعتبرهم من العلي اللاهية مع علمه بحقيقة الشبك ، وهو الذي ذكر أنهم يحتفلون في ليلة من ليالي السنة تختلط بها الرجال والنساء وتسمى ليلة الكفشة ، ويختلط بها الحرام والحلال ، والقاريء الذكي يتلمس البهتان والافتراء عليهم بهذا القول ، إذا عرف أن تلك الليلة هي ليلة العاشر من محرم الحرام ، وهي ليلة حزن يستذكر بها ليس فقط الشبك ، وإنما عموم الشيعة الجعفرية ، ذكرى مقتل الإمام الحسين بن علي سبط الرسول ، وهي ليلة حزينة يتم فيها البكاء والندب واللطم ، وإن وصف تلك الليلة وما يقوم به المجتمع الشبكي وفق وصف الغلامي تشنيع رخيص يتناقض مع الصدق والواقع ، وخصوصاً وأن الشبك أهل شرف ونخوة وقيم عشائرية وذمة والتزام ديني .

وقد جافى الغلامي الحقيقة حين افترى عليهم ضمن كتابه الذي ظهر في الموصل العام 1950 م والمطبوع باسم ( بقايا الفرق الباطنية في لواء الموصل ) ، والذي عزز آراءه ضمن مجموعة من المقالات منشورة في مجلة المجلة الموصلية التي كانت قد نشرت له هذه المقالات في العام 1939 م .

ويقول السيد صافي الياسري في دراسته المنشورة في صحيفة المدى :

“ أما بالنسبة إلي عقيدة الشبك، فهي الأخرى لم تسلم من التشويه حتى في انتمائهم إلي الفرق والمذاهب الإسلامية ! فقد ذهب البعض إلي اعتبارهم من فرق الغلاة لأغراض طائفية وتفرقة عنصرية، كما فعل صاحب كتاب ـ بقايا الفرق الباطنية في الموصل الصادر عام 1950، والحقيقة أن الشبك جميعهم من المسلمين والنسبة الغالبة منهم نحو (70%) كما يذكرون هم أنفسهم على المذهب الجعفري والباقون من السنة. وقد تأثر بعضهم بالطرق الصوفية المختلفة ومنها الطريقة (البكتاشية) نسبة إلي الحاج بكتاش بن السيد محمد والملقب بإبراهيم الثاني وهو من أحفاد السيد إبراهيم المجاب بن الإمام موسى الكاظم (ع)، وقد ولد في خراسان وانتقل إلي الأناضول وأنشأ الطريقة البكتاشية التي كان لها دور سياسي واجتماعي كبير بين القرنين 15و 18م وقد اثرت في المجتمع الشبكي تأثيراً كبيراً، واكسبتهم خصوصية مجتمعهم القائم على التسامح والتعاون ونبذ الفرقة واحترام الآخرين والتحلي بالقيم والأخلاق الإسلامية الحميدة، فلم يكن من بينهم السارق أو الزاني أو قاطع الطريق ولم تسر بينهم عادة نهب النساء أو الغزو وهي عادات كانت تتباهى بها بعض عشائر المنطقة، الاماندر وكان مرتكب هذه الأفعال من الشبك، يبقى عاراً على أهله وعشيرته ويضرب به المثل ويتذكره الناس لمدة طويلة ليكون عبرة لغيره بمنعه من تقليده.

أما في عباداتهم، فهم من الشيعة الأثني عشرية متمسكون بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف على وفق المذهب الجعفري، ويؤدون طقوس العشرة الحزينة من محرم الحرام مستذكرين مأساة كربلاء ومقتل الإمام الحسين (ع) وسبي عياله، وهم يدفعون الخمس من أموالهم ووارداتهم إلي سادتهم الذين يعترفون بصحة انتسابهم إلي آل البيت، ويؤدون فريضة الحج إلي مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما يزورون العتبات المقدسة في كربلاء والنجف وسامراء وبغـداد وكل أضرحــة الأئمة وأولياء آل البيت على امتداد العراق ويفعل الشيء نفسه السنـــة منهم كل حسب مذهبه. “ ( 32 )

وكتب السيد شمس الدين السيد عباس وهو من الشبك دراسة نشرها في أحد المجلات مؤكداً أن الشبك كان لهم طريقـة صوفية كبقية الطرق الصوفية في الإسلام ، وكانوا من اتباع ( بكتاش ولي ) ، وهذه الطريقة الصوفية تستند إلي ما تستند إليه على ثلاثة ألفاظ ، وهذه الألفاظ قد تشتبه على الجاهل معانيها ، ويقع اللبس فيها ، برغم ظهورها كالشمس في كبد السماء ، ويبينها ليذكر أنهم بكتاشيون يستندون إلي الشريعة الإسلامية ، ويعتمدون الأحكام المنزلة على رسول الله محمد (ص)، التي فهمها العلماء من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، نصا واستنباطاً ويعني الأحكام المبينة في علم التوحيد .

أما الطريقة فهي العمل بالشريعة ، والأخذ بعزائمها ، والبعد عن التساهل فيما لاينبغي التساهل فيه .

وإن شئت فهي اجتناب المنهيات ظاهرا وباطنا ، يعني اجتناب المحرمات والمكروهات وفضول المباحات ، وآداء الفرائض والنوافل وامتثال الأوامر الإلهية بقدر الطاقة تحت رعاية عارف أو شيخ .

والحقيقة على ثلاث أقسام ، رقة الحجاب بينه وبين ما آمن به من ذات الله وصفاته وجلاله وجماله وقربــــه وآخر بيته ، وحقيقة النبوة ، وكمالات أصحابها ، ولاسيما سيدهم الأعظم ( ص ) وما أخبر به النبي محمد ( ص ) من نعيم القبر وعذابه والقيامة وأهوالها ، والنار ومافيها ، والجنة ونعيمها وإلي غير ذلك .

فيكون له معاني مشاهد ويتبع هذا القسم أحوال تعرض لمن حصلت له كالزهد في الدنيا ومناحيها ، والسكر والذهول والدهش وشدة الشوق والهيام وغير ذلك

والقسم الثاني تخلي النفــس عن رذائل الأخلاق وتحليها بالصفات المرضية والأخلاق السنية ، بحيث يكون راسخ القدم فيها وتكون هي ملكات له ، وهو المعروف لدى قدامى الصوفية – كأبي حامد الغزالي ( توفي 505 هـ ) وغيره بالتخلية والتحلية .

والثالث تيسر الأعمال الصالحة وسهولة أفعال الخيـــر عليه ، حتى لايجد فيها مشقة ولاكلفة ، بل لو أراد أن يتركها لم تطاوعه نفسه على ذلك .

تم له أنشراح الصدر للإسلام وأطمأنت نفسه كل الطمأنينة للبعد عن محارم الله ، والقيام بأوامره ، وصحت له حقيقة الأخبار ، حتى كأنه ملك في صورة بشر ، والحقيقة هي ثمرة الطريقة ، وأنه لابد لسالك طريق الآخرة من الجمع بين هذه الثلاثـــة وعدم التعطل لشيء منها ، وذلك لأن الحقيقة بلا شريعة باطلة ، والشريعة بلا حقيقـــة عاطلة ، والطريقـــة بدونها لامعنى لها فيجب الجمع بينهما ( 33).

ويذكر الأستاذ علي الوردي بأن الطريقة البكتاشية مزيـــج من التصوف والتشيع ، وأن محور التقديس عندهم هو الإمام علي بن أبي طالب ، فهم يعدونه النموذج الأعلى للإنسان الذي تظهر فيه العجائب ( ناد علياً مظهر العجائب ) ، والبكتاشيون يتمسكون بمبدا التولي والتبري ، أي الولايــــة لآل بيت الرسول ( ص ) والبراءة من أعدائهم ( 34 ).

ويبدو أن الشبك قديما تأثروا بالطريقة الصوفية البكتاشية ، حيث كانت تنتشر الطرق الصوفية في العالم الإسلامي انتشارا كبيراً ، ومن خلال هذا الانتشار تأثر المجتمع الشبكي تأثراً ملحوظاً ، بحكم انقطاعه عن التواصل مع المرجعية الجعفرية ، فصار الالتزام بهذه الطريقة خيارا مؤثراً ، ويذكر الغلامي في مقال نشره في مجلة المجلة أنه قبل أكثر من خمسة سنوات (المقال كتب في العام 1939م) ورد إلي قرى الشبك أحد علماء الشيعة قادما من الجنوب(ويقصد جنوب بغداد) ليرشد هذه الاقوام ، فنزل احدى القرى وأخذ يدعو القوم إلي إصلاح معتقداتهم وينهاهم عن الانحرافات ويبرهن لهم على أن الخمرة من المحرمات ، فلم ترق تعاليمه الصحيحة لهؤلاء الناس الذين تعلموا من رؤسائهم الروحانيين نقيضها ، فتركهم غاضبا متألما بعد أن مكث بين ظهرانيهم بضعة أيام !!

والبكتاشية مشربا صوفيا منسوب إلي جناب السيد محمد بن إبراهيم الثاني بن موسى رضوي الخراساني المتوفي سنة 738 هـ / 1337 م ، الموجود قبره في قضاء حاجي بكتاش والي وإلي ولاية نوشن بتركيا ، ويتصل نسبــــه بالإمام علي، وكان مولده وموطنه بخراسان في مدينة نيسابور ، ولقبه الأتراك بحاجي بكتاش ولي ، ومعناها ( الأمير ) بعد قدومه إلي تركيا .

وكان وليا من أولياء الله الصالحين وصاحب كرامات ، ولم يكن شخصية خيالية أو أسطورية كما قال البعض ، وإنما هو شخصية حقيقية دون أدنى ريب .

وذكر بعض المؤرخين أنه انتقل إلي تركيا ، وكان قد زار كربلاء وحج بيت الله ومكث بمكة ثلاث سنوات وزار دمشق والقدس ، ولما كانت تركيا مسرحا للنزعات الصوفية في وقته كالحركة الدانشمندرية والبائية والمولوية وما اليها ، كل تلك الأسباب دفعت الدرويش حاجي بكتاش للهجرة إلي تركية بعد أن درس الطرق الصوفية ، فتكونت له ثقافة ومعرفة واكتمال لشخصيته بالإضافة إلي النفسية الصوفية الكاملة مع النسب العلوي ليجعله في مكانة ومنزلة رفيعة في قلوب الناس ، وقد نسبت إليه طريقة صوفيـــة هي الطريقة المسماة باسمه (الطريقة البكتاشية ) ، باعتباره أكبر شيخ من شيوخ هذه الطريقة ، وهناك من يقول أنه هو مؤسس هذه النحلة ، ولانعتقد بهذا فالبكتاشية أقدم عهدا في تركيا من حاجي بكتاش ولي ، والطريقة البكتاشية ماهي إلا امتداد لطرق صوفية سابقة، والبكتاشية من سلسلة المعروفية التي لها أربعة عشر فرعا وواحدا من هذه الفروع البكتاشية .

ومن أجل تسليط الضوء على الفكر البكتاشي نقتبس الدراسة المنشورة في صفحة نداء الإيمان على الانترنيت للفائدة حيث ورد فيها :

“ الطريقة البكتاشية مزيج كامل من عقيدة وحدة الوجود، وعبادة المشايخ وتأليههم، وعقيدة الشيعة في الأئمة‏.‏

يقول أحمد سري ‏(‏دده بابا‏)‏ شيخ مشايخ الطريقة‏:‏

‏"‏الطريقة العلية البكتاشية هي طريقة أهل البيت الطاهر رضوان الله عليهم أجمعين‏"‏ ‏(‏الرسالة الأحمدية ص67‏)‏ ويقول أيضًا‏:‏

‏"‏وجميع الصوفية على اختلاف طرقهم يقدسون النبي وأهل بيته ويغالون في هذه المحبة لدرجة اتهامهم بالباطنية والاثني عشرية‏"‏ ‏(‏الرسالة الأحمدية ص68‏)‏‏.‏

ويقول أيضًا‏:‏

‏"‏والطريقة العلية البكتاشية قد انحدرت أصولها من سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعن أولاده وأحفاده إلي أن وصلت إلي مشايخنا الكرام يدًا بيد، وكابر عن كابر، وعنهم أخذنا مبادئ هذه الطريقة الجليلة‏"‏ ‏(‏الرسالة الأحمدية ص69‏)‏‏.‏

وقد قسم أرباب هذه الطريقة المنتسبين إلي طريقهم على النحو التالي حسب درجاتهم‏:‏

1ـ العاشق‏:‏ وهو الذي يحب الطريق ويعتنق مبادئها وتسيطر عليه الروح البكتاشية، وله رغبة في الانضمام إلي الطريقة، ويكثر من الحضور إلي التكية ويسمع ما يدور بها‏.‏ ويرشحه الشيخ ليكون في المنزلة التالية وهي درجة الطالب‏.‏

2ـ الطالب‏:‏ وهو الذي يعلن رغبته في الانضمام ويرشحه الشيخ لذلك ليتقبل الإقرار، ويعطي العهد‏.‏ وتقام له حفلة بذلك‏.‏

3ـ المحب‏:‏ وهو الطالب الذي انتسب إلي هذه الطريقة بعد حفلة الإقرار والبيعة‏.‏

4ـ الدرويش‏:‏ الذي يتبحر في آداب الطريقة وعلومها ويلم بأركانها ومبادئها‏.‏ ويهب نفسه للخدمة العامة فيها‏.‏

5ـ البابا‏:‏ وهي درجة المشيخة ولا يصل إليها الدرويش إلا بعد مدة طويلة حيث يكون قد عرف الرموز الصوفية وأحاط بها‏.‏‏.‏

6ـ الددة‏:‏ وهو الخليفة، ولا يمنح هذه المنزلة إلا شيخ المشايخ ويكون هذا رئيسًا لفرع من فروع الطريقة في مصر‏.‏

7ـ الددة بابا‏:‏ شيخ المشايخ وينتخب من بين الخلفاء وهو المدير العام لشئون الطريقة في العالم وهو الذي يعين البابوات وله حق عزل المشايخ‏.‏‏.‏

التكية البكتاشية في الغالب عبارة عن ضيعة كبيرة بها قصر فخم وقبور مزخرفة مبنية، ويقيم بها الدراويش أبدًا منقطعين للخدمة، وقد تضم التكية آلاف المواشي والأنعام من البقر والغنم، وتأتيها الإتاوات والأرزاق من منتسبي التكية في القطر‏.‏ إذ لا يجوز للزائر الدخول إليها إلا وهو يحمل شيئًا ما يقدمه قربانًا‏.‏‏.‏ ونستطيع أن نقول إنها مملكة أو إمارة خاصة‏.‏‏.‏ ولذلك فالمنتسب إلي هذه الطريقة لابد أن يكون خادمًا في هذه المملكة الخاصة لأسياده المشايخ الذين يتربعون على عرش الولاية البكتاشية‏.‏ يقول أحد سري ‏(‏دد بابا‏)‏‏:‏ ‏"‏والمنتسب إلي الطريقة العلية تنتظره واجبات كثيرة يؤديها في منزله وفي التكية عند زيارته لها‏.‏ فالواجبات المنزلية هي إقامة الصلوات في أوقاتها وتلاوة الأوراد والأذكار المأذون بتلاوتها وحفظ الأدعية المأثورة، وفي التكية يكلف بالخدمة مع الدراويش ثم يخصص لخدمة مثل سقاية القهوة أو خدمة الضيوف أو إعداد الطعام وتجهيز المائدة وغسل الأواني أو خدمة الحديقة، فإذا حذق التعاليم كلفه الشيخ بخدمة أرقى فيعين نقيبًا أو دليلًا أو ميدانجيًا‏.‏ وهكذا‏.‏‏.‏‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏الرسالة الأحمدية ص72‏)‏‏.‏

العهد ودخول الطريقة‏:‏

لتعميد المريد أو الطالب نظام خاص في الطريق البكتاشي فعند دخوله إلي ميدان التكية يقرأ الدليل أبياتًا معينة من الشعر ثم يقول‏:‏

اللهم صل على جمال محمد، وكمال علي والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ثم يقول‏:‏

جئت بباب الحق بالشوق سائلاً

مقرًا به محمدًا وحيدرًا ‏(‏حيدر هو علي بن أبي طالب‏)‏

وطالب بالسر والفيض منهما

ومن الزهراء وشبير ‏(‏وشبير المقصود علي بن أبي طالب أيضا ويعنون بهذا القصير‏)‏ شبرًا

ثم يقرأ الشيخ على الطالب آية البيعة‏:‏

‏ “ ‏إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرًا عظيمًا” ‏ ‏[‏الفتح‏:‏10‏]‏‏.‏

ثم يقول الطالب أبياتًا من الشعر يعلن بها دخول الطريق ومن هذه الأبيات‏:‏

وبالحب أسلمت الحشا خادمًا لآل العبا ‏(‏آل العبا يعنون بهم أهل الكساء وهم علي وفاطمة والحسن والحسين والعباس، وبعد دخول الطالب وإقامة الحفل على هذا النحو يسلم الطالب خدمة ما في التكية كأن يكون ساقيًا للقهوة أو فلاحًا، أو خادمًا للضيوف أو طباخًا‏.‏‏.‏ إلخ‏)‏

وملاذي هو الحاج بكتاش قطب الأوليا‏!‏‏!‏

آداب الطريقة البكتاشية

آداب زيارة التكية

فرض أرباب الطريقة على المريد أن يغتسل قبل زيارة التكية وأن يأخذ معه هدية ولابد ولو كان ملحًا‏.‏ فإذا وصل الباب سمى ولا يجوز له أن يطأ العتبة برجله لأنها مقدسة ثم يلتحق بالخدمة التي تطلب منه، وفي وقت المجلس يجلس حسب مرتبته، ولكل شخص مرتبة خاصة، والمراتب بالأقدمية‏.‏

* ثم يذهب المريد بعد دخول التكية والاستراحة فيها إلي القبر الموجود في التكية، ولزيارة القبرة آداب خاصة منها السلام المخصوص، ثم العودة بظهره إلي خارج الضريح‏.‏

والشيخ في العادة لا يجلس مع المريدين، ولا يزار إلا إذا صدر الإذن بذلك من الشيخ، ولا يزوره المريد إلا بصحبة الدرويش المختص، وعلى المريد أن يخلع حذاءه ويدخل مطأطئ الرأس ويقف على بعد خطوات من الشيخ ويقرأ‏:‏

وجهك مشكاة وللهدى منارة

وجهك لصورة الحق إشارة‏!‏‏!‏

وجهك الحج والعمرة والزيارة

وجهك للطائعين قبلة الإمارة

وجهك القرآن الموجز العبارة ‏(‏الرسالة الأحمدية ص74‏)‏‏!‏‏!‏

ولا يخفى أن هذا هو عين الفكر الباطني في جعل الدين هو طاعة رجل كما تقول الإسماعيلية ‏"‏الدين طاعة رجل‏"‏، وهذه العبودية الكاملة هي عين ما تهدف إليه هذه الطريقة حيث تجعل معاني الحج والعمرة والزيارة والقرآن بل والله سبحانه وتعالي هو هذا الشيخ الصوفي الباطني‏.‏

وبعد ذلك يتقدم المريد فيقبل يد الشيخ ثم يعود بظهره بضع خطوات ولا يجلس حتى يأذن له الشيخ بالجلوس وعند الوقوف أمام الشيخ لابد من مراعاة ما يلي‏:‏

1ـ أن يضع إبهام القدم اليمنى فوق اليسرى‏.‏

2ـ وضع اليدين على الصدر فوق السرة‏!‏‏!‏‏.‏



الأوراد البكتاشية

والناظر في الأوراد البكتاشية يرى كيف أسست هذه الأوراد على عقيدة الشيعة الإمامية الأثني عشرية، فالورد البكتاشي يبدأ بذكر لله ثم للرسول ثم لعلي ثم لفاطمة ثم للحسن ثم للحسين ثم لعلي زين العابدين ثم الباقر، وهكذا إلي الإمام الثاني عشر عند الشيعة ‏.‏ وإليك بعض نصوص هذه الأوراد البكتاشية‏.‏

1ـ اللهم صل وسلم وزد وبارك على السيد المطهر، والإمام المظفر والشجاع الغضنفر إلي شبير وشبر .

2ـ اللهم صل وسلم وزد وبارك على السيدة الجليلة الجميلة الكريمة النبيلة المكروبة العليلة ذات الأحزان الطويلة‏!‏‏!‏ في المدة القليلة المعصومة المظلومة، الرضية الحليمة، العفيفة السليمة، المدفونة سرًا، والمغصوبة جهرًا، المجهولة قدرًا، والمخفية قبرًا، سيدة النساء الأنسية، الحوراء البتول العذراء، أم الأئمة النقباء النجباء فاطمة التقية الزهراء عليها السلام‏.‏

3ـ اللهم صل وسلم وزد وبارك على السيد المجتبى والإمام المرتجى سبط المصطفى وابن المرتضى علم الهدى‏.‏‏.‏ الشفيع ابن الشفيع المقتول بالسم النقيع ـ المدفون بأرض البقيع‏.‏‏.‏ الإمام المؤتمن‏.‏‏.‏ والمسموم الممتحن‏.‏‏.‏ الإمام بالحق أبي محمد الحسن‏.‏‏.‏ ‏(‏الرسالة الأحمدية ص83‏)‏‏.‏

4ـ وأما في الصلاة على الحسين فيقول الورد البكتاشي‏:‏

اللهم صل وسلم وزد وبارك على السيد الزاهد والإمام العابد الراكع الساجد‏.‏‏.‏ قتيل الكافر الجاحد‏.‏‏.‏ الإمام بالحق عبدالله الحسين‏.‏‏.‏

5ـ وهكذا تستمر هذه الأوراد على هذا النحو ذاكرة اماما من أئمة الشيعة الأثني عشرية إلي أن يأتي الورد الخاص بمهدي الشيعة المنتظر الذي يسمونه محمد بن الحسن العسكري فيقول الورد بالنص‏:‏

اللهم صل وزد وبارك على صاحب الدعوة النبوية، والصولة الحيدرية، والعصمة الفاطمية، والحلم الحسينية والشجاعة الحسينية، والعبادة السجادية، والمآثر الباقرية، والآثار الجعفرية، والعلوم الكاظمية، والحجج الرضوية، والجود التقوية والنقاوة والنقوبة والهيبة العسكرية، والغيبة الإلهية، القائم بالحق والداعي إلي الصدق المطلق، كلمة الله، وأمان الله، وحجة الله، القائم لأمر الله، المقسط لدين الله، الذابّ عن حرم الله، إمام السر والعلن، دافع الكرب والمحن، صاحب الجود والمنن، الإمام بالحق أبي القاسم محمد بن الحسن، صاحب العصر والزمان، وخليفة الرحمن، ومظهر الإيمان وقاطع البرهان وسيد الإنس والجان، المولى الولي، وسمي النبي والوصي، والصراط السوي، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، الصلاة والسلام عليك يا وصي الحسن، والخلف الصالح، يا إمام زماننا، أيها القائم المنتظر المهدي، يا ابن رسول الله، يا ابن أمير المؤمنين، يا إمام المسلمين، يا حجة الله على خلقه، يا سيدنا ومولانا إنا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك إلي الله، وقدمناك بين يدي حاجتنا في الدنيا والآخرة يا وجيهًا عند الله اشفع لنا عند الله بحقك وبحق جدك وبحق آبائك الطاهرين ‏(‏الرسالة الأحمدية ص88،89‏)‏‏.‏

وأما في ورد التولي والتبري فإنهم يقولون : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله‏.‏ وما توفيقي واعتصامي إلا بالله‏.‏ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا‏.‏ والصلاة والسلام على رسولنا محمد الذي أرسله بالهدى‏.‏ قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى‏.‏ وعلى آله وأصحابه وأزواجه الهدى‏.‏ يا سادتي ويا موالي إني توجهت بكم أنتم أئمتي وعدتي ليوم فقري وفاقتي وحاجتي إلي الله‏.‏ وتوسلت بكم إلي الله واستشفعت بكم إلي الله‏.‏ وبحبكم وبقربكم أرجو النجاة من الله‏.‏ تكونوا عند الله‏.‏ رجائي يا سادتي يا أولياء الله‏.‏ صلى الله عليكم أجمعين‏.‏ اللهم إن هؤلاء أئمتنا وساداتنا وقاداتنا وكبراؤنا وشفعاؤنا بهم نتولى ومن أعدائهم نتبرأ في الدنيا والآخرة‏.‏ والعن من ظلمهم‏.‏ وانصر شيعتهم واغضب على من جحدهم‏.‏ وعجل فرجهم‏.‏ وأهلك عدوهم من الجن والإنس أجمعين من الأولين والآخرين إلي يوم الدين‏.‏اللهم ارزقنا في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم‏.‏وزدنا محبتهم‏.‏واحشرنا معهم‏.‏ وفي زمرتهم‏.‏ وتحت لوائهم‏.‏ بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين‏.‏‏.‏ويا أرحم الراحمين‏.‏والحمد لله رب العالمين‏.‏اللهم صل على محمد وآل محمد‏.‏

وفي ختام الأوراد على المريد البكتاشي والسالك أن يشهد هذه الشهادة ويقول‏:‏

‏"‏وأشهد أن الأئمة الأبرار‏.‏ والخلفاء الأخيار‏.‏ بعد الرسول المختار‏:‏ على قامع الكفار‏.‏ ومن بعده سيد أولاده الحسن بن علي‏.‏ ثم أخوه السبط التابع لمرضات الله الحسين‏.‏ ثم العابد علي ثم الباقر محمد‏.‏ ثم الصادق جعفر‏.‏ ثم الكاظم موسى‏.‏ ثم الرضا علي ثم التقي محمد‏.‏ ثم النقي علي‏.‏ ثم الذكي العسكري الحسن‏.‏ ثم الحجة الخلف الصالح القائم، المنتظر المهدي المرجى، الذي ببقائه بقيت الدنيا، وبيمنه رزق الورى، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء، به يملأ الأرض قسطًا وعدلًا، بعدما ملئت ظلمًا وجورًا، وأشهد أن أقوالهم حجة وامتثالهم فريضة، وطاعتهم مفروضة ، ومودتهم لازمة مقضية، والاقتداء بهم منجية، ومخالفتهم مردية، وهم سادات أهل الجنة أجمعين، وشفاء يوم الدين، وأئمة أهل الأرض على اليقين وأفضل الأوصياء المرضيين‏"‏ ‏(‏الرسالة الأحمدية ص92‏)‏‏.‏

ولا شك بعد ذلك أن هذه عقيدة شيعية كاملة حملتها هذه الأوراد، والعجيب حقًا أن هذه العقيدة الشيعية قد انتشرت في تركية الدولة السنية، وفي مصر كذلك، واستمرت هذه العقيدة الباطنية تنتشر وتنمو طيلة هذه القرون الطويلة من أواسط القرن الثامن تقريبًا إلي يومنا هذا في القرن الخامس عشر الهجري وكل ذلك تحت جناح التصوف .

ونشر فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف بتاريخ 25 لأغسطس 1949 م من فتاوى الأزهر في الشيعة وعقائدهم ، عن الطريقة البكتاشية ، ونشرته صفحة fnoor.com على الأنترنيت يقول فيها :

طريقة البكتاشية نستمد التعريف بهذه الطريقة من رسالة أحمد سرى بابا المطبوعة بمصر فى سنة 1939 م ومن المذكرة التفسيرية لها المطبوعة بمصر فى سنة 1949 ومن مصادر تاريخية أخرى قالوا إن أساس الطريقة هو التجرد عن الدنيا وزينتها والانقطاع للعبادة فى التكايا وسموا هؤلاء المتجردين بالدراويش واشترطوا فى الدرويش عشرين خصلة ومثلها فى المرشد .

وتقوم الطريقة على محبة آل البيت النبوى والتشيع لهم خاصة وعلى التولية والتبرئة، ومعناهما الحب لآل البيت ومن والاهم والبغض لمن يبغضهم واخترعوا لطريقتهم تقاليد خاصة لا تعرف فى الطرق الأخرى فقالوا للطريقة أربعة أبواب الشريعة والطريقة والمعرفة والحقيقة ولها أربعون مقأما لكل باب عشر مقامات وسبعة عشر ركنا وثلثمائة وستون منزلا وطبقات الولاية اثنتا عشرة وللولاية سبع دوائر وأربعة أقسام، وقالوا إن الأئمة اثنا عشر فقط وهم الذين ذكرهم الشيعة الإمامية وأنهم معصومون، وكذلك يزعمون العصمة لأربعة عشر طفلا من آل البيت ماتوا وأعمارهم تتراوح بين الأربعين يوما والسبع سنين، وأن هناك سبعة عشر من أولاد على بن أبى طالب سموهم المتحزمين لأن عليا -رضى الله عنه - أعدهم للجهاد وأعطاهم الأسلحة وربط أحزمتهم بنفسه وكان وهو يربط لكل واحد حزامه يذكر اسما من أسماء الله تعإلي غير ما يذكره عند تحزيم الآخر، وقد استشهد أكثرهم فى موقعة كربلاء التى استشهد فيها الإمام الحسين - رضى الله عنه - ومن تقاليدهم لبس التاج البكتاشى أو الحسينى وهو لبدة بيضاء من الصوف ذات اثنى عشر خطاً وأربعة أركان يرمزون بالخطوط، كما قالوا لاجتماع اثنى عشر خصلة فى الدرويش ولحروف كل من كلمتى (لا إله إلا الله) و (محمد رسول الله) وبالأركان إلي الأبواب الأربعة التى أشرنا إليها
ولكن الواقع أنهم يرمزون بالخطوط إلي الأئمة الاثنى عشر .
ومنها لبس الجبة ، زعموا أن الرسول ألبس عليا جبة ثم توارثها الأئمة بعده إلي أن انتهت إلي مؤسس الطريقة البكتاشية فى القرن السابع الهجرى وزعموا أن (قبلة الجبة) هى المرشد (ووجهها) القطب (ويمينها) اليد اليمن (ويسارها) اليد اليسرى (وبطانتها) السر (وقبلة البطانة) وظاهرها معرفة القطب (وباطنها) الأدب (ومكتوب فى ذيلها) يا واحد يا صمد يا فرد .
ومنها سجودهم أثناء الذكر لأسماء هؤلاء الأئمة ولأشياخهم كما يفعل المولوية عند ذكر على وجلال الدين الرومى ويحاولون تأويل السجود بأنه ليس سجود عبادة وإنما هو سجود تكريم واحترام

ومن أدعيتهم المأثورة اللهم نور قلوبنا بأنوار فيض ساداتنا الأئمة الإثنى عشر وبموالينا المعصومين الأربعة عشر اللهم بجاه موالينا مفخرة أهل الإيمان ومصدر الفيض والعرفإن بالم سلطان وقيغوسز سلطان ومن إليهم من ذوى الفضل والإتقان والثلاثة الأكرمين والخمسة أهل العباء الطاهرين والسبعة أهل اليقين والأربعين الواصلين والباطنين الحاضرين والغائبين وفقنا لما تحبه وترضاه يا معين اللهم اجعل لنا نبيك محمدا معينا ووصيه عليا ظهيرا ولهم دعاء يسمى دعاء السراج، منه وفى محبة الأئمة الاثنى عشر المقبولين وفى محبة موالينا الأربعة عشر المعصومين وفى محبة شيخنا بكتاش قطب الزمان الأمين .
ومن عاداتهم الاحتفال بذكرى مقتل الحسين فى يوم عاشوراء من كل سنة كسائر الشيعة الإمامية واعتبار هذا اليوم يوم حزن وبكاء وعزاء .
أن مذهب البكتاشية يبدو من تصريحاتهم وتقاليدهم أنهم شيعة إمامية أخذوا بطرف من مذاهب الغلاة واخترعوا كثيرا من البدع السيئة التى لا أصل لها فى الدين فقد زعموا انحصار الإمامة فى الإثنى عشر ورجعة المهدى المنتظر وعصمة هؤلاء الأئمة ورمزوا إليهم بخطوط التاج ويجعل طبقات الولاية اثنتى عشرة .

بينما يذكر الكاتب نصرت مردان في مقالة له بعنوان ( الشبك مذهب يحتضن القوميات المتآخية في العراق ) ونشر في موقع www.alturkmani.com على الأنترنيت يقول فيها :

معظم الذين تناولوا موضوع الشبك يتفقون على أن عقيدة الشبك عقيدة بكتاشية ـ قزلباشية وأن كتابهم المقدس المسمي (البويوروق) قد وضع بلغة تركمانية شديدة الشبه بلغة الشبك الحالية.

البكتاشية طريقة صوفية أسسها الحاج بكتاش ولي الخراساني الأصل النيسابوري المولد وكان من السادة الموسوية اي ممن يتصل نسبهم بالامام موسي الكاظم عليه السلام وقد تتلمذ في خراسان للشيخ لقمان الصوفي الشهير ودرس علي احمد البوي الشهير، توفاه الله سنة 738 هــ في عهد السلطان خذا وندكار في قرية (قرشهر). ودفن في محل سمي باسمه (حاجي بكتاش) ومازال مرقده مزارا يؤمه اهل التصوف وقيل أن المؤسس الحقيقي للطريقة البكتاشية هو (بالم بابا) المتوفي سنة 922هــ إلا أنه ذكر في بيان الأولياء علي أنه (البير الثاني) فيكون الحاج بكتاشي هو (البير الأول). وقد تأثرت البكتاشية بالحروفية تأثرا عظيما ولذلك فلفضل الله الحروفي وكتابه (الجاويدان) المقام الأسمى عند البكتاشية وقد تفشت هذه الطريقة في الأناضول والبلقان فدان بها الألبانيون، وعندما حصل لهم الاتصال الوثيق بالإنكشارية صاروا لهم بمثابة الأئمة، بل أنهم كثيرا ما يطلق اسم البكتاشية علي الانكشارية فيقال لهم (اتباع الحاج بكتاش) .

البكتاشية يحبون الإمام علي حبا مفرطا ويبجلون الأئمة الأثني عشر تبجيلا عظيما سيما الأمام جعفر الصادق ويرددون كلمات الله محمد علي .

البكتاشي إذا أخطأ أو ارتكب إثما هرع إلي (البابا) واعترف له بما ارتكبه وتلقي منه المغفرة،. و البكتاشيه طريقة صوفية لا يتيسر الانخراط في سلكها إلا بعد مضي مدة التجربة وهي ألف يوم ويوم. و الشبك يكررون في اجتماعاتهم لفظة ألف الله محمد علي تكرارا مستمرا متواليا في جميع أذكارهم وأورادهم وأدعيتهم.

أما القزلباشية فكانت في بدء نشأتها تسمي (الصوفية) نسبة إلي مؤسسها قطب الأقطاب صفي الدين إسحق الأردبيلي المتوفي سنة 730 هــ وهو الجد السادس للشاه إسماعيل الصفوي . هذا وقد سميت الطريقة الصفوية بــ (القزلباشيه) في عهد الشاه إسماعيل الصفوي حينما التفت حوله قبائل استاجلوا، وشاملو، وبنكلوا، وبهارلو، وذو القدرة، وفجر، وافشار، فألبسهم الطرابيش الحمر فسموا القزلباش و(القزل) هو الأحمر بالتركية و(الباش) الرأس.

والقزلباشية فرقة دينية انتشرت في بر الأناضول وتعتبر شيعية المذهب في نظر المسلمين وهي تقارب كل المقاربة نصيرية سورية وهم يسمون أنفسهم العلوية أي من فرقة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وبين القزلباشية أكراد وأخرون هم ترك وأغلبهم لا يتكلمون إلا التركية .

وفي أفغانستان يسمي القزلباشية مهاجرين من الأصل التركماني ويعتبرون مع(الطاجيك) و(النهدكي) أهم عناصرالطبقة المتوسطة وقد جاءوا إلي تلك الديار من فارس(إيران) بعد نادر شاه الذي أسكنهم في كابل وفي عدة ولايات أخري ليكونوا حماة لها يذودون عن حياضها، وهم لا يختلطون بسائر السكان.

كما ورد في دائرة المعارف الإسلامية، بأن أغلب موظفي البلاط في كابل وسائر الدواوين يؤخذون منهم، وفي هرات بيدهم التجارة والصناعة، ويتكلمون الفارسية وبينهم من يتكلم التركية، عددهم في افغانستان كان في منتصف القرن العشرين 75000.

أما في باب العبادات فالشبك شيعة وسنة مسلمون متمسكون بأركان الدين الإسلامي الحنيف ويؤدون فريضة الصلاة كسائر المسلمين ويصومون رمضان، كما أن الشبك الشيعة بالإضافة إلي صوم رمضان فإنهم يصومون تسعة أيام من شهر محرم الحرام، وهم يزكون أموالهم والشبك الشيعة يدفعون إلي سادتهم خمس الجد. والشبك يقومون بتأدية فريضة الحج إلي الديار المقدسة ، ويزور الشبك الشيعة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء وسامراء وبغداد وكل أضرحة الأئمة علي امتداد العراق. وتنتشر الجوامع وبعض الحسينيات في معظم قرى الشبك والباجلان تقام فيها الصلوات الخمس وخطبة الجمعة، وما تقاعس واهمال البعض لبعض الفرائص الإسلامية ووجود بعض الغلاة سابقا في مجتمع الشبك والباجلان كسائر المجتمعات الأخري في أرجاء المعمورة إلا حالات استثنائية .

ويخلص الباحث أدهام عبد العزيز الولي إلي القول بأن الشبك هم شيعة مندمجون بمجتمع سني .

أما الحديث عن ( الكلبنك ) والمتكون من كلمتين ( كول – بنك وتعني كول–زهر،أما بنك فتعني صوت بالفارسية وتكتب الكلمة أحيانا – كلبند كما اوردها الشيخ ياسين العمري في الـدر المنثور في اخبار حصار الموصل) ، أو ( البويوروق ) بمعنى ما يتفضل به ، وهو مكتوب بلغة تركية شدية الشبة بلغة الشبك الحاليـــة ، وله تسمية أكثر شيوعاً هـــو ( كتاب المناقب ) .

والحقيقة أن هذه الكتب هي ليست كتب مقدسة ، وإنما هي عبارة عن الترانيم الدينية والأناشيد المكتوبة بلغة الشبك ، وقد أيد هذا المؤرخ العراقي سعيد الديوه جي عند لقائي به بتاريخ 14/5/1995 ، كما أيد هذا الأستاذ عبد الله الملاح عند لقائي به في بغداد بتاريخ 4/6/1995 بحضور السيد أكرم الصفار ، كما أيــــد ذلك أيضا الشيخ حكمت بن الشيخ حسين وهو من الشبك وخطيب جامع الفيصلية بالموصل عند لقائي به في الموصل بتاريخ 13/ 5 / 1995 ، وقد استشهد في شهر أيلول من العام 2005 إثر انفجار عبوة ناسفة قرب الحسينية في الموصل وضعت ممن لاذمة لهم ولادين ولاضمير .

ولم يؤيد أحد ماذهب اليه الغلامي في كتابه من أن كتابهم يدعى ( البرخ )، حيث أجمعت الآراء أن تصحيف كلمة البويوروق هي البرخ .

وهذا الكتاب الذي افترى بعض عليهم وصيروه كتابا مقدسا لدين مبهم يدين به الشبك، ماهو إلا التعاليم الروحية لشيخ الطريقة الصوفية ، وكان الصراف قد بذل جهداً في سبيل الإطلاع عليه والحصول على نسخـــة منه /، فحصل عليه حيث يبدأ الكتاب بما يلي : “ هذا كتاب مناقب شريف قطب العارفين حضرت شيخ صفي قدس سره العزيز “ .

ومن الاطلاع على الكتاب المذكور يتضح للقاريء أنه حوار بين الشيخ صدر الدين وبين الشيخ صفي الدين حول آداب الطريقة الصوفية ، ويتضمن الحوار وصفا عاما لصفات المرشد وسلوك الطالب ، وتفسير من لاتقبل صلاته ، وشرح لمعنى السجود لله ، وواجبات الطالب ، وخضوعه لاستاذه المرشد واطاعته له ودرجات الأولياء وصفاتهم ، وتجنب مخالطة اعداء الطريقة الصوفية وكيفية المحبة بين الطلاب انفسهم ، وكتم العقيدة عن منكرها أو معاديها أو عن المنافقين ، وكيفية تعامل الطالب مع أفراد أسرته ، وتفسيرا جميلا لمعنى الأمانة التي عرضها الله سبحانة وتعإلي على السماوات والارض فأبين أن يحملنها فحملها الإنسان ، وبعد ذلك شرح مفصل لسلوك الطالب ومعنى المروءة ومحبة الاولياء وعلاقة التكامل لدى الطالب ، ومقامات الطلاب ، وبعد ذلك يتبع بحث خاص في شروط الخلافة وخاصيتها ومعناها ، ومقام الوصاية وتوجيه معنى الوحدة والخدمة والإرادة والأمانة والسلامة والدولة والسعادة والسخاء والغيرة والعبرة والحرمة والصحة والمروءة والشفقة والإقرار والإيثار والتولي والتبري ، وقد خلص الكاتب إلي كون مؤلف كتاب ( المناقب ) هو أحد المرشدين من كبار الطريقة القزلباشية ، وأنه كان معاصراً للشيخ صدر الدين ومن تلامذتــــه ومريديه ، كما أنه لم يستطع معرفة ما إذا كان كتاب ( البرخ – أو البويوروق ) هو نفس كتاب المناقب ، أم المناقب هو غير كتاب البرخ .

وعلى هذا الأساس نستطع أن نتعرف على كتابين معتمدين لدى الشبك قديماً ، كما علمنا هما كتاب البويوروق أو البرخ كما أسماه الغلامي ، وكتاب الكولبنك .

الكتاب الأول هو تفصيل لآداب الطريقة الصوفية وشرح لهذه التفاصيل ووجهة نظرها لقضايا وأمور حياتية تهم الإنسان وهي اعتيادية ، والكتاب ورد على شكل حوار ، أما الكتاب الثاني فهو عبارة عن أِشعار صوفية تتغنى في حب النبي و آل بيت النبي ، يستخدمها البير والرهبر في المناسبات الدينية ويحفظوها عن ظهر قلب . ( 35 )

وكتب شاخه وأن في مجلة سه ر هلدان دراسة تاريخية ولغوية تتعلق بالشبك يقول فيها عن ديانتهم :

“ وإن كانت الديانة لا تؤثر على الانتماء القومي للفرد ، ولكن رغم ذلك حاول أعداء الكرد عن طريقها وبشتى الوسائل الأخرى تشتيت الكرد ، بغية تحقيق أهداف سياسية استعمارية ، فقد حاولوا تشويه الديانة عند الشبك بهدف إبعادهم عن جيرانهم من العشائر الكردية المسلمة وبالتالي إبعادهم عن الكرد .

لقد اتهم الشبك بالقزلباشية ( العلي اللاهية ) ، وتم خلط الصارلية ( الكاكائية ) بالشبك وغيرها من التهم ، والحقيقة أن جميعها باطلة لا أساس لها من الصحة ، فالقزلباشية لا وجود لها بين الشبك ، وإنما هناك قريتان في منطقة الشبك هما ( تيس خراب كبير وتيس خراب صغير ) تسكنها القزلباشية من عشيرة البيات التركمانية ، وهم يتقنون اللهجة الشبكية ، وهذه العشيرة ( أي البيات ) كانت أحد العشائر التي قدمت الولاء والطاعة لحيدر الصفوي مؤســــس القزلباشية ، لهذا ناشــر كتاب ( مذكرات مأمون بلد بن بيكه بك ) عصمت يارماقز يقول بهـــــذا الصدد ( القزلباش – سرخ سر ، احمر الرأس ) هو أتباع الشيخ حيدر بن الشيخ حبيب الصفوي ... السني الورع ، انحرف الشيخ حيدر عن مذهب السنة فاعتنق المذهب الشيعي وغالي فيه لإرضاء أتباعه ، فأمر أتباعه أن يتعصبوا بعصابة حمراء ذات أثنتي عشر عقاصة بعدد الأئمة الأثني عشر ، مدعين انهم يتأسون في التعصب بهذه العصابة بالإمـــام علي بن أبي طالب الذي تعصب في حـــــــــرب صفين بعصابة حمراء ( فلقبوا قزلباش ) ، وقد كانوا متألفين من سبع قبائل تركمانية ، شاملو ، أوستاجلو ، تلكو ، روملو ، بيات ، أفشار قاجار ، وقبائل أخرى ) ، ويقول البدليسي في الشرفنامة أن أمراء البيات كانوةا قواداً أو حكأما في الدولة الصفوية ، حيث أن أحد أمرائهم المدعو اغور لوبك البياتي كان حاكماً على همدان في عهد الشاه عباس

والبيات يتكلمون فيما بينهم التركمانية ، ويتكلمون الشبكية والعربية خارج بيوتهم ، وهكذا هم في مندلي ، حيث يذكر محمد جميل روز بياني في المجلد السابع – مجلة المجمع العلمي العراقي – الهيئة الكردية ، أن البيات يتكلمون فيما بينهم اللغة التركية المغولية ، وفي مابين الأهالي اللغتين الكردية والعربية ، ثم أن كتاب القزلباش مكتوب بلغة تركية صعبة يسمى ( بيورن ) أي تفظلوا ، ليس بمقدور الشبك قراءته أو فهم محتواه لكونهم لايتقنون اللغة التركية ، أما تاريخ سكنهم في المنطقة فأعتقد أنه كان بعد طرد عشيرة البيات من منطقتهم قرب بدرة وجصان من قبل أمير لورستان شاوبردي فقد جاء في كتاب مذكرات مأمون بلد بصدد تفسير كلمة البيات ( بيات كانت قلعة في لورستان قريبة من بدرة تسكنها عشيرة البيات الترك خربها شاوبردي أمير لورستان وطرد منها البيات فانتشروا ، فاستوطن قسم منهم البيات الحالي في قضاء طوز خرماتو .

أما خلط الشبك مع الصارلية فإنه أكبر خطأ وقع فيه الكتاب والباحثون ويعود إلي وجودهما في منطقة واحدة وتقارب لهجتهما لأنهما ينتميان إلي اللهجة الكورانية ، صحيح أن علاقة الشبك بالصارلية جيدة ، ويسودها تفاهم واحترام ، ولكن لايمت الشبك بأية صلة إلي الديانة أو المذهب الصارلي ، حيث لاوجود للمصاهرة بينهما ، رغم الجوار الطويل والروابط الجيدة ، ثم أنهم لا يشتركون ( أي الشبك ) مع الصارلية في السكن إلا في قرية واحدة فقط هي قرية كبرلي .

ونستدل مما سبق أن الشبك ليسوا بصارلية ولاهم قزلباش وإنما ديانتهم كديانة بقية المسلمين ، إسلاميـــة بمذهبها السني والشيعي ، فأما السنة فهم يسكنون قرى ياريمه ، عمر قابجي ، خرسيباد ، فاضلية ، كانونه ، سماقية ، خويتلة ، اورطة خراب ، بعويزه ، ديرك ، ابو جربوعه ، وهم اكثرية في قرى بازوايا ، كوكجلي ، تلياره ، وطوبزاوة ، وكذلك يوجد بعض السنة في باقي القرى الشبكية ، واكثرية سكان القرى السنية هم من عشيرة الباجلان ، ويسكن فيها أيضا قسم من سكان المنطقة الأصليين ، وعوائل نزحت إليها عشائر كردية مجاورة لأسباب معينة خاصة بها ، فأنصهرت مع الشبك ، ومن هذه العشائر كيز، زنكنة ، داودية ، زيدك ، روز بيانية ، وقسم من عشائر الأيزيدية (الداسنية ) التي استسلمت اثناء هجوم امير محمد بن مصطفى أمير أمارة حوران المعروف ب ( باشاكه وره ) أو الأمير الكبير ، وبعض العوائل الدوسكية والأورماريه والبريفكانيه وبعض العوائل من العشائر العربية والتي لايتجاوز عددها الخمسون عائلة . والمذهب السني عند الشبك هو مذهب الامام الشافعي كما في العشائر الكردية مع تأثير جزئي للمذهب الحنفي المذهب السائد في مدينة الموصل . أما المذهب الشيعي فهو المذهب الأثني عشري كباقي الشيعة في العراق ، فهم يقدسون مزارات الأئمة في كربلاء والنجف ، ويزورونها في مناسباتهم الدينية ، وقد كانوا إلي وقت قريب يقيمون الشعائر الحسينية في المحرم ( قبل منعها من قبل الحكومة العراقية البائدة ) ، كما ان لمحرم حرمة خاصة عندهم.”( 36 ) .

يتميز العراق ليس فقط في تعدد الأديان التي يدين بها أهل العراق ، وليس فقط في التنوع القومي الذي يضم ابناءه من العراقيين من العرب والكرد والتركمان والكلدان والاشوريين والأرمن ، وانما تميز أيضا بالتنوع المذهبي بين المسلمين ، ويختزل الباحث الدكتور رشيد الخيون الشراكة بالوطن ضمن أديان ومذاهب العراقيين فيقول :

“ مذاهب الإسلام هي الشيعة: يصعب معرفة مؤسس لهذا المذهب على وجه التحديد، لأنه بدأ حركة ظهرت بوادرها بين المسلمين أثناء سقيفة بني ساعدة، عند وفاة النبي محمد مباشرة، ثم تبلورت أكثر عند الالتفاف حول الإمام الحسين بن علي وبعد مقتله، ولعب الإمام جعفر الصادق دوراً كبيراً في بلورتها كمذهب فكري وفقهي، ومنشأ المذهب كما يبدو العراق، والتشيع العراقي يختلف عن التشيع الصفوي الإيراني في العديد من الامور، ففي العراق احتفظ بكيانه الفكري خارج أروقة السلطة بينما أصبح التشيع الإيراني سلطة وما زال، وما يعنيه التداخل بين السلطة والدين أو المذهب، فالأول احتفظ بأصالته العلوية بينما دخلت إلي الثاني هموم الامبراطورية. انقسمت الشيعة في تاريخها إلي عشرات الفرق، ظهر منها الإسماعيليون، والعلويون النصيريون والإمامية، وهو المذهب الشيعي الرئيس بالعراق اليوم. وآخر انفلاق فيها ظهر بين الإخباريين والأصوليين ثم ظهرت الشيخية التي لها وجود ملحوظ بمدينة البصرة اليوم.
وانقسم الإسلام السنّي، من الناحية الفقهية والفكرية، إلي تيارين رئيسين، هما أهل الرأي، وأهل الحديث. وتبلور المذهب الأول من مقالات الإمام أبي حنيفة النعمان (150هـ) الممتدة إلي خلفية فقهية كان روادها عبد الله بن مسعود (ت32هـ) وإبراهيم النخعي (ت96هـ) وحماد بن أبي سليمان(ت120هـ)، والأخير كان أستإذا لأبي حنيفة مدة 18 عاماً، والمشترك بين هؤلاء أنهم مقلون في رواية الحديث، وبالتالي يتقدم عندهم الرأي على النص. انتشر المذهب الحنفي بالعراق بعد تبوؤ قاضي القضاة أبي يوسف منصب القضاء زمن المهدي وقيل زمن الرشيد، وظل مذهباً للدولة العباسية لم ينافسه مذهب آخر حتى ظهر المذهب الشافعي، وعلى ما اعتقد أنه أكثر المذاهب قدرة على الانفتاح، ولديه أحكام مريحة لأهل الأديان الأخرى وللمرأة والحرية الاجتماعية، ولا زال يؤلف الأغلبية السنّية بين عرب وتركمان العراق.

وتمثل أهل الحديث بالعراق بالمذهبين الشافعي والحنبلي. أنشأ المذهب الأول الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ)، وكان إلي حد ما يمثل الوسط بين أهل الحديث وأهل الرأي، وأخذ ينتشر بالعراق على يد القضاة الشافعيين، ونصره أصحاب الحديث كثيراً، وفي مقدمتهم الإمام أحمد بن حنبل. وينقل عن الشافعي أنه قال: (سُميت ببغداد ناصر الحديث) (ابن عساكر، تاريخ دمشق، 51 ص 343). والنصرة عادة تعني أن هناك هزيمة، وهذا ما تعرض له أهل الحديث على يد أهل الرأي والمعتزلة. فما كان يخشاه هؤلاء خسارة ما حققوه في ظل خلافة هارون الرشيد، مثل إبعاد البرامكة وإلغاء مجالس المناظرات التي كان يرعاها الوزير جعفر بن خالد البرمكي، يُضاف إلي ذلك قدرة المذهب المنافس، المذهب الحنفي، على دعم الحركة العقلية والفرق الكلامية، لذا أصبح الحنفيون قريبين من الاعتزال في أُصول الدين، بينما اتخذ الشافعيون مقالات الأشعري أُصولاً، وما فيها من تراجع عن الاعتزال الذي كان يتبناه المتكلم المذكور، حتى أصبح من المتعذر، أيام السلاجقة، الفصل بين الشافعي والأشعري، لذا أصبحت مدارس الفقه الشافعي مكاناً للتبشير بمقالات الأشاعرة.

قال أبو العلاء المعري في نقد أتباع مدرسة الحديث وتقليد النص:

وينفر عقلي مُغضـباً إن تركته سدىً واتبعت الشافعي ومالكا

بلغ المذهب الشافعي أوج مجده زمن سلطنة السلاجقة ببغداد، وقد تحول هؤلاء الحنفيون بالأصل إلي الشافعية عبر وزيرهم نظام المُلك (ت485هـ)، الذي جعل مدرسته النظامية مغلقة للمذهب الشافعي والأشعري. حالياً، المنطقة الكوردية قاطبة على المذهب الشافعي، ومَنْ تواجد من التركمان بأربيل شوافع أيضاً، وكذلك سامراء ومناطق من غربي العراق تعتقد بهذا المذهب، وكانت شط العرب تعتقد المذهب الشافعي.

لفترة طويلة لم تتبلور آراء ابن حنبل مذهباً فقهياً، وظلت أقرب إلي الحركة أو التيار من المذهب، لكن التمسك بالنصوص والأشخاص والعودة إلي الأُصول أو السلف المؤثرة في مزاج العامة جلبت لابن حنبل والحنابلة عموماً كثرة الأتباع من الغوغاء، فكان لهم وجود مؤثر في الحياة السياسية، حتى اضطر بعض الخلفاء إلي تملق الحنابلة، واشتهرت ببغداد الفتن بين الشافعية وبين الحنابلة، ووصل الأمر إلي العراك بالآجر. وكان الاختلاف الفكري الذي لم تدركه العامة بين الأشاعرة والحنابلة حول الصفات، مع أن أبا الحسن الأشعري جعل نفسه من اتباع ابن حنبل في قضية الصفات ورفض مقالة خلق القرآن.

كان المذهب الحنبلي الذي تطور على يد ابن تيمية ثم ابن قيم الجوزية، ووصل إلي قمة تشدده على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلي مصاف الفقه مذهب حديث لا فقه، وإمامه محدث لا فقيه، هذا ما ذهب إليه المؤرخ والمفسر محمد بن جرير الطبري، وحصل ما حصل له من قبل العامة. لم يستمر المذهب الحنبلي ببغداد ولا بمدن العراق الأخرى ماعدا منطقة الزبير على مشارف الصحراء، فلم ينجح الشيخ ابن عبد الوهاب في بث دعوته بالبصرة قبل بثها بنجد، وكان قد درس ببغداد.

أما الكاكائية، فهي بالأصل فرقة جمعت بين التصوف والتشيع إلي حد العلي إلهية، وللاسم علاقة بالكلمة الكوردية كاكا، أي الأخ الأكبر، أي لها علاقة ما بظاهرة الفتوة. وفي رأي آخر، كانت (الكاكائية بالأصل طريقة صوفية سواء من ناحية التنظيم أو المنشأ التاريخي) (خورشيد، العشائر الكوردية، ص 89)، مؤسسها هو سلطان اسحق بن عيسى البرزنجي. جاء ذلك مطابقاً لما قاله المستشرق الروسي فلاديمير مينورسكي حول العلي إلهية: (وأما كشف الأسرار، فلم يتم في عهد ألوهية علي، وإنما بعده، فقد حدث في عصر بابا خوشين والسلطان اسحق، ومما تجدر الإشارة إليه هو أن الألوهية ـ في نظرهم ـ قد رضخت إلي رئيس الملائكة التي كانت تقترن بها) (الأكراد ملاحظات وانطباعات، ص81). وهذا ما يؤكد تأثيرات أيزيدية في طقوسهم، تتواجد الكاكائية بكركوك والموصل ومناطق من السليمانية وأربيل بعيداً بين الجبال.

لم أتكلم عن الشبك، لأنهم قبيلة كوردية، منها السنة ومنها الشيعة، وما حبره فيهم أحمد حامد الصراف في كتاب (الشبك) غير مقنع، لأنه حكاية عن شخص لا بحث في قوامهم وتركيبهم.

المندائية ديانة ذات أُصول عراقية، لكن لا يمنع ذلك من تواجد فرقة منها مثل الأسينيين بفلسطين وأخرى بحران، لذا من الصعوبة أن نتحدث عن هجرات مندائية، وإن كان الاعتقاد الديني ولا يزال أنهم جاؤوا من جزيرة سندريت بسيلان الهندية في سفينة يقودها سام بن نوح. وسندريت حسب المصادر الإسلامية أنها جبل هبط عليه آدم، وهو (همزة وصل بين السماء والأرض). تختلف إحصاءات المندائيين من فترة إلي أخرى، لكن الذي يطمأن له اليوم أنهم يعدون مائة ألف نسمة، منهم خمسة وعشرون ألفاً بالأهواز وخمسة وعشرون ألفاً أخرى خارج العراق، وخمسون ألفاً داخل العراق، النسبة الأكبر منهم ببغداد ثم البصرة ثم العمارة.

ديانة أخرى اشتبكت المصادر حول أُصولها، فمثلما ابتلي المندائيون برواية أنهم نصارى منحرفون ابتلي الأيزيديون برواية أنهم مسلمون مرتدون، يحل تأديبهم أو قتلهم، وبهذه الحجة وغيرها صدرت فتاوى قتل عديدة ضدهم. يبدو أن أول مصدر إسلامي ذكرهم هو كتاب (الأنساب) لعبد الكريم السمعاني (القرن السادس الهجري)، وقد لفظ اسمهم باليزيدية، فسار الآخرون عقبه في هذه التسمية. معروف أن مضارب الأيزيدية هي الموصل ودهوك، ويقع معبدهم في وادي لالش المقدس. لا أظنهم يؤمنون بوجود كائن يدعى الشيطان. قال لي أحد شيوخهم وأنا أقلب ناظري في سقف المعبد: (نحن من أتباع النبي إبراهيم، وهذه الكتب ليست كتبنا الحقيقية وإنما لفقت في فترة من الفترات، ونحن لا نؤمن بوجود الشيطان، وإنما هو الله الواحد للخير والشر). فهم أيزيدون أي إلهيون أتباع الله أيزيد أو يزدان حسب لسانهم.

تأثرت طقوس الأيزيديين بطقوس الأديان الأخرى، فكانوا متأثرين على الدوام، ذاك لقلتهم وبداوتهم وحداثة كتابيهما المقدسين (مصحف رش) و(الجلوة) نسبة إلي قدم الكتب الدينية الأخرى، بعد فقدان كتبهم الأصلية حسب ما يقال، إضافة إلي تقوقعهم في البيئة الجبلية واستقبالهم لزائرين من الأديان المختلفة. لكنهم أخضعوا الطقوس التي تأثروا بها لعقائدهم التي تبدو قديمة جداً. تناقضت الآراء حول تاريخهم وطقوسهم رغم أن أغلب الذين كتبوا عنهم قاموا بزيارتهم والاختلاط بهم، وكثير منهم حضر شعيرتهم الكبرى المتمثلة في مهرجان السناجق السبعة.

وفيما يخص تسميتهم، يصر الآخرون كباحثين ودوائر رسمية على تسميتهم باليزيديين، رغم تأكيد عدم الصلة بأي يزيد كيزيد بن معاوية أو يزيد بن أنيسة أو يزيد بن عنيزة (قيل أن شيخ عدي كان يمثله)، وتبدو هذه التسمية محرفة عن الإيزيدية لسهولة التلفظ بها من جهة ومن جهة أخرى لرسوخ الاعتقاد الخاطئ حول صلتهم بيزيد بن معاوية. يربو عددهم اليوم على نصف مليون نسمة. أما حكاية أصلهم العربي أو الأموي فلا أصل لها على الإطلاق. “ (37 )

وهناك من يخلط بين التزامهم المذهبي وبين قوميتهم فيذكر بعض الكتاب كونهم يشبهون معظم الطوائف الغالية التي حاولت أن تعطي معتقداتها العراقية الشامية الأصيلة بتلاوين مسيحية أو إسلامية مثلما فعلت الطائفة الشبكية وغيرهم وهذا الزعم لاسند له من الصحة ، ويدلل على قصور في الفهم وعدم معرفة بحقيقة الشبك كمجتمع ، ومن خلال السطحية في معرفة هذا الواقع تنطلق كتابات تخلط بين الشبك كمذهب أو كقومية وفي هذا الخلط نتعرف على القصد المبني على استناجات لاسند لها في حقيقة الشبك .

كل هذه الالتزامات كانت قديما منتشرة بين مجتمع الشبك ، بالنظر لانغلاقهم ومحاصرتهم ضمن مناطق سكناهم ، بالإضافة إلي قلة الثقافة وصعوبة المواصلات وانتشار الامية بينهم ، أما بعد ان تطور الزمن ووصلهم العلماء ورجال الدين المصلحين وتوضحت لهم أسس الديانة الإسلامية ، والمذاهب الإسلامية المتعددة والتي تتفق على الأسس العامة للدين ، انقاد الشبك بأكملهم إلي هذه المذاهب ، وأصبح عدداً منهم فقيه في الدين وخطيباً في الجوامع ، يعمل على إرشاد الناس وصلاحهم وهدايتهم وتبصيرهم بدينهم وديانتهم ، وصار الأغلبية منهم يلتزمون بالمذهب الجعفري الاثنا عشري ، وتمسك بعض منهم بالمذهب الشافعي ، وصار الجميع دون لبس أو غموض دستورهم الإســـلام وكتابهم القرآن ورسولهم محمد بن عبد الله ( ص ) ، وصلاتهم صلاة المسلمين بأوقاتها الخمسة ، يحجون إلي بيت الله الحرام ويؤدون الفرائض التي فرضها الإسلام، وشعورهم اليوم شعور أي مسلم يعتز بدينه ويتمسك بدستوره .

ويقول المرحوم المؤرخ سعيد الديوه جي في اللقاء الذي اجريناه معه في الموصل بتاريخ 14 /5 /1995 بالعلماء الشيعة أدوا دورا مشرفا في تبصير الشبك في المنطقة ، وأخذوا من أولادهم لتدريسهم الفقه وأصول الدين في المدارس الدينية بالنجف وكربلاء والكاظمية ، ليعودوا إلي أهاليهم ومنطقتهم متمسكين بتعاليم الدين الحنيف ، ولعل الدور المهم الذي قام به المرجع الديني المجتهد السيد أبي الحسن الموسوي في الأربعينات من القرن الفائت ما يشكل جهدا متميزا وكبيرا وملحوظا في إنقاذ الشبك من الزيغ والمروق ، في إصراره على قدوم سلسلة من الشباب من الشبك للدراسة على نفقة المرجعية ، ومن ثم العودة للهداية والإرشاد في قراهم ، وقد أيد هذا القول الشيخ حكمت بن الشيخ حسين في لقاء أيضا. ويبدو أن الشبك قديماً تأثروا بالطريقة الصوفية البكتاشية ، التي كانت منتشرة أسوة بكل الفرق والطرق الصوفية ، فتأثروا بها تأثيراً ملحوظا ، ثم عادوا متخلصين من كل عوالق الطرق الصوفية والانحرافات التي سببتها ، لذا فإن كل ما نسمعه عنهم من افتراء يجافي الحقيقة وإن كان بعض الزيغ فهو مجرد ذكرى انقضت لايتذكرها أحد ، إذ أنهم اليوم يتمسكون إن العقيدة الدينية تنحصر في قضايا خمس :

1 ـ معرفة الخالق والاعتقاد به .

2 ـ معرفة المبلغ .

3 ـ معرفة ما تعبد به ، والعمل به .

4 ـ الأخذ بالفضيلة ورفض الرذيلة .

5 ـ الاعتقاد بالمعاد والدينونة

وأساس الإيمان عند المسلم التوحيد ، والنبوة ، والمعادوالدعائم الأساسية التي يستند عليها الأسلام الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ، والجهاد



الفصل الثالث
لغة الشبك

يتحدث الشبك باللغة الكردية وبلهجة قد تختلف عن لغة الأكراد ، إذ يبدو هناك تأثير واضح المعالم في اللهجة إلي اللغة الفارسية والتركمانية ، وغالباًَ ما تتأثر اللغات ولاتحتفظ بنقاوتها وفق مراحل الحياة الاجتماعية للمجموعة البشرية التي تستعمل تلك اللغة ، غير ان لهذه اللغة أساس ، إذ لايمكن أن تكون اللغة هجينة ، أو مزيج ، مع أن العديد من الآراء اختلفت في اللغة التي يتداولها الشبك في العراق .

يقول ستيفن همسلي لونكريك احد ضباط الحملة البريطانية على العراق أن الشبك يتحدثون بلهجة كردية محلية ( 38 ).

بينما يقول الباحث الهولندي الدكتور ميشيل ليزيرك أن كل مجموعة من الشبك تتميز بلهجتها المحلية الخاصة ، وأغلبها يتحدث ترتبط بشكل أو بآخـــــــــــر باللهجتين الكورانية أو الهورمانية أو لهجة ( ماجو ) – بتضخيم الجيم - ( 39)

ويعدهم الباحث الدكتور رشيد الخيون يتحدثون اللغة الكردية ضمن كتابه الأديان والمذاهب بالعراق المشار إليه سابقاً ، بينما يؤكد ( شبكي ) أن اللغة التي يتحدث بها الشبك كردية لاتقل نسبة مفرداتها عن 70 % من المفردات التي ينطقها أكراد شمال شرق العراق إن لم نقل أكثر من ذلك، والشبكي بإمكانه التفاهم بشكل سهل مع أكراد منطقة هورمان على سبيل المثال ، وإضافة إلي أن الشبك يحتفظون ببعض الكلمات الكردية القديمة التي لايعرفها إلا من يقرأ تاريخ الكرد حتى أن كثيرا من الكرد يعتبرون لغة الشبك هي الكردية القديمة التي امتزجت بالتركية والعربية والفارسية لأسباب ساتناولها باقتضاب، فافتقرت إلي الصرف والنحو إضافة إلي أن الشبك لم يستعملوا لغتهم في الكتابة لأسباب سياسية، أما المفردات العربية فيعود حضورها في لغة الشبك لسبيين رئيسيين، الأول كونهم مسلمون عليهم تلاوة القرآن والثاني لأختلاطهم عدة قرون بالعرب، أما المفردات التركية فالشبك كالعرب في بلاد الشام والعراق ومصر وغيرها اكتسبوها أبان الحكم العثماني، إضافة إلي أن بعضاً من الشبك كان يعتنق المذهب البكتاشي وهو تركي المنبع، أما بعض المفردات الفارسية ، فإضافة إلي كون اللغتين الكردية والفارسية لهما أصول مشتركة فإن قسماً منها ربما يعود إلي الجوار القديم بين عشائر الشبك والفرس” .

أما الصراف فيقول : في الفصل الثاني من كتابه حيث تناولت أبوابه نفوسهم ولغتهم وأصلهم وصناعتهم وقراهم وما إلي ذلك من أمور جوهرية يتوق لها القاريء حيث أورد أن الشبك جماعات من الأتراك تقطن في قري الجانب الشرقي من مدينة الموصل وعددهم علي وجه التقريب بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألف نسمة وهم مختلطون مع عشائر الباجلان الذين يسمون بالباجوان في الديار الموصلية والتركمان والأكراد والعرب والصادلية والنصاري، ولسانهم خليط من الكردية والفارسية والتركية والأخيرة غالبة علي لسانهم ويحسنون التكلم باللغة العربية بحكم اختلاطهم مع العرب في مركز محافظة نينوي (الموصل) .

وينقل الصراف وجهة نظر الدكتور داود الجلبي حول اللغة التي يتحدث بهاالشبك فيقول :

أنهم جاءوا من جنوب إيران ، ولكنهم لايعرفون متى جاءوا ؟ وكما لايعرفون سبباً لمجيئهم إلي ديار الموصل ؟ وفي رسالة منشورة في كتاب أحمد حامد الصراف للجلبي يقول فيها أن لسان الشبك خليط بين الفارسية والكردية والعربية والقليل من التركية ، والفارسية هي الأصل بلسانهم ولكن الدكتور الجلبي يظن أن لهجتهم أقرب إلي لسان ( البلوش ) .

بينما يرى الكاتب نصرت مردان أن كتاب (الكلبنك) الخاص بالشبك معناه والكلمة مركبة من كلمتين (كل) اي زهر و (بنك) صوت من الفارسية وتتصحف هذه الكلمة أحيانا في كتب العرب إلي (كلبند)، وهي القصائد التي نظمها شعراء الشبك وشيوخهم باللغة التركمانية الجفكائية في مدح آل البيت، وفي كتاب (بويروق ـ الأوامر) هو الكتاب المقدس لدى الشبك الذين يكثرون من الالتماس والاستغاثة في اذكارهم وأورادهم .

ونشر الكاتب ( شاخه وان في مجلة سه رهلدان ) الصادرة في أربيل العام 1955 دون معرفة العدد والتاريخ دراسة تاريخية لغوية مهمة نورد منها:

أن الدافع لكتابة البحث هو تناقض البحوث والآراء حول اصل الشبك وانتمائهم اللغوي وديانتهم ، وكذلك بعض الآراء غير العلمية من بعض المؤرخين وبعض المستشرقين .

ومما لاشك فيه أن هذه الآراء ليس لها مكان في مجال العلم والمعرفة كونها غير مدعمة بأدلة وبراهين علمية كانت ام تاريخية ، فهي أما ناتجة عن جهل لتاريخ الكرد ، وعدم الإلمام باللغة الكردية ولهجاتها ، أو كونها تسعى إلي تحقيق أهداف وغايات سياسية استعمارية .

كان لزاما على الباحثين والمؤرخين الكرد الرد على هؤلاء ، من خلال دراسة الموضوع دراسة علمية ، ولاسيما المواضيع التي تتعلق باللغة الكردية

ولهذا تم كتابة هذا البحث بالاعتماد على كافة المصادر المتوفرة لغرض توفير أكبر عدد ممكن من المعلومات التاريخية المعززة بحقائق علمية للخروج بنتيجة إيجابية في توضيح مجاهل المسألة ، وليكون ذلك دعوة للباحثين والمؤرخين لكتابة بحوث أكثر واقعية وعلمية بعيدة عن السطحية والأغراض السياسية ، عسى أن أكون قد وفقت لإلقاء قليل من الضوء على هذا الموضوع .

اختلف الكتاب والباحثـــون حول أصل الشبك وتاريخ استقرارهم في شمال شرق الموسط ، فهناك روايات لاداعي لذكرها كونها غير علمية وغير مستندة على شواهد وأدلة تاريخية ، ولكن ثمة روايات ثلاث بحاجة إلي الدراسة والبحث والتحليل وهذه الروايات :

الشبك هم بقايا عشائر جبل السماق في سورية ، والذين لم يستطيعوا اكمال مسيرهم إلي لورستان .

بقايا جيش نادر شاه الصفوي الذين حاصروا الموصل من عشائر لور الصغير وبعد اندحار أميرهم شاوبردي من قبل شاه عباس الصفوي نزحوا إلي الموصل .

نستدل من قول العلامة محمد أمين زكي في كتابه تاريخ الدول والإمارات الكردية في العصر الإسلامي ، أن العشائر التي ارتحلت من جبل سماق إلي لورستان لم تمر في منطقة الشبك الحاليــة ، حيث يقول استنادا إلي دائرة المعارف الإسلامية ( ج 3 ) أن “ هذه العشيرة الفضلوية بزعامة فضلوي وصلت أولاً – ميافارقين – ثم غادرت إلي اذربيجان وكيلان وهناك اتفقت مع ذيباجي حاكم كيلان ، واستقر بها المقام إلى أن كان عام 500 لهجرة حيث عادت فغادرت تلـــك البلاد إلي الهضبة الشمالية ( شيران كوه ) بلرستان ، كما أن هذه العشائر ليس لها وجود في الشبك، حيث ان العشائر التي هاجرت إلي لورستان من جبل السماق ، وكما جاء في نفس المصدر المنوه عنه أعلاه نقــــلا عن تاريـــــــخ (كزيره الفارسي ) ، هي “ اسوكي ، مماكونه ، لعله مماكونه ، بختياري ، دراسلي ، سكاسان ، راهديان ، علان ، الاني ، كونوند ، بي وند ، ندائي ، يواركي ، شنوبـد ، مالكي خاني ، هامي، هاروني ، اسكي ، كفي – كويي – شموس ولخوني ، كما كشي ، مامه سي ، اوملكي ، لبراوي ، دلكي ، تواني كيا ، مديحا كور ، كولاردا “ .

إضافة إلي توزيع الشبك والكوران ( العشيرة ) والصارلية ( الكاكائية ) بشكل طوق حول مدينة الموصل ، فإنها تدل على عدم صواب الاحتمال الأول ، وكما نستدل من توزيعهم بشكل طوق حول مدينة الموصل أن الشبك ليسوا بقايا جيش نادر شاه الصفوي ، حيث أن حصار نادر شاه لمدينة الموصل لم يستمر أكثر من أربعين يوماً ، ثم لايعقل هزيمة أو انسحاب جيش وبقاء قسم منهم محافظين على مواقعهم في أخصب الأراضي ، دون أن تحاول الدولة العثمانية طردهم منه ، كما وأن ثبات لعجتهم وأنصهار العشائر التي كانت تتكلم اللهجة الكرمانجية الشمالية فيهم والتي كانت تقطن المنطقة قبل مجيئهم ( اي الشبك ) اليها ، دليل على اصطحابهم عوائلهم ، فهذه ليست من عادة الجيوش حين الأغارة والغزو ، نستدل من هذا أنهم كانوا مهاجرين وليسوا غزاة ، بمعنى أن استيطانهم كان برضاء من سلطة المنطقة آنذاك فقد ذكر حمه خورشيد في مجلة المجمع العلمي الكردي العدد ( 2-3 ) 1975 نقلا عن ( Sir M- Row –Lnoon) أن السلطان مراد الرابع طرد الكلهر من زهاو وسلم أراضيهم للباجلان الذين جلبهم من الموصل .

وما هذا إلا دليل على ماقلناه من أن استيطانهم للمنطقة كان برضا من سلطة المنطقة اي الدولة العثمانية ) ، ودليل آخر على خطأ الاحتمال الثاني حيث أن عهد السلطان مراد الرابع كان قبل عهد نادر شاه الصفوي بحدود قرن من الزمن.

أن وجود الشبك والصارلية والكوران ( العشيرة ) في منطقة الموصل والذين التفوا حول الأمير اللري ( شاوبردي ) بعد هزيمته على يد شاه عباس الصفوي ، ثم عودته للقتال بعد ذلك واندحاره وهزيمته ثانية فلجوئه إلي الدولة العثمانية حسبما ذكر العلامة محمد أمين زكي في كتابه تاريخ الدول والإمارات الكردية في العصر الإسلامي ، يعني لجوء اتباعه أي الكوران إلي الدولة العثمانية وكان ذلك بين عامي ( 1600-1620 م ) ، وأن اختيارهم لمنطقة الموصل هي محاولة منهم كما يبدو للابتعاد عن نفوذ سلطة الدولة الصفويـــة ، وقد استهدفت الدولة العثمانية من توزيعهم بشكل طوق حول مدينة الموصل ( الشبك من نهر الخوصـــر إلي نهر الخازر ، والكوران من نهر الخازر جهة جبل مقلوب إلي الزاب الكبير ، والصارلية شرق الشبك وإلي الجنوب من الكوران ، أن تجعل منهم سداً أمام هجمات الدولة الصفوية لكونهم أعداء لها .

أما تسميتهم بالشبك فإنها على الأرجح أتت من كلمة شبانكاره ( شوانكاره ) حيث تحولت بمرور الزمن إلي التسمية الحالية ، والشبانكاره عشيرة حكمت لرستان ، وكانت قوة عظيمة في آخر عهد البويهيين ، واستناداً إلي ماورد في الشرفنامـــة فإن هذه العشيرة وأن حكمت لورستان فهي ليست لورية حيث تقول في معرض تعريفها للورو الشول والشبانكاره ( يتحدث القلقشندي 14/8/1411 عن طائفة اللور ......

وأما الشول ............

وأما الشبانكاره فهم أحسن من اللور طريقاً وأمن فريقاً ومنهم رعاية زمام وتمسك من الشريعة المطهرة بزمام ، وأن تسمية المنطقة كلها بمنطقة الشبك بالرغم من وجود الباجلان فيها ليعود إلي كون الباجلان عشيرة من عشائر الشبانكاره ) .

الشبك الاصلي :

يقطن الشبك شمال شرقي الموصل من نهر الخوصر من الغرب ونهر الخازر من الشرق ، وجبل بعشيقة وجبل زه ر د ك من الشمال ، وتعتبر منطقة الشبك بمثابة جسر يربط بين مدينة الموصـــل والمنطق الجبلية ( مناطق عقرة وشيخان ) وتضم 49 قرية مقسمة على اقضية الموصل والحمدانية وتلكيف ، وفيما يلي اسماء القرى الشبكية مع أسمائها القديمة المتداولة محلياً ، لكون أسماء أكثرها قد غيرت من قبل الحكومات العراقية ، إضافة إلي عدد نفوس كل قرية حسب تعداد عام 1977 .

أولاً : القرى التابعة لناحية بعشيقة – قضاء الموصل

ت الأسم الرسمي الاسم المحلي عدد النفوس تعداد 1977

1 كوكجلي كوك جليل 4464

2 بازوايا بازيوه 2652

3 أورطة خراب وه رته خراب 652

4 تلياره تلياره 571

5 ابو جربوعة باجربوع 1185

6 دراويش دراوج 791

7 كوري غريبان كورة قريبان 247

8 عمر قابجي أومر قابجي 1040

9 كانونة كاني نو 156

10 خور سباط خور سباد 894

11 باريمة شي كه ند 793

12 بايبوخت بايبوخ 489

13 طوبزاوة توبزاوة 1046

14 قره تبه قره تبه 1035

15 يه نكيجه يه نكيجا ـ

16 فاضلية فه دله ( فه ديله ) ـ

17 ديراك جنجي ـ

18 عباسية عباسي ـ

19 نوران نوران ـ

20 سماقية الشبك ورسيماق ـ

21 اربجيه أربه جي ـ



ثانياً : القرى التابعة لناحية برطلة – قضاء الحمدانية

1 باصخرة باصخرة 715

2 بازكرتان بازكرتان 456

3 يارمجة يارمجه 1660

4 طهراوة ته هراوة 1031

5 باشبتايه باشبيته 172

6 جليوخان جليوخان 394

7 خزنة تبة خزنة تبة 1196



8 علي ره ش علي ره ش 890

9 منارة شبك منارة 1055

10 خويتله خويتله 139

11 لك لك 237

12 شاقولي شاقولي 788

13 طبرق زيارة توبلة زيارة 166



ثالثا: القرى التابعة لناحية النمرود – قضاء الحمدانية



1 عمر كان أومر كان 696

2 قره شور قه ره شور 234

3 قرقشه قر قه شه 309

4 خرابة سلطان خرابة سلطان 239

5 جديدة ملا جديدة ملا ـ

6 تل يعقوب تل ياقوب ـ

رابعاً : القرى التابعة لناحية الكلك – قضاء الحمدانية

1 مفتية مفتية 38

2 بدنه صغير بدنه هوردي 131

3 بدنه كبير بدنه كه وره 302

4 زهرة خاتون زهرا خاتون 96

5 جمه كور جه مه كور 276

6 شيركان شيركان ـ

7 كبرلي كبرلي * ـ

*القرية الوحيدة التي تشترك فيها الصارلية السكن مع الشبك

خامساً : القرى التابعة لقضاء تلكيف

1 السادة سيد كه ل

2 بعويزه بعويزه

إضافة إلي ذلك فإن هناك مايقارب العشرون ألفـاً من الشبـــــــك يقطنون في مناطق ( عطشانة ، الفيصيلية ، النعمانية ، الزهور ، حي الكرامة ، حي الجزائر، النبي يونس ... الخ في مدينة الموصل ) .

أما عدد نفوس الشبك الكلي نسبة إلي تعداد عام 1977 مع أخذ نسبة النمو السكاني في العراق بنظر الاعتبار بين عامي 77- 93 ( عام نشر الدراسة)، فهو تقريباً 75-80 الف نسمة

ويورد الكاتب شاخه وان في القسم الثاني من دراسته المذكورة أعلاه أستعراض للهيمنة العربية والسلطوية على منطقة الشبك والاضطهاد النفسي الذي مارسته الأنظمة الحاكمة عليهم ، وابعاد العديد من العوائل الشبكية إلي خارج حدود منطقتهم ، وترحيل قسم كبير منهم سنة 1988 -1989 وإسكانهم في مجمعات قسرية في باسرمه وبازيان بعد تدمير منازلهم ، وإهمالها اهمالاً ملحوظاً ، بالإضافة إلي التعريب المستمر للشبك لإبعادهم عن أصلهم الكردي حيث تم تسجيلهم في إحصاء عام 1977 قسراً على أنهم عرباً ، وأن اللغة الكردية حفيدة اللغة الميدية والكرد أحفاد الميدين الذين سيطروا على مدينة نينوى عام 612 قبل الميلاد ، واللغة الكردية من اللغات الهندو إيرانية المتفرعة من عائلة اللغات الهندو أوربية .

وأن الظروف السياسية التي مرت بها كردستان واختلاط القبائل والعشائر الكردية بالأقوام والأمم الأخرى إضافة إلي الطبيعة الجغرافية الجبلية لكردستان أدت إلي تكوين أربع لهجات هي :

اللهجة الكرمانجية الشمالية

اللهجة الكرمانجية الجنوبية

اللهجة الكورانية

اللهجة اللرية

( كان من المفروض أن اللهجة الكورانية هي أقدم اللهجات الكردية أي أقرب اللهجات الكردية إلي اللغة الفارسية ، أن يكون ترتيب اللهجات الكردية بالشكل التالي :

آ ـ اللهجة الكرمانجية الشمالية ب ـ اللهجة الكرمانجية الجنوبية

ج ـ اللهجة اللرية د ـ اللهجة الكورانية

ولكن لكون اللهجة الكورانية الحالية هي أقرب اللهجات الكردية إلي اللغة الفارسية المعاصرة لأسباب عديدة منها : قرب منطقة سكنهم من منطقة الفرس وأعتناقهم المذهب الشيعي السائد في الفرس ، فقد قدمنا اللهجة الكورانية على اللهجة اللورية في تسلسل توزيع اللغات )

ويبدو أن هذا هو الترتيب الصحيح للهجات الكرديه ، لأن اللغة الكردية والفارسية تنتميان إلي عائلة اللغات الهندو إيرانية ، أي عائلة لغوية واحدة ، فبالإضافة إلي العوامل التي كانت سبباً في تكوين اللهجات الكردية ، يكون البعد والقرب عن اللغة الفارسية ومناطق سكن الفرس عاملاً آخر يضاف إلي تلك العوامل ، حيث نرى أن اللهجة الكرمانجية الشمالية هي ابعد اللهجات الكردية عن اللغة الفارسية واللرية هي أقربها ، ومكان تواجد الناطقين باللهجة الكرمانجية الشمالية هي أبعد من مناطق تواجد اللهجات الكردية الأخرى عن مناطق الفرس ، فحدود اللهجة الكرمانجية الشمالية تبدأ من جبال أرارات شمالاً والخط الوهمي الذي يمتد من الشاطيء الغربي الأوسط لبحيرة أورمية إلي الزاب الكبير وبشكل مواز له إلي مصبه في نهر دجلة جنوباً ، واللهجة الكرمانجية الجنوبية تبدأ من الخط الوهمي المذكور شمالاً وتنتهي عند الخط الفاصل بين كرمنشاه وخانقين مارا بقصر شيرين جنوباً . ومن خلال تقسيم اللهجات الكردية إن اللهجة الشبكية هي لهجة باجلان المتفرعة من اللهجة الكورانية ، حيث انه بمقدور الشبك التفاهم بسهولة مع العشائر الناطقة باللهجة الكورانية ، كالروزبيانية ، وعشائر الكوران في منطقة برده رش والعشائر الكاكائية والهورمانية ، كما أورد الكاتب مقاربة بين قسم من المفردات الشبكية والهورامانية المتطابقة . يقول محمد أمين هوراماني في مقالــــة ( نظرة عاجلة على اللهجتين السورانية والهورامانية ) في مجلة المجمع العلمي – الجزء الثاني العدد 202 سنة 1974 ، أن اللهجة الهورامانية هي حفيدة اللهجة الميدية ، أي اللهجة الأفستية ، وحيث أن اللهجة الهورامانية هي احدى اللهجات الكورانية ، وأن اللهجة الباجلانية ( لهجة الشبك ) هي أيضا أحى اللهجات الكورانية ومتقاربة تقاربا كبيرا مع اللهجة الهورامانية ، لهذا يعني أن اللهجة الشبكية هي كذلك حفيدة اللهجة الميدية ( لهجة الكرد القديمة ) ، ولكون اللغة الكردية تشترك في الأصل اللغوي مع اللغة الفارسية ، فإن وجود مفردات فارسية في اللغة الكردية بكافة لهجاتها ، واللهجة الشبكية واللهجة الكورانية بشكل خاص ، مسألة طبيعية لاتعني انتماء الكوران والشبك بشكل عام إلي الفرس .

وعلى سبيل المثال لاالحصر إن في مفردات اللهجة الشبكية مفردات اللهجة الميدية ( الأفستية ) ، كلمة ( هور ) أي ( شمس ) ، فهي كلمة أفستية قديمة فهي في اللغة الفارسية خورشيد أفتاب ، وفي اللهجـــة الكرمانجية الجنوبية ( خور ) ، وعند ملاحظتنا إلي الكلمات الثلاث نجد أنها كلمة واحدة عدا الحرف الأول منها فقد تغير من حرف ( الخاء ) في اللغة الفارسية واللهجة الكرمانجية الجنوبية إلي حرف ( الهاء ) في اللهجة الشبكية ، وهناك مفردات شبكيـــــــــة أخرى قد تحول فيها حرف ( الخـــاء ) في المفردات الكرمانجية الجنوبية إلي حرف ( الهاء ) أو إلي حرف آخر أو انه قد حذف منها في كلمات عديدة أوردها ضمن دراسته .

وينتهي الباحث ( شاخه وان ) دراسته بالقول : فالشبك وكما جاء في متن هذا البحث وبأدلة وبراهين علمية تاريخية لهجتهم لهجة باجلانية تنتمي إلي اللهجة الكورانية ، وهذه بدورها هي إحدى اللهجات الكردية الأربع ، ويعني هذا وبما لايرتقي اليه الشك أن الشبك هم كرد وأن لهجتهم تنتمي إلي اللغة الكردية الأم . أن اللغة التي يتحدث بها الشبك كردية لاتقل نسبة مفرداتها عن 70 % من المفردات التي ينطقها أكراد شمال شرق العراق إن لم نقل أكثر من ذلك، والشبكي بإمكانه التفاهم بشكل سهل مع أكراد منطقة هورمان على سبيل المثال، وإضافة إلي أن الشبك يحتفظون ببعض الكلمات الكردية القديمة التي لايعرفها إلا من يقرأ تاريخ الكرد حتى أن كثيراً من الكرد يعتبرون لغة الشبك هي الكردية القديمة التي امتزجت بالتركية والعربية والفارسية لأسباب تناولها الباحث باقتضاب ، فافتقرت إلي الصرف والنحو إضافة إلي أن الشبك لم يستعملوا لغتهم في الكتابة لأسباب سياسية، أما المفردات العربية فيعود حضورها في لغة الشبك لسبيين رئيسيين، الأول كونهم مسلمون عليهم تلاوة القرآن والثاني لاختلاطهم عدة قرون بالعرب، أما المفردات التركية فالشبك كالعرب في بلاد الشام والعراق ومصر وغيرها اكتسبوها أبان الحكم العثماني، إضافة إلي أن بعضاً من الشبك كان يعتنق المذهب البكتاشي وهو تركي المنبع، أما بعض المفردات الفارسية ، فإضافة إلي كون اللغتين الكردية والفارسية لهما أصول مشتركة فإن قسماً منها ربما يعود إلي الجوار القديم بين عشائر الشبك والفرس” .

إن اللغة القريبة من لغة الكرد بحكم التعايش الجغرافي لايمكن أن يتم تبريره بامتزاج اللغة بإعتبار أن لغة القرآن هي اللغة العربية ، فهل يحتاج المواطن الصيني المسلم لمزج لغته الصينية بالعربية لكونه يقرأ القرآن بالعربية مثلا ؟ أما الاختلاط فهي يضفي لهجة ولايمكن أن يغير اللغة ، بدليل أن اللغة العربية التي يتحدث بها الأيزيدية في بعشيقة وبحزاني واضحة أنها غير لغتهم الكردية الأصيلة، وأما المفردات التركية فلم يكن الشبك وحدهم تحت حكم الدولة العثمانية حتى تؤثر في لغتهم الكردية لوحدهم دون باقي القوميات المتعايشة في العراق والتي بقيت تتحدث لغاتها الأصلية دون تأثر أو تأثير. ( 40 )



الفصل الرابع

القرى والمواقع التي استوطنها الشبك



ليس بإنسان ولاعالـــم من لايعي التاريخ في صدره

ومن درى أخبار من قبله أضاف أعماراً إلي عمــره



في دراسة كتبها الراحل أدهام عبد العزيز آغا الولي عن بعض مواقع وقرى الشبك استند فيها إلي معجم البلدان ، قدمها بأبيات الشعر أعلاه ، وبعد أن يعرف القاريء بمؤلف الموسوعة ياقوت الحموي ، يقول الباحث : يعتبر “ معجم البلدان “ أهم موسوعة جغرافية وتاريخية ولغوية وأدبية عربية ، حيث يقع الكتاب في خمسة مجلدات بضمنها مقدمة وافية ، وبواقع ( 2502 صفحة ) في طبعة بيروت المتداولة ، والمعجم يغطي أسماء البلدان والجبال والأودية والقيعان والقرى والأوطان والبحار والأنهار والجداول ، وغيرها من المعالم البارزة في العالم المعروف آنذاك وبخاصة العالم الاسلامي ، قد حرص ياقوت في أثناء إعداد وجمع مواد المعجم أن يراعي أصولا علمية لعل أبرزها الاعتماد على مصادر موثوق بها، كما استفاد من المعاينة والمشاهدة الشخصية التي اكتسبها من تجاربه واسفاره التي امتدت من النيل إلي جيحون ، وتتمثل أولى الملامح لمن يقرأ معجم البلدان في الاحساس الواقعي بوحدة العالم الإسلامي الكبيرة ، برغم وجود الكيانات السياسية المتعددة .

ومايهمنا في هذا البحث الوجيز هو استعراض أهم المواقع والقرى التي استوطنها الشبك والباجلان في شرق نينوى العراق ذات المجد الحضاري التليد مرتبة حسب حروف المعجم وحسب ورودها في هذه الموسوعة وهي :

باجباره : باء أخرى مشددة ، والف وراء ، قرية في شرقي مدينة الموصل على نحو ميل ، وهي كبيرة عامرة ، فيها سوق ، وكان نهر الخوسر قديماً يمر بها تحت قناطرها ، وهي باقية إلي هذه الغاية ، وجامعها مبني على هذه القناطر ، رأيتها غير مرة ( معجم البلدان – المجلد الأول – ص 312-313 ) .

باسورين : ناحية من أعمال الموصل في شرق دجلتها ، لها ذكر في أخبار حمدان ( معجم البلدان – المجلد الاول – 322 ) .

باشمنايا : السين مضمومة ، والميم ساكنة ونون وألف وياء وألف ، من قرى الموصل من أعمال نينوى في الجانب الشرقي منها ( معجم البلدان – المجلد الأول – ص 324 ) .

باصفرا : ( وهي قرية باصخرا – الباحث ) ، قرية كبيرة في شرق الموصل في لحف الجبل ، كثيرة البساتين والكروم ، يجيء عنبها وسط الشتاء ( معجم البلدان – المجلد الاول – ص 324 ) .

باعذرا : بالذال معجمة ، من قرى الموصل ( وهي غير باعذرا القرية التي يسكنها الأيزيدية – الباحث ) ، ( المعجم – م 1 – ص324 ) .

بافخاري – قرية من أعمال نينوى في شرق الموصل ( استوطنها الشبك مع التركمان والعرب – الباحث ) ، ( المعجم – م 1 – ص 326 ) .

بافكي : ناحية بالموصل من أرض نينوى قرب الخازر تشتمل على قرى يجمعها هذا الاسم ، ومن قراها تل عيسى ، وهي قرية كبيرة ، وبيت رثم ، والقادسية والزراعة والسعدية ( المعجم – م 1 – ص 326 ) .

بريشو : اسم لنهر الخازر الذي بين الموصـــل وأربل ( أربيل ) ( المعجم – م1 – ص406 ) .

بلاباذ : ( وهو الموقع الأثري وقرية بلاوات –الباحث ) بالباء الأخرى ، قرية في شرق الموصل من أعمال نينوى بينها وبين الموصل رحلة خفيفة ، تنزلها القفول وبها خان للسبيل ، وهي بين الموصــل والزاب ( المعجم – م 1 – ص 527-528 ) .

بيسان : بالفتح ثم السكون وسين مهملة ونون ، قرية من قرى الموصل لها مزرعــــــة كبيرة ( استوطنها الشبك مع التركمان – الباحث ) ( المعجم – م 1 – ص 527-528 ) .

ترجلة : بفتح الجيم واللام ، قرية مشهورة بين أربل ( أربيل ) والموصل ، من أعمال الموصل ، كان بها وقعة بن عسكر زين الدين بن مسعود بن مودود بن زنكي بن أقسنقر ، وبين يوسف بن علي كوجك صاحب أربل في سنة 508 ، وكان الظفر فيها ليوسف ، وبترجلة عين كثيرة الماء كبريتية ( المعجم – المجلد الثاني – ص 22 ) .

تل خوسا : قرية قرب الزاب بين أربل والموصـــل ، كانت بها وقفة ( معجم البلدان – م2 – ص 41 ) .

خازر : بعد الألف زاي مكسورة ، كذا رواه الأزهري وغيره ، ثم راء ، وقد حكي عن الأزهري أنــــه رواه بفتح الزاي ، ولم أجده أنا ( ياقوت ) كذلك بخطه ، كأنه مأخوذ من خرز العين وهو انقلاب الحدقة نحو اللحاظ ، وهو نهر بين أربل والموصل ثم بين الزاب الاعلى والموصل ، وعليه كورة يقال لها نخلا ، وأهل نخلا يسمون الخازر بريشوا ، مبدأه من قرية يقال لها أربون من ناحية نخلا ، ويخرج من بين جبل خلتا والعمرانية وينحدر إلي كورة المرج من أعمال قلعة شوش والعقر إلي أن يصب في دجلة ، وهو موضع كانت عنده وقعة بين عبيد الله بن زياد وإبراهيم بن مالك الأشتر النخعي في أيام المختار ، ويومئذ قتل ابن زياد الفاسق ، وذلك سنة 66 للهجرة ( معجم البلدان – المجلد الثاني – ص 337 ) .

خرستاباد : ( وتسمى محليا خرسبات وهي خرساباد ورسميا خورسيباط – الباحث ) قرية في شرق دجلة من أعمال نينوى ، ذات مياه وكروك كثيرة ، شربها من فضل مياه رأس الناعور المسمى بالزراعة ، وإلي جانبها مدينة يقال لها صرعون خراب ( معجم البلدان – م 2 – ص 358 ) .

خوسر : بفتح أوله وسكون ثانية وسين مهملة وراء : واد في شرقي الموصل يفرغ ماءه بدجلة ، كان مجراه من باجباره القرية المعروفة مقابل الموصل تحت قناطر فيه إلي الآن ، وعلى تلك القناطر جامعها والمنارة إلي الآن ( المعجم – م2 – 406 ) .

زابات : بعد الثاني باء موحدة ، وآخره تاء وآخره تاء مثناة ، قرى على زاب الموصل يقال لها الزابــــات ( المعجم – المجلد الثالث – ص 123 ) .

الزاب : يعد الالف باء موحدة ، أن جعلناه عربياً أو حكمنا عليه بحكمه ، فقد قال ابن الأعرابي : زاب الشيء إذا جرى ، وقال سلمة : زاب يزوب إذا انسل هرباً ، والذي يعتمد عليه أن زاب ملك من قدماء ملوك الفرس ، وهو زاب بن توركان بن منوشهر ابن إيرح بن أفريدون حفر عدة انهار ( أنهر ) بالعراق فسميت باسم ه وربما قيل لكل واحد زابي ، والتثنية زابيان ، قال وإذا جمعت قيل لها الزوابي ، وهي الزاب الاعلى بين الموصل وأربل ومخرجه من بلاد مشتكهر ، وهو حد بين أذربيجان وبابقيش ، وهو مابين قطينا والموصل من عين في راس جبل ينحدر إلي واد ، وهو شديد الحمرة ويجري في في جبال وأودية وحزنة وكلما جرى صفاً قليلاً حتى يصير في ضيعة كانت لزيد ابن عمران أخي خالد بن عمران الموصلي ، بينها وبين مدينة الموصل مرحلتان وتعرف بباشزا ، وعلى كل واحد من هذه الزوابي عدة قرى وبلاد ( المعجم – المجلد الثالث – ص 123-124).

الزراعة : قرية يقال لها رأس الناعور ، وهي قرية كبيرة فيها عين فوارة غزيرة الماء ينبت فيها اللينوفر ، من شرق الموصل من أعمال نينوى قرب باعشيقا ( ويسكنها الباجلان الآن – الباحث ) ( المعجم – المجلد الثالث – ص 135 ) .

السلامية : بفتح أوله ، قرية كبيرة بنواحي الموصل ، على شرقي دجلتها ، بينهما ثمانية فراسخ للمنحدر إلي بغداد مشرفة على شاطيء دجلة ، وهي من أكبر قرى مدينة الموصل وأحسنها وأنزهها ، فيها كروم ونخيل وبساتين وفيها عدة حمامات وقيسارية للبز وجامع ومنارة ، بينها وبين الزاب فرسخان ، وبالقرب منها مدينة يقال لها آشور ، خربت ، ينسب إليها أبو العباس أحمد بن أبي القاسم بن احمد السلامي المعروف بضياء الدين ابن شيخ السلامية ، ولد فيها سنة 546 أو 545 هـ ونشأ بالموصل وتفقه بها وحفظ القرآن وتوجه إلي ديار بكر فصار وزيراً لصاحب آمد قطب الدين سليمان بن قرا أرسلان وبقي عليه مدة ، وبنى بآمد مدرسة لأصحاب الشافعي ووقف عليها أملاكه هناك ، وكان له معروف وفيه مقصد ، وكان الشعراء تنتابه فيحسن اليهم ، ثم فسد مابينه وبين قطب الدين ففارقه وقدم الموصل فاقام بها ، وهو كان حيا في سنة 621 هـ وعبد الرحمن بن عصمة السلامي ، روى عن محمد بن عبد الله بن عمار ، ذكره ابو زكريا في طبقات أهل الموصل ، وأبو اسحاق إبراهيم بن نصر بن عسكر السلامي قاضي السلامية ، اصله من العراق ، حدث عن أابي عبد الله الحسين بن نصر بن محمد بن خميس ، سمع منه بعض الطلبة ونسبة كذلك ، وقاله ابن عبد الغني ( استوطن الشبك هنا مع التركمان والعرب – الباحث ) ـ ( معجم البلدان – م3 – ص 234 )

الفضلية : ( وتسمى الآن الفاضليـــة ويسكنها الباجلان مع اقوام أخرى ) قرية كبيرة كالمدينة من نواحي شرقي الموصل وأعمال نينوى قرب باعشيقا متصلة الأعمال ، بها نهر جار وكروم وبساتين وبها سوق وقيسرية وبازار تشبه باعشيقا ، إلا أن باعشيقا أكثر دخــلاً وأشيع ذكراً . ( معجم البلدان – المجلد الرابع – ص 267 )

قصر ريان : في شرق دجلــة الموصل من أعمال نينوى قرب باعشيقا ، بها قبر الشيـــخ الصالح أبي أحمد عبد الله بن الحسن بن المثنى المعروف بابن الحداد ، وكان أسلافه خطباء المسجد بالموصل ، وله كرامات ظاهرة ( المعجم – المجلد الرابع – ص 357 )

لك : بالضم وتشديد الكاف ، قرية قرب الموصل من أعمال نينوى ، في الجانب الغربي ( معجم البلدان – المجلد الخامس – ص 22 )

مرج الموصل : ويعرف بمرج أبي عبيدة ، وعن جانبها الشرقي موضع بين الجبال في منخفض من الأرض شبيه بالغور فيه مروج وقرى ولايه حسنة واسعة وعلى جباله قلاع ، قيل إنما سمي بالمرج لأن خيل سليمان بن داود عليهما السلام، كانت ترعى فيه فرجعت اليه خصبة فدعا للمرج أن يخصب إذا أجدبت البلاد وهو كذلك، ينسبإاليه أبو القاسم نصر بن أحمد بن محمد بن الخليل المرجي، سكن بعض آبائه الموصل ، وولـــد أبو القاسم بها ، ويروي عن أبي يعلى الموصلي وغيره ، روي عنه جماعة آخرهم أحمد بن عبد الباقي بن طوق ( معجم البلدان – المجلد الخامس – ص 101 ) . ( 41 )

ويضيف الكاتب أحمد شوكت إلي هذه القرى أسماء قرى أخرى في كتابه ( الشبك الكورد المنسيون ) فيقول :

عمر قابجي : قرية كبيرة في شمالي الموصل ، شرقي نهر الخوصر ، يسكنها الشبك السنة الشافعية ، تبعد عن خورسبات عـــــدة كيلومترات ، تستفيد من مياه ( فه ديله ) وفيها مدرسة ابتدائية مختلطة قديمة وكان شبابها من أوائل الشبك المتنورين .

النوران : مدينة حديثة وجميلة وصغيرة تقع شمالي الموصل على ضفته الشرقية لنهر الخوصر ، كما أن بعض بساتينها والأراضي التي تعود لأهلها تمتد بضعة كيلومترات في الضفة الغربية من النهر أيضا ، سكانها من أغوات الباجلان والبيكات ، لذلك تبدو عليها مظاهر الأرستقراطية والرفاهية ، معظم السكان شيعة أمامية باستثناء نفر قليل من البيكات الذين كانوا قد نزحوا إليها من مدينة الموصل ، وتعتبر منطقة سياحية طوال فصول السنة لوفرة مياهها وكثرة بساتينها وموقعها على حافة طريق الموصل – الشيخان .

باريما : قرية كبيرة أشبه بالمدينة على الضقة الشرقية لنهر الخوصر، كثيرة المياه والبساتين فيها مدرسة ابتدائية مختلطة منذ منتصف القرن العشرين، لاتبعد عن نوران سوى بضــع كيلومترات على امتداد طريق الموصل– الشيخان ، تعتبر منطقة سياحية يؤمها أهل الموصل في موسم الربيع ، أهلها خليط من الباجلان والشبك القدامى من السنة الشاقعية والشيعة الأمامية وبعض العرب .

ديرك : قرية صغيرة نشأت في أوائل القرن العشرين تقع على الجانب الشرقي من طريق الموصل – الشيخان ، أهلها خليط من الشبك والباجلان من السنة الشافعية والشيعة الأمامية ، ولغتهم لغة الشبك ، تعتمد الزراعة الديمية في عيشها .

جه نجي : حديثة التكوين وأغلب الظن أنها من القرى التي شيدها الباجلانكه ل شأنها شأن سابقاتها .

بايبوخت : حاضرة من حواضر الشبك ، كانت عامرة ببيوتها وقصورها الأرستقراطية منذ أقدم العصور ، ورد ذكرها باسم اء والفاظ مختلفة في اغلب المصادر التاريخية القديمة .

العباسية :قرية صغيرة تحتضن مرقد الإمام العباس بن علي بن أبي طالب، أخ الإمام الحسين ، موقع المرقد في هذه القرية واهلها الشبك الشيعة المسالمين جعلها موقعا سياحيا تقصدهالناس من كافة الانحاء للتبرك بالأمام .

أولمش : ( المصارف ) إحدى ضواحي مدينة نينوى المطمورة حالياتحت تل قوينجق ، وامتد إليها العمران فدخلت حدود مدينة الموصل وتحولت إلي حي سكني ( حي المصارف والبريد ) ، وأغلب سكانها من الشبك القدماء .

العطشانة والنعمانية والدركزلية : مناطق امتد إليها العمران في الجانب الشرقي من مدينة نينوى

لأورطة خراب : وهي قرية كبيرة أشبه بالمدينة الصغيرة ، تقع إلي الشمال الشرقي من الموصل على بعد بضع كيلومترات يسكنها الشبك الشيعة وقسم من الباجلان الشيعة والسنة الشافعية .

السماقية : قرية متوسطة الحجم يسكنها الشبك والباجلان السنة الشافعية فيها الكثير من البساتين والحقول العامرة والمزارع .

السادة : قرية كبيرة أرتبط عمرانها [ امتداد حي الحدباء وحي السكر شمال مدينة الموصل على الجانب الشرقي لدجلة ، فيها أسواق ومدارس وشوارع مبلطة ، معظم اهلها ممن يسمون ( السادة الهواشم ) .

قرة تبه عرب : قرية صغيرة بالقرب من ئور سماق شرقي الموصل شيدها بعض الباجلان وعرب الجحيشن تشتهر بمياهها الجوفية القريبة إلي سطح الارض.

قرتبه شبك : قرية قديمة جدا تقع على الجانب الشرقي من طريق الموصل – عقرة .

كور غريبان : يفصلها طريق ترابي ومقبرة مشتركة شيدها بعض الاغوات والبيكات

الدراويش : قرية كبيرة جدا شيدها الشبك الكورد فوق خرائب الآشوريين بعد انهيار دولتهم ، تقع على بعد عشرة كيلومترات شرقي مدينة الموصل على الجانب الغربي للمنطقة ، بها مرقد للسيد قاسم سيد محمد وكذلك حسن فردوش المقدس لدى الإيزيدية ، وفي هذه القرية توجد زقورة آشورية ماتزال مدفونـــة تحت تل منتظم الدائرة والقمة ، اتخذها أهل القرية مقبرة أموتاهم منذ اقدم العصور ، ويقابل هذا التل مرتفع ترابي يسمى خرابة أغلب الظن انه يضم أيضا مدينة آشورية قديمة ، وهناك في الجانب الغربي منها بئر ماء اثرية قديمة .

باجربوعة : بيت جورباق تقع شرقي الموصل على الجانب الشرقي من طريق الموصل – عقرة ، وهي قديمة جدا واحتفظت باسمها القديم .

تللياره : قرية صغيرة شمال شرق الموصل

باسخرا : بيت سكرا تقع شرقي الموصل ، وفي لحف الجبل عين ماء صغيرة كثيرة البساتين والكروم وأشجار الزيتون هي الغالبة .( وقد وجدت فيها صخرة في أطراف القرية يزورها الشبك ويزعمون أنها صخرة الإمام ( علي ) وإنه كان يصلي حين أراد الكفار والأعداء رميها من فوق الجبل عليه أثناء سجوده لكن الله أوقفها ، وفي وسط الصخرة أثر لكف أنسان ، يزورها الشبك ويتباركون بها ويضعون الشموع والنذور تحتها ، وقد زرتها بصحبة الأستاذ الملا داود وأولاده، والقصة لا أساس لها من الصحة – الكاتب )

تيس خراب عليا : شرق الموصل ، لاتبعد عن باعشيقا سوى بضع كيلومترات ، اهلها خليط .

تيس خراب سفلي : قرية صغيرة في بطن واد عميق إلي الشرق من العليا تحتضن مرقد الإمام الرضا ويؤمها الشيعة الكرد في المناسبات الدينية ويقدمون القرابين والنذور وهي منطقة سياحية جميلة في فصل الربيع .

شيخ امير : قرية صغيرة في لحف الجبل ( جبل عين الصفرة ) على الجانب الشرقي من طريق الموصل – أربيل أهلها من الشيعة الشبك .

خزنة : قرية قرب ناحية برطلة تقع شرق الموصل في مفترق طريق الموصل – عقرة ، وتشتهر بوجود تل اثري قديم ودائري لم تمتد إليه يد التنقيب ويعتقد أهلها أن أفعى أسطورية تنام على كنز من الذهب والمجوهرات القديمة في باطن التل ، وأغلب الظن أن هذه التلة تضم في باطنها زقورة آشورية قديمة .

قر قه شه : قرية صغيرة شرق الموصل قرب الخازر – الزاب وتعد من القرى الحدودية لمنطقة الشبك .

بازكرتان : قرية صغيرة ولكنها قديمة جدا تقع شرق الموصل على الجانب الشرقي م طريق الموصل – اربيل الحالي مقابل قرية شاقولي .

قوبان : تقع نهاية سفوح جبل مقلوب .

خراب دليل : قرية صغيرة تقع مقابل تيس خراب .

بيرجلان : قرية صغيرة تقع على الجانب الشرقي من طريق الموصل – عقرة القديم .

قريطاغ : من القرى الحدوديــة القريبة من نهر الزاب شرقي الموصل .

شننف : قرية في اقصى الشرق من منطقة الشبك يسكنها الشبك وبعض العرب .

خرابة سلطان : شرق الموصل اقرب إلي نهر الخازر منها إلي دجلة ومن القرى الحدودية البعيدة واشتهرت بتربية وتجارة الابقار .

بساطلية : خدر الياس وهي إلي الجنوب الشرقي من الموصل وقريبة من نهر الخازر موقعها الحدودي أهلها لأن تكون مركزا تجاريا مهما ، أغلب أهلها من الشبك ، تكثر فيها البساتين والحقول لوفرة مياهها ووقوعها في حوض الزاب .

قرية عبد العزيز المفتي : شيدها أحد إقطاعيي الموصل وأسكن فيها فلاحين من الشبك فسميت باسمه ، وبعد إلغاء النظام الاقطاعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين بقيت على اسمها .

خرابه : قه ره شور وهي قرية كبيرة شرق الموصل تابعة إداريا إلي قضاء الحمدانية وهي من القرى الشبكية الحدودية القريبة إلي نهر الخازر واشتهرت منذ القدم بتربية وتجارة الابقار .

طوبزاوة : قرية كبيرة شرق الموصل تقع على الجانب الغرب من الطريق العام إلي أربيل تعرض أهلها في العام 1989 إلي عمليات الانفال .

طهراوة : شرق الموصل وتدعى ته يره وا تعرضت إلي الانفال أيضا .

الموفقية : قرية صغيرة على جانبي طريق الموصل – أربيل القديم .

منارة شبك : قرية قديمة على الجانب الشرقي من طريق موصل – أربيل الحالي .

بازوايا : بيت الزابيين وهي قرية كبيرة لها تاريخها العريق وقد يعود تاريخ تشييدها إلي عهد ماقبل الساسانيين ، يمتاز أهلها بالثراء والقوة ، تعرضت أيضا لحملات الانفال واكتسحت الشفلات أكثر من نصف بيوتها وقصورها وتشرد أهلها في دشت حرير ومعسكرات الاعتقال .

كوكجلي : مدينة كبيرة واسعة اختلطت باحياء مدينة الموصل وربما يظنها الغريب امتدادا لها وتشكل مع بازوايا العمود الفقري لاقتصاديات مدينة الموصل وأهلها من أثرياء الشبك واشتهروا بتسمين وتربية الأغنام والعجول لغرض التصدير ، تعرضت للانفال والتعريب وتغيير القومية .

باشبيتا : أطلق عليها الأراميون ( بيت شويثا ) ومن أهم قرى الشبك .

علي رش : قرية كبيرة وقديمة وبها مقام للإمام علي بن الحسين الملقب بالسجاد وتكاد أن تكون المركز الديني للشبك .

بلاباذ : بله وات قرية قديمة إلي الجنوب من الموصل بحوالي 25 كيلومتر .

جيلوخان : ويلفظها بعض الشبك – جريوخان – وهي قديمة سكنها القائد الفارسي جيلوخان ومات فيها فسميت باسم ه .

عمر كان : من القرى التابعة لقضاء الحمدانية وهي صغيرة وقديمة وتقع في الجنوب الشرقي من الموصل .

بدنة عليا أو كبيرة : تقع إلي الجنوب الشرقي من الموصل في حوض نهر الخازر ومن القرى النائية .

بدنة سفلى أو صغيرة : مماثلة لسابقتها وبالقرب منها .

أربجيــة : مدينة كبيرة تداخلت مع مدينة الموصل ضمن حي سكني .

يارمجة : تقع على شاطيء دجلة ابتلعها حي سكني في الموصل .

بافخاري : قز فخرة ، القصر ويعتقد بعض ان اسمها الشمسيات تقع جنوبي الموصل في حوض دجلة على الجانب الغربي من طريق الموصل – كركوك .

تل عاكوب : قديمة وكبيرة وتقع على الجانب الغربي من طريق الموصل – كركوك الحالي .

زهرة خاتون : تقع في الجنوب الشرقي للموصل في حوض نهر الخازر .

ومن القرى الشبكية المهمة قرية شاقولي وكبرلي وأورطــة خراب وباعويزا وترجلة ، بالإضافة إلي وجود قرى عديدة ابتلعها العمران في مدينة الموصل بالنظر لجودة أراضيها وقربها من المدينة ( 42 ).

ومايجلب الانتباه وجود عدد من القبور والمزارات الدينية المهمة في بعض القرى الشبكية ، بعضها رمزياً يتخذه الشبك للزيارة ، ولعل من أهم هذه القبور أو المقامات الموجودة هي :

مقام الإمام علي بن الحسين ، وكنيته أبو محمد ولقبـــه بعلي السجاد (زين العابدين ) ويقع في قرية علي رش قرب الموصل ، وكان الأمام علي بن الحسين ضمن السبايا التي أسرها جيش عبيد الله بن زياد من أهل وأنصار الإمام الحسين المقتول في كربلاء وكان الإمام عليلاً ، وسيرهم ابن زياد إلي الشام ، حيث تمت اعادته مع السبايا إلي الحجاز وبقي فيها حيث مات بالمدينة ، وكان الإمام السجاد ولد عام 38 هـوتوفي في العام 95 هـ ودفن في البقيع إلي جوار عمه الإمام الحسن بن علي ، وهو الذي قال فيه الشاعر الفرزدق : هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم ، ويعتبر الإمام علي بن الحسين الإمام الرابع لدى الشيعة الأمامية ، والمزار عبارة عن بناء كبير تتخلله قبة داخلها قبر يرمز إلي مقام للإمام السجاد ، ومما يلفت الانتباه أن الشبك كثيرو التعلق وشديدو الاهتمام بالإمام علي بن الحسين (زين العابدين)، ويقيم الشبك احتفالاتهم الدينية في الأعياد أمام هذا المرقد حيث يتم التجمع عنده وتقام الدبكات الشعبية.

مقام الإمام علي بن موسى الرضا وكنيته ابو الحسن ويقع في قرية تيس خراب ، ويعتبر الإمام الرضا الإمام الثامن لدى الشيعة الإمامية ، ولد في العام 148 هـ ، وتوفي مسموماً في طوس ( مشهد ) عام 203 هـ ، وهو من اجلاء أهل البيت وعلمائهم ، وكان المأمون قد عهد إليه بالخلافة من بعده وزوجه ابنته وضرب اسمه على الدينار ، وضمن باحة المقام توجد مغارة طويلة مضاءة بالكهرباء والشموع منحوتة داخل الصخر ، يقوم الناس بزيارتها والتبرك بها ، بالإضافة إلي وجود مقام رمزي محاط بشباك من الحديد ، والبناء كبير وواسع يقع إلي الشرق من مدينة تيس خراب .

مقام الإمام العباس : وهو العباس بن علي بن أبي طالب ويقع المقام في قرية العباسية على ساحل نهر الخوصر الأيمن القريب من مدينة الموصل ، ويلقب العباس بأبي الفضل ، وهو أخ الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب من أبيه ، وأمه هي فاطمة من بني أسد وتدعى أم البنين ، وكان حاملاً لراية الحسين عند قدومه إلي الكوفة ، وكان مثالاً للشجاعة والإقدام والفروسية والتضحية ، بالإضافة إلي ماسجله له التاريخ من صمود وإصرار ، ولقبه التاريخ ( بقمر بني هاشم ) لجمال صورته وتناسق طوله مع حسنه وخبقه وتواضعه ، استشهد في واقعة الطف الشهيرة يوم العاشر من محرم الحرام عام 61 هـ ، ودفن في الموضع الذي يوجد فيه قبره في مدينة كربلاء ، والمقام الموجود قرب قرية العباسية قريباً من منطقة الشلالات بالموصل .

صخرة الإمام علي : وتقع في قرية باسخــــرا ، وهي صخرة ملساء مطبوع عليها كف إنسان بشكل واضح ومائلة بشكل حاد و عروقها في الأرض ، ويقدم الشبك نذورهم ودعواتهم ، اعتماداً على قصة لا أساس لها من الصحة ، حول وجود الإمام علي بن أبي طالب للصلاة تحتها ، ومحاولة أعداءه زحزحة الصخرة لإسقاطها من فوق عليه إلا انه تمكن من ايقافها !! ولاتعدو المسألة إلا ضمن الرمزيات التي يعتمدها الشارع والبسطاء من الناس والتي ينفيها التاريخ والحقيقة والمنطق ويستغلها بعض لأجل الكسب المادي ، ويبدو أن الشبك ولظروف معينة مرت عليهم قاموا بتشييد تلك المزارات الرمزية للأئمة حيث يقدس الشبك الأئمة الأثني عشر ويعدونهم من الأئمة المعصومين أسوة بكل الشيعة الأمامية ، وينذرون إلي الله بواسطتهم النذور .

ولهذا يعمد الشبك الشيعة إلي إقامة المآتم ومجالس الحزن في الأيام العشرة الأولى من محرم في مناطقهم ، ويقوم الشبك أيضا بالسفر لزيارة الأضرحة التي تخص الأئمة في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء بالعراق ، كما يقوم الشبك بالحج إلي مكة أسوة بكل المسلمين .

ويقصد الشبك موقعاً بالقرب من نهر الخازر قرب قرية عمر قابجي حيث يرجمون قبرعبيد الله بن زياد بالحجارة مع اللعن ، وتشير المعلومات التاريخية أن القبر لعبيد الله بن زياد والي الكوفة حين قدم الإمام الحسين بن علي ، وهو الذي أمر بقتل مسلم بن عقيل ، وتسبب بمقتل الأمام الحسين وأصحابه ، وسبى عياله وآل بيته ، وحمل رؤوس القتلى على الرماح وسيرها بقافلة إلي الشام ، والمعروف تاريخياً أن عبيد الله بن زياد هرب بعد أن طلب المختار بن أبي عبيد الثقفي الثار للحسين ، وسير لملاحقة عبيد الله بن زياد موفده إبراهيم الأشتر ، حيث لحق به قرب نهر الخازر الأسفل وقتله ثأراً لمقتل الحسين وأصحابه في واقعة الطف بكربلاء، وقد أشار الكاتب الصراف إلي هذا القبر في كتابه ونشر له صوره غير واضحة المعالم في الصفحة 128 منه .

الفصل الخامس

العادات والتقاليد والأعراف عند الشبك

يتكون المجتمع الشبكي عموما من مجموعة من البشر تختلف في انتمائها القومي لكنها تتوحد في القيم والأعراف والتقاليد ، إذ يشكل الكرد الغالبية منهم ، ويليهم التركمان ومن ثم العرب والفرس ، يتوزعون في سكنهم على مجموعة من القرى التي ورد ذكرها في الفصل السابق غير أنها جميعها تقع شرق مدينة الموصل المحاددة لكردستان العراق ، الأجناس البشرية التي يتشكل منها الشبك تتجانس عشائريا حتى تبدو كأنها عشيرة واحدة ، وأن اختلفت أفخاذها ولهذا عدهم البعض عشيرة واحدة حتى تصورهم بعض من كتب عن العشائر انهم عشيرة واحدة قائمة بذاتها ، ولايدين الشبك سوى بالإسلام ، إذ ليس بينهم من يعتنق ديانة أخرى ، والأكثرية منهم على المذهب الجعفري ، والقلة منهم على المذهب الشافعي والحنفي ، ولاتشكل الأختلافات المذهبية أية مشكلة بينهم ، إذ يتميز المجتمع الشبكي بالانسجام والالتزام ، وتسري على المجتمع الشبكي الأعراف والتقاليد التي تسري على العشائر الكردية والعربية والتركمانية في المنطقة .

ويعيش الشبك بانسجام تام إلي جنب اخوتهم الأيزيديين والمسيحيين في القرى التي يتجاورون السكن بها ، أو التي يتم السكن بها مختلطين فيعيشون بانسجام وتفاهم تامين لما تميز به الشبك من نزوع نحو التآخي والسلام والتوجه نحو العمل .

يكرم الشبك السادة المنحدرين من صلب الرسول باعتبارهم منحدرين من أصلاب طاهرة إلي درجة التقديس ، إذ لا يجوز التطاول عليهم قولا أو فعلا ، ويتحتم على الشبكي الاستماع إلي مايقوله السادة لأن كلمتهم هي الفصل ، وتكون للسادة دائماً المكانة المتميزة والرفيعة في المنازعات والخلافات بين الشبك أنفسهم ، كما يعتقد الشبك أن لاحق لغير السيد أن يتزوج الفتاة العلوية المنحدرة من صلب الرسول ، وكما يتم اعتبار هذه العلوية أختاً لهم حالها حال الأخت الحقيقية قياسا بأن زوجات الرسول هن امهات المؤمنين ، فكذلك بنات أل بيـــت النبي ( ص ) حيث يعتبرن اخوات للمؤمنين . ( 43 )

وللمرأة قيمة اعتبارية عالية لدى الشبك ، إذ أنها بالإضافة إلي كونها العمود الفقري للبيت ، فهي السند والمساعد والمدبر والمنظم لحياة الشبكي ، وتتقاسم المرأة الشبكية العمل مع زوجها وأولادها ، فهي مدبرة المنزل ومساعدة الزوج في الزراعة والرعي وتربيــة الأولاد والإشراف على حظائر المواشي وتفقدها وإطعام الحيوانات ، ولذا فإن لها من الأهمية التي تجعلها متميزة ضمن هذا المجتمع ، وبالنظر للتقاليد الصارمة التي تغلف حياة الشبك ، فإن المرأة لم تنغلق على نفسها كما في المجتمعات الريفية في الجنوب والوسط من العراق ، وتحضر التجمعات والمناقشات التي تخص أسرتها وأهلها ، ونادراً ما تجد الطلاق واقعاً عند الشبك ، ولايطلق الشبكي زوجته ويبقيها على علاتها ، إلا إذا كان هناك سببا قويا وعلة لايمكن علاجها ( ولم أجد مايسند حديث الصراف في كتابه عن الشبك حين تحدث عن الطلاق بقوله : “ إن الشبكي يقوم ببيع كافة ممتلكات بيته ويقوم بتقسيم الثمن إلي أثني عشر سهما ، يهب منها أحد عشر سهما إلي البير ويأخذ سهما واحدا منها ، ويسافر إلي كربلاء ومعه شاهدين ، ويعود إلي داره مع شهوده ليقف فوق رماد نار كلن البير قد أشعلها ، ليقم البير بسؤال الحاضرين عن رضاهم بتصرف الرجل ، فــــإذا كان الجواب بالايجاب يتقبل البير هذا الطلاق – الصراف ص 118 “ .

ويبدو لنا أن الصراف استند على مزاعم نقلت إليه دون أن يكون قد لمسها شخصياً ودون أن يكون لها نصيب من الواقع ، ولهذا فقد كان الصراف بعيداً عن الواقع حين أورد معلومته عن طلاق الشبك ، فالشبكي مسلم يوقع الطلاق لفظاً كما يوقعه غيره من المسلمين ، وحقوق المراة الشبكية منصوص عليها في عقد الزواج كما لغيرها من حقوق الصداق المقدم والمؤخر المنصوص عليها في العقد ، يتم تطبيق الأحكام العامة للطلاق الشرعية منها والقانونية عليها ، ولم نجد من يؤيد ماذهب إليه الصراف في معلوماته عن طلاق الشبك ، وخصوصا ما أشار له بخصوص حرمان المرأة من حقوقها الشرعية والقانونية كما لفت انتباهي خلال تجوالي وعملي في مدينة الموصل ، قلة ظاهرة تعدد الزوجات عند الشبك ، بمعنى القليل منهم من جمع أكثر من زوجة واحدة في المجتمع الشبكي ، بالرغم من كون المجتمعات الزراعية والريفيـــة تجنح إلي هذا الأسلوب كوسيلة من وسائل زيادة الإنتاج .

كما لفت انتباهي قضية أخرى وهي قلة جنوح الفتيات الشبكيات رغم حياة الفقر والحرمان التي تعيشها ضمن هذا المجتمع ، ويندر أن تجد من تشذ عن الطريق السوي في حياة الأسرة العراقية الريفية ، وأن وجدت فستجد من يسارع لأجتثاث هذا العنصر ، الذي يعتبره الشبكي عاراً كبيراً تحكمه الأعراف والقيم التي توارثها المجتمع جيلاً بعد جيل ، ومع هذا وخلال عملي القضائي المتنوع في مدينة الموصل لاحظت قلة قضايا الشرف وغسل العار لدى الشبك ، فهم بالإضافة إلي كونهم مسالمين ومبتعدين عن المشاكل يشغلهم عملهم وانتاجهم الزراعي والحيواني ويغلب عليهم الطابع العملي ، ويبدو أن نمط الحياة الاجتماعية التي يعيشها الشبك يساهم في نشر قيم الفضيلة والإلتزام في نفوس الشباب .

وتتزوج الفتيات والشبان الشبك منذ أعمار صغيرة ، إذ يجد الأهل أن ربط الشاب بزوجة يجعله مستقراً نفسياً أولاً ، و حتى يشعر بمسؤوليته عن حياته الأسرية ثانيا ، ولزيادة خبرته وتجربته حتى يمكن الاعتماد على نفسه ذاتياً ثالثا ، إضافة إلي حاجة الشبكي إلي توسيع أعداد عائلته للسيطرة على اعماله الزراعية وتربية الحيوانات وعمليات التسويق للمنتجات الزراعية والحيوانية ، مما يتطلب معه وجود اعداد من المساهمين من افراد العائلة .

وتشكل الجوامع مكانا للاجتماع والتلاقي بين الناس في المناسبات الدينية وفي صلاة الجمعة ، كما تكون بيوت الشيوخ ورجال المجتمع المتميزين مكاناً آخر تجتمع به رجال القرية للتدارس في مشاكل القرية وأوضاع الناس ، أو لأستقبال احد الضيوف أو لمناسبة دينية أو اجتماعية عامة .

وليس أكثر فرحا من استقبال الشبكي لوليده ذكرا كان ام انثى ، وغالبا ما يقم الشبكي باستدعاء رجل الدين أو جد الطفل ليكبر بالشهادة في اذنه ويدعو له بالحياة المديدة والصحة والعافية والأستقامة والإلتزام ، أذ بعد ان يتبين الحمل على المرأة تتوجه العائلة إلي شراء وتحضير ملابس للطفل القادم ونسج الملابس الصوفية ، وفي الموعد المحدد للولادة تحضر القابلة المأذونة للمساعدة في توليد المرأة ، وبعد ان تتم الولادة وتتم أجراء المراسم العرفية التي تقوم بها المجتمعات الريفية المسلمة في العراق ، حيث يتم الأحتفاء بالمولود والأعتناء بالأم ومن ثم اجراء التبريكات والولائم ، وأظهار معالم الفرحة للقادم الجديد ، يتم تسمية الطفل وغالبا مايكون متشابه مع أحد أسماء الاولياء والأنبياء تيمناً .

ودرج الشبك في القرى على اطلاق ديك في القرية قربانا لله تعإلي ونذرا لولادة المولود ، ويكون هذا الديك حصة القابض عليه من اهالي القرية وخصوصاً الشباب منهم ، حيث يتبارون في ملاحقته والأمساك به للظفر بغنيمتهم ، وقد بدأ الشبك يتجاوزون هذا العرف ولايتقيدون به في الوقت الحاضر ، ويجنح الشبك إلي تسمية اولادهم باسماء الائمة الاثني عشر تيمنا وتبريكا باسم اؤهم بالأضافة إلي أسماء مقدسة أخرى ، و عادة ما تضع الام كسرة من الخبز وسكين صغيرة تحت وسادة المولود ، ( وهذه العادة لا تقتصر على الشبك ، وانما موجودة في مناطـق عديدة من العراق بزعم ان السكين تجعل الطفل لايخاف ) ، وتقدم العائلة هدية للقابلة المأذونة ، وغالبا ماتكون هذه الهدية متناسبة مع حالة العائلة المادية ، كما تتم دعوتها من قبل العائلة إلي وليمة غداء ، وتلجأ الأم الشبكية إلي أرضاع طفلها رضاعة طبيعية في اغلب الاحيان ، وتصطحبه معها إلي الحقل محمولا على ظهرها اثناء عملها قبل أن يتمكن من الزحف والمشي . ( 44 )

والمجتمع الشبكي كأي مجتمع ريفي عشائري تقيده اعراف وقيود أجتماعية ، حيث تقع المهمة الاساسية في الزواج على النساء ، فيكشف الشاب رغبته لأحدى نساء العائلة والتي تلح على الشاب لأختيار شريكة حياته ، والتي تتولى بدورها مفاتحة أولياء الأمر والأتصال بالفتاة المطلوبة أو بأهلها مبدئياً ، وفي حال تطابق الرغبة والموافقة والأتفاق ، يصار إلي تشكيل وفد من الوجهاء واهل الزوج لخطبة الفتاة من اهلها أمام الناس ، وبعد اتمام مراسيم الخطبة ، يتم الأتفاق على المهر ويكون تبعاً لوضع العائلتين المادي والأجتماعي ، وبعد هذا الأتفاق يصار إلي تقديم النيشان ، يتخلل ذلك حفل يقام في دار الفتاة غالباً مايكون للرجال والنساء ، وغالباً مايكون للسادة الدور المهم والأساسي في قبول اهل الفتاة وجاهة السيد أو رجل الدين وتكريم حضوره في الموافقة على عملية الزواج ، كما يتم ترضية ابناء العم وابناء الخال والحصول على رضاهم وقبولهم بهذا الزواج حرصاً على عدم ايقاع خلافات وشروخ بين الأقارب كما هو العرف السائد بين عشائر العراق بكل قومياتها ، بعد كل هذا يحدد موعد للزواج ، يقوم خلال الفترة التي تسبق الزواج ، الزوج بتهيئة كافة مستلزمات بيت الزوجية ، وهو عادة مايكون غرفة مستقلة ضمن دار الأهل ، ويجنح الشبك بشكل عام إلي البساطة في أختيار اثاث دار الزوجية ، بالنظر للحياة المشتركة التي ستحياها الزوجة غالباً مع اهل زوجها ، وبعد ان يتم قراءة الفاتحة وأجراء مراسيم العقد بحضور العاقد الديني وغالباً مايكون من السادة أو الشيوخ من رجال الدين المعتمدين في المنطقة ، وبحضور عدد من الشهود من اهل القرية ، يجري المأذون مراسيم عقد الزواج الشرعي بحضور أهلي الزوج والزوجة ، ثم يلزم الزوجين بمراجعــــة المحكمة المختصة ( محكمة الأحوال الشخصية وغالبا ماتكون التي تتبعها منطقة سكن الزوجين ) لأستحصال عقد الزواج الرسمي والقانوني .

وغالباً ما يشتري الزوج للزوجة قطع من المخشلات الذهبية تعتبر من ضمن مبلغ المهر المعجل للزوجة ، وتكون قيمة المخشلات الذهبية تبعاً للظروف المادية لعائلة الزوج .

ويلتزم الشبك بالأعراف والتقاليد التي درج عليها الريف العراقي الكردي أو العربي أو التركماني ، في الأشهار عن الزواج وذلك بأقامة حفل للزفاف يتم فيه زفة العريس بموكب من الأصدقاء والأهل والمعارف ، يصاحب ذلك الأمر الهلاهل والأغاني الشعبية ، وغالباً ما يصل الموكب بالسيارات الذي تركبها العروس وبعض اقاربها وأصدقاء العريس ، وتتوجه إلي بيت الزوجية أو إلي بيت اهل الزوج حيث اعدت له غرفة خاصة ، وبعد أن يصل موكب الزفة يترجل الرجال والنساء إلي البيت ، وبعد ان يؤدي الجميع مراسيم التهاني والتحيات والتبريكات وينتظرون أتمام عملية الزواج الفعلي ، يقوم العريس فيودع الجميع ويدخل إلي غرفة الزوجية ، حيث يفترض ان يقوم بفض بكارة زوجته أن كانت باكراً وأتمام عملية الأتصال الجنسي إن كانت ثيباً ، ثم يخرج إلي المجتمعين الذين يباركون له زواجه وسط تكبيرات وهلاهل وأفراح الأهل والأصدقاء والأقارب ، ثم يهدأ الحال بشكل طبيعي وينصرف الناس إلي بيوتهم وأعمالهم ، في حين يبقى الأقارب والضيوف الذين حضروا من خارج القرية في الدار لأيام حتى يغادروها إلي بيوتهم وأعمالهم بعد ان يكونوا قد أدوا الواجب وقدموا الهدية المتناسبة مع وضعهم المادي إلي العريس أو إلي أهله .

وكان الشبك يقومون قديماً بزفة الشباب على ظهور الخيل قبل أن تحل السيارات محل تلك الخيول ، وينطلقون به إلي قرية الفتاة حيث يكتمل الموكب كما يتحلق الشباب وأهل الزوج حول بيت العريس للمشاركة بالاحتفال ، راقصي الدبكة المعروفة والتي تشترك بها الرجال والنساء في المنطقة ، معبرين عن فرحتهم ومشاركتهم ، حيث يكون للطبل والزرناية الحضور المهم في مثل هذه الرقصات ، ويجري مثلما يجري في أي منطقة ريفية في العراق من تقاليد وأعراف

أما اليوم فيتم زفة العروسين بالسيارات من المنطقة التي تقيم بها العروس حيث يسير موكب السيارات وصولاً إلي بيت العريس ، وتتبعه موكب سيارات الأصدقاء والأهل والأقارب مصحوباً بأصوات منبه السيارات مع تزيين للسيارة التي تقل العرسان بالأشرطة الملونة وبالورود .

وكما يتم الاحتفال بمرور سبعة أيام على الزواج احتفالاً عائلياً ، تندمج الزوجة ضمن أعمال البيت والحقل لتصبح جزء مهم من ورشة العائلة الجديدة ، وغالباً مايسكن الأولاد مع الآباء في دار واحدة تخصص غرفة لكل منهم ، إذ يشكل الأولاد في البيت فريقاً واحداً يتوزع للأعمال المختلفة في الحقل ، ويكون إما والدهم أو أكبر الأخوان القائد لهذه المجموعة التي يوجهها فيطيعونه ويحترمون تفكيره وقراراته .

وتتحمل المرأة الشبكية بالإضافة إلي إرضاع وتربية الأطفال ، فإن عليها واجبات البيت وتهيئة الطعام واستقبال الضيوف ، حيث اشتهر المجتمع الشبكي بكرمه وطيبة النفس التي تتمتع بها النساء والرجال ، بالإضافة إلي تهيئة مشتقات الحليب من أجبان وقشطة ولبن رائب وحليب وتوزيعها على وكلاء البيع من قبل الرجال ، حيث يتم الضخ يومياً لهذه المنافذ ، كما يتم بيع الحيوانات من الغنم والبقر والماعز ، والتي يرعاها الأولاد من البنين والبنات في المراعي المخصصة لها ، حيث يتم الاستفادة من المزارع الخاصة ، و تشكل تلك البيوع تجارة مربحة ومنتجة ، حيث اشتهر الشبك في المنطقة بربط الحيوانات ونجح الشبك في طرق تربيتها وتكثيرها .

كما يشتهر الشبك بالزراعة وخصوصاً زراعة الحبوب والخضروات ، وهم يعتمدون على الأمطار ( السقي بواسطة الديم ) في أغلب مناطقهم ، بينما يتم الاعتماد في بعض المناطق على السقي من نهر دجلة لقرب الأراضي منه ، كما يقوم المجتمع الشبكي بتسويق الخضروات الطازجة إلي المدن القريبة وخصوصاً سوق مدينة الموصل ، وقد دخلت المكننة بديلاً عن الآلات القديمة التي يستعملها الفلاح وعمليات نقل الإنتاج من قبل الشبك من الحقل إلي مراز التسويق ، سواء منها الزراعية أو الحيوانية ، اذ تم الاستعاضة عنها بالجرارات الزراعية ( التراكتور ) ، والمحاريث والسيارات الحوضية التي لايستغني عنها الشبكي في عمله وتنقلاته .

ويحج العديد من الشبك سنويا إلي بيت الله الحرام ، وتقام الاحتفالات والاستقبال للحاج من قبل أهله وقريته ، كما يزور الشبك الأئمة والمراقد الموجودة في العراق ، في النجف أو كربلاء والكاظمية أو سامراء ، مثلما يزور الشبك المراقد والمقامات الرمزية التي تقع في قراهم ومدنهم التي تعرضنا لها .

وخلاصة البحث نستطيع القول أن المجتمع الشبكي اليوم لايختلف في التزاماته الدينية عن أي مسلم آخر ، و أنه في التزاماته المذهبية لايختلف مع أي ملتزم بأي مذهب من المذاهب الإسلامية ، وبالرغم من الافتراءات والأقاويل التي أرادت الحط من قيمتهم ، فقد بائت بالفشل وثبت بطلانها وانكشاف قصدها السيء ، وأثبت المجتمع الشبكي اليوم انه مجتمع جدير بالاحترام والتقدير ، ويلتزم بأعراف وتقاليد مما يلتزم به العرب والكرد والتركمان في العراق ، ولازيــغ ولاانحراف في عقائدهم ، وأن الماضي الذي يتعكز عليه بعض المغرضين ممن يسعون للإساءة إلي هذا المجتمع الجميل ، انقضى لاأثر لرجعه أو بقاء لتاريخه القديم بينهم .

ومن يتعايش مع المجتمع الشبكي يشعر أصالة القيم والأعراف الجميلة التي يتمسك بها هذا المجتمع ، ويدرك التحول الإنساني الذي طرأ عليه في مسكنه وملبسه وطريقة حياته ، وسيطلع على الكفاءات والطاقات العلمية من أبناء الشبك ، بالرغم من التهميش والإهمال والإقصاء الذي مارسته السلطات المتعاقبة على حكم العراق عليهم ، من يقترب من المجتمع الشبكي يشعر بفداحة الظلم والمرارة التي خلفتها الأنظمة الشوفينية والطائفية والمتعصبة التي قادت العراق إلي التدهور المريع ، ومن يبحث في القرى والأحياء الشبكية يشعر بمرارة الحياة البائسة التي تركتها السلطة بينهم في بيوت طينية وأزقة غير منتظمة وغير معبدة ، وقناطر من صفائح التنك وبقايا البراميل الفارغة ، وقرى لايصلها الماء ولا الكهرباء ، كما لاتصل المواصلات الحكومية داخل قرى الشبك ويتعمد المسؤولين في الحكومات البائدة أن تصل إلي مناطق بعيدة عن قراهم ليتم قطعا مع أحمالهم سيراً على الأقدام ، ومساحات صغيرة وشوارع غير مبلطة وقرى دون معالم مدنية لاتتشابه مع كل قرى الدنيا .

ولم تزل بعض العوائل الشبكيـــــــــــــــة تحتفظ بكتاب المناقب ( البويروق ) وتردد ماورد فيه من أذكار وقصائد في مديح الرسول وآل البيت ، بالإضافة إلي الأدعية والتوسلات إلي الله تعإلي التي وردت فيه في مناسبات عديدة ، وخصوصاً منها المناسبات الدينية .

لقد أمعن بعض رجال الدين قديما في تضليل الشبك ونشر التعاويذ والشعوذة بينهم كاي مجتمع فقير ومتخلف ، وتم استغلال هذه الصفات أسوأ استغلال ، إذ تشكلت طبقة من هؤلاء دون عمل ، وكانت هذه الطبقة من شيوخ ورجال الدين ومعاونيهم تعيش على حساب الشبك ، ويلقى هؤلاء كل التبجيل والاحترام والمساعدة من أبناء الشبك ، بالنظر للمكانة المتميزة والاحترام الذي يكنه الشبكي لرجل الدين في المجتمع الشبكي ، إذ لاعمل لديهم غير الأعتماد على العطايا والصدقات والنذور التي يسلمها لهم أبناء الشبك من الفلاحين والكسبة الفقراء ، وبقيت طبقة رجال الدين تمتص منهم جهودهم ، ويغالون في انغلاقهم وتخويفهم وإطلاق الفتاوى في التحريم والتحليل وفق مشيئتهم ورغباتهم ومصالحهم ، حتى توضحت الصورة وعاد الشبك مرتبطين بمراجعهم الدينية ، وصار منهم المتعلمين والمتنورين والمثقفين من أبنائهم ، والذين استطاعوا نبذ كل مايمت للشبهات بصلة ، كما ساهمت العناصر الدينية المتطورة من ابناء الشبك أو من المرجعيات الدينية في عملية التنوير والإرشاد والمواعظ والتثقيف بما يخدم الدين ويثبت دعائمة في المجتمع الشبكي ، وبالتالي خدمة المجتمع الشبكي الذي برز متمسكا ليس فقط بديانته ومذاهبه ، وإنما بقيمه وأعرافه وتقاليده المنسجمة مع قيم المجتمع العراقي .

بالإضافة إلي المساهمة الأكيدة والفعالة في الأحزاب العراقية الوطنية ، العربية منها والكردية ، حيث شكلت الثقافة السياسية لفتة جديرة بالانتباه لما حققته في تنوير الذعنية في المجتمع الشبكي ، بالنظر لتشخيصها مكامن التهميش والظلم الذي يعانيه المجتمع الشبكي ، وبالنظر للسياسة الشوفينية والطائفية التي تنهجها السلطات البائدة مما شكل ردة فعل للمجتمع الشبكي الممتليء بالظلم والتهميش من هذه الحكومات .

وبرز جيل متنور ومتعلم من الشبك مما يجعل المرء يفتخر بقابليتهم وقدرتهم على نشر المعرفة والثقافة وقيادة تغيير المجتمع الشبكي ، بالإضافة إلي بروز جيل من رجال الدين المجاهدين الذين يفهمون الدين ليس بالإنغلاق والتعصب والتطرف ، وإنما بالسلوك الإنساني الملتزم .

___________________________________
المصادر:

( 1 ) ) بطرس البستاني – محيط المحيط – مكتبة لبنان 1977 ص 429

( 2 ) المنجد في اللغة – لويس معلوف ص 372

(3 ) عباس العزاوي – تاريخ العراق بين احتلاليــن – مطبعة التفيض الاهلية بغداد 1939 م

( 4 ) كامل مصطفى الشيبي، "الطريقة الصفوية ورواسبها في العراق المعاصر"، مكتبة النهضة، بغداد 1966. - كامل مصطفى الشيبي، "الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى مطلع القرن الثاني عشر الهجري"، مكتبة النهضة، بغداد 1966 ص 45-46

( 5) احمد حامد الصراف – الشبك – مطبعة المعارف بغداد 1954 ص 11

( 6 ) الدكتور رشيد الخيون – الأديان والمذاهب بالعراق – دار الجمل كولونيا / المانيا 2003

( 7 ) مجلة المجمع العلمي العراقي – الهيئة الكردية – المجلد 23و24 / 1992

( 8) رشيد البندر – الشبك أكراد عراقيون – دراسة منشورة بجريدة الحياة اللبنانية بتاريخ 29 آب 1999 - ص 14

( 9 ) شبكي – الثقافة الجديدة العدد 12/1993 بتاريخ 30/2 /1993 ص 142-144

( 10 ) شاخه وان – بحث منشور في مجلة سه ر هلدان – رقم العدد مجهول - اربيل 1955 الصفحة138

( 11 ) ثامر عبد الحسن العامري – موسوعة العشائر العراقية / ج 7 – الطبعة الاولى – دار الشؤون الثقافية بغداد 1994 .

(12 ) حسن عكلة – مقال عن الشبك بعنوان ( اشكالية الأنتماء لدى الشبك ) - منشور على الأنترنيت صفحة بحزاني www.bahzani.org/arb/showthread.php .

( 13 ) نصرت مردان – الشبك مذهب يحتضن القوميات المتآخية في العراق – بحث منشور على الأنترنيت www.shiachat.com/forum/lofiversion/index.php.

( 14 ) أدهام عبد العزيز الولي – دراسة منشورة في صحيفة تركمان العراق الالكترونية على الأنترنيت ، ودراسة منشورة بجريدة الزمان بتاريخ 25/6/2003.

( 15) عباس العزاوي – تاريخ العراق بين احتلالين الجزء الثالث – مطبعة التفيض الاهلية – بغداد 1939 – ص 152 ( 14 ) صافي الياسري – صحيفة المدى العدد 453-7 في 2 آب 2005

( 16 ) السيد صافي الياسري – دراسة على حلقتين منشورة في صحيفة المدى العراقية بتاريخ 2- 3 / أب / 2005 .

( 17 ) ميشيل ليزيرك – الشبك – المتغيرات القومية في كردستان العراق – دراسة سكانية خلال الأعوام 1996-1998 ترجمة الدكتور أسماعيل سلطان

( 18 ) أحمد شوكت – الشبك الكورد المنسيون – وزارة الثقافة باقليم كردستان – السليمانية 2004 ص 48-80

( 19 ) سي جي ادمونز – كرد وعرب وترك سياسة ورحلات وبحوث عن الشمال الشرقي من العراق 1919 – 1925 – ترجمة جرجيس فتح الله – مطبعة التايمس بغداد 1971 ص 179

( 20 ) د. داود الجلبي – رسالة منشورة في كتاب أحمد حامد الصراف – الشبك – ص 8

( 21 ) عبد المنعم الغلامي – بقايا الفرق الباطنية في الموصل – مقال منشور في مجلة المجلة الموصلية – العدد 22 في 16/آب / 1939 ص 30-31

( 22 ) حسن العمري – اللقالق – مطبعة جامعة الموصل 1985 ص 101

( 23 ) سعيد الديوه جي – تاريخ الموصل – الجزء الاول – الموصل 1982 مطبعة دار الكتب للطباعة والنشر ص 81 .

( 24 ) القس سليمان الصائغ – تاريخ الموصل – الجزء الأول – القاهرة 1927 ص 255

( 25 ) عبد الرحمن محمد بن خلدون – مقدمة ابن خلدون – الطبعة الاولى بيروت دار القلم 1978 ص 130 .

( 26 ) ثامر عبد الحسن العامري – موسوعة العشائر العراقية / ج 7 – الطبعة الاولى – دار الشؤون الثقافية بغداد 1994 .

( 27 ) س . باشا لار – مقالة منشورة بصفحة كركوك الالكترونية .

( 28 ) عباس العزاوي – المصدر السابق – ص 95

( 29 ) أحمد حامد الصراف – المصدر السابق – ص 2 – 7-8

( 30 ) دائرة ( موسوعة ) المعارف الإسلامية ص 238-239

(31 ) عبد المنعم الغلامي – المصدر السابق – ص 45

( 32 ) صافي الياسري – المصدر السابق

( 33 ) السيد شمس الدين السيد عباس – مقال حول الشبك منشور في مجلة قارد آشلق التركمانية العدد 12 السنة الثالثة عشر / 1974 ص 5

( 34 ) علي الوردي – لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث – الجزء الاول – مطبعة الارشاد – بغداد 1969 ص 36

( 35 ) زهير كاظم عبود – لمحات عن الشبك – دار الرافد لندن 2000 ص 70-71

( 36 ) شاخه وان – بحث منشور في مجلة سه ر هلدان – رقم العدد مجهول - اربيل 1955 الصفحة138

( 37 ) د. رشيد الخيون – مقالة منشورة في صفحة تحت المجهر بالأنترنيت بعنوان الشراكة بالوطن – أديان ومذاهب العراق .

( 38 ) ستيفن همسلي لونكريك – العراق الحديث 1900-1950 ، ترجمة جعفر الخياط ص 20

( 39 ) ميشيل ليزيرك – المرجع السابق

( 40 ) شاخه وان – بحث منشور في مجلة سه ر هلدان – رقم العدد مجهول - اربيل 1955 الصفحة 103 – 114

( 41 ) أدهام عبد العزيز الولي – مخطوطة - نقلاً عن معجم البلدان لياقوت الحموي / خمسة مجلدات – بيروت دار الكتاب العربي 1988 ، والأعلام - قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين لنافع يونس – المجلد الثامن – دار العلم للملايين 1980 .

( 42 ) السيد شمس الدين السيد عباس – المرجع السابق ص 6 .

( 43 ) زهير كاظم عبود – لمحات عن الشبِك –دار الرافد – لندن 2000

( 44 ) أحمد شوكت – المرجع السابق – ص 166-168

( 45 ) أحمد شوكت – المرجع السابق – ص 166
________________________

المؤلف في سطور

زهير كاظم عبود

متخرج من كلية القانون والسياسة – جامعة بغداد

عمل معاوناً قضائياً و محققاً عدلياً ومحامياً في المحاكم

تخرج من المعهد القضائي العراقي 1984/1985

عمل قاضياً في المحاكم العراقية

عضو اتحاد الكتاب في السويد

محاضر في كلية القانون بالأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك

أصدر الكتب التالية :

1- لمحات عن اليزيدية – بغداد - دار النهضة 1994

2- لمحات عن اليزيدية - لندن – دار الرافد 2000

3- لمحات عن الشبك – لندن دار الرافـــد 2000

4- ليلة القبض على رئيس الجمهورية – دار المنفى – السويد 2002

5- جمهورية الغجـــر – السويـــد 2003

6- البهتان في اسلام ابي سفيان – السويد 2003

7- كتابات في القضية الكردية والفيدرالية وحقوق الإنسان – دار دراسات كردستانية - السويد 2004

8- مخابرات صدام وأغتيال الشيخ طالب السهيل شيخ بني تميم – لندن دار الحكمة 2004

9- لمحات عن سعيد قزاز – وزارة الثقافة – إقليم كردستان – العراق 2004

10- الأيزيدية.. حقائق وخفايا وأساطير – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 2004

11- نظرة في القضية الكردية والديمقراطية في العراق – دار دراسات كردستانية – ستكهولم 2005

12- عدي بن مسافر مجدد الديانة الأيزيدية - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت 2005

13 – النقاط المهمة في الدستور العراقي القادم – دار حمدي للنشر والطباعة – 2005

14 - طاؤوس ملك / كبير الملائكة لدى الأيزيدية – دار سردم للنشر والطباعة - 2005

15- الإرهاب في العراق – دار دراسات كردستانية – السويد 2006

أصدر في العراق دراستين قانونيتين بأشراف وزارة العدل :

التحقيق الأبتدائي وأجراءاته 1986

اليمين في القانون العراقي 1992

وله تحت الطبع :

كتابات في الشأن العراقي

قراءة في قضايا المرأة العراقية

التنقيب في التاريخ الأيزيدي القديم

أوراق قضائية

الفهرست

مقدمة

المدخل

الفصل الأول - من هم الشبك

الفصل الثاني -حقيقة الشبك الدينية

الفصل الثالث - لغة الشبك

الفصل الرابع - القرى والمواقع الشبكية

الفصل الخامس - العادات والتقاليد والأعراف

المصادر

سيرة ذاتية

الفهرست